أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، عَلَى الشَّامِ، وَعَزَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، قَالَ: فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: بُعِثَ عَلَيْكُمْ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدةَ بْنُ الْجَرَّاحِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (خَالِدٌ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَنِعْمَ فَتَى الْعَشِيرَةِ) [صحيح]

 

** هذه خصائص اختص بها النبي -صلى الله عليه وسلم- من أصحابه من اختصه بها ممن اختصه الله منهم بقوله: {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد:10] فبانت به فضيلتهم وارتفعت به درجاتهم، ثم قال تعالى: {وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} والحسنى هي الجنة ... فدخل في ذلك جميع الصحابة، فثبت بذلك أن للصحابة فضلا على الناس جميعا، وأنهم يتفاضلون بما كان منهم مما قد ذكره الله تعالى في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

 

** واسم أبي عبيدة: عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري القرشي، أمين الأمة، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، شهد المشاهد كلها، وثبت مع رسول الله يوم أحد، ونزع بفمه الحلقتين اللتين دخلتا في وجه رسول الله من حلق المغفر وعض عليهما حتى سقطت ثنيتاه، فكان الهتم يزينه، وتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنه راض

مات أبو عبيدة سنة ثماني عشرة (18هـ) في طاعون عمواس، وقبره بغور نيسان عند قرية تسمى عمتا (بالأردن الآن)، وصلى عليه معاذ بن جبل.

** قال صلى الله عليه وسلم: (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله عز وجل أبيّ، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح) [صحيح رواه أحمد والترمذي]

 

// وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أنس بن مالك الأنصاري -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن لكل أمة أمينا، وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح) والأمين هو الثقة الرضي. وإضافته إلى الأمة تدل على أنه مرضي من الأمة جميعها ثقة عنهم.

ولكن الشيعة لم يعترفوا بفضلة، ولم يراعوا حق صحبته، بل أشرعوا سهامهم في وجهه، كما فعلوا مع إخوانه صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ووجهوا إليه العديد من المطاعن والتهم، منها زعمهم أن تلقيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي عبيدة بـ (أمين هذه الأمة) مطعن لا مدح فيه، وذكروا في سبب إطلاق هذا اللقب عليه من قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قصة مكذوبة، ملخصها:

أن جماعة من الصحابة تآمروا فيما بينهم إن مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن لا يعطوا الخلافة لبني هاشم أبدا -يريدون بذلك حرمان علي وذريته منها على مزاعم الشيعة- وكتبوا في ذلك صحيفة ودفنوها في جوف الكعبة، وكان كاتب هذه الصحيفة هو أبو عبيدة بن الجراح، وهو الذي ذهب بها إلى مكة ودفنها في جوف الكعبة، فأطلع الله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -على حد زعم الشيعة - على مؤامراتهم، فقال لأبي عبيدة: أنت أمين قوم من هذه الأمة على باطلهم.

ولم يكتف الشيعة بهذا، بل وصفوا أبو عبيدة بأنه من أعداء آل محمد، وأحد المعينين لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، على اغتصاب الخلافة من علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

لكن المناسبة التي لأجلها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا الحديث، ولقب بسببها أبا عبيدة بهذا اللقب تبطل دعواهم، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أنس -رضي الله تعالى عنه-: "أن أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا ابعث معنا رجلا يعلمنا السنة والإسلام، قال: فأخذ بيد أبي عبيدة فقال: (هذا أمين هذه الأمة).

ولا يصح أن يرسل معهم ليعلمهم أمور الدين من هو عنده غير أمين، وهو الناصح لأمته صلى الله عليه وآله وسلم الحريص عليها.

 

// وكذا أخرج البخاري ومسلم أيضا في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: "جاء أهل نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا رسول الله! ابعث إلينا رجلا أمينا. فقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: (لأبعثن إليكم رجلا أمينا، حق أمين، حق أمين). قال: فاستشرف لها الناس. قال: فبعث أبا عبيدة بن الجراح.

ويعني بالناس في قوله: "فاستشرف لها الناس" أي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنهم تطلعوا إلى الولاية ورغبوا فيها حرصا على تحصيل الصفة المذكورة، وهي الأمانة، لا على الولاية من حيث هي، حتى إن عمر رضي الله تعالى عنه -مع فضله وتقدمه على غيره- قال: "ما أحببت الإمارة قط حبي إياه يومئذ رجاء أن أكون صاحبها".

// ولقد عرف الصحابة لأبي عبيدة هذا الفضل، فقد روى أحمد بسنده إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "لو أدركت أبا عبيدة بن الجراح فاستخلفته وما شاورت فيه، فإن سئلت عنه، قلت: "استخلفت أمين الله وأمين رسوله".

// وفي رواية: "لو استخلفت أبا عبيدة بن الجراح فسألني عنه ربي: ما حملك على ذلك؟ لقلت: سمعت نبيك وهو يقول: إنه أمين هذه الأمة".

// قال الفضيل: أوثق عملي في نفسي حب أبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح وحبي أصحاب محمد عليه السلام جميعا، وكان يترحم على معاوية ويقول كان من العلماء من أصحاب محمد عليه السلام.

// قال الطحاوي: "وَمَنْ أَحْسَنَ الْقَوْلَ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَزْوَاجِهِ الطَّاهِرَاتِ مِنْ كُلِّ دَنَسٍ، وَذُرِّيَّاتِهِ الْمُقَدَّسِينَ مِنْ كُلِّ رِجْسٍ؛ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ النِّفَاقِ".

// فالواجب أن يكون مقتضى المحبة والوَلَايَة أن يكون المؤمن عالماً بفضائلهم، وأن يكون مدافعاً عنهم لأنَّ هؤلاء هم الصفوة.

** جاء في تفسير قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ...} [المجادلة:22] الآية: أنها نزلت في أبي عبيدة بن الجراح، لما قتل أباه يوم بدر.

// ففي سنن البيهقي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبٍ قَالَ: جَعَلَ أَبُو أَبِى عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ [واسمه عبد الله الجراح] يَنْصِبُ الأَلِهَةَ لأَبِى عُبَيْدَةَ يَوْمَ بَدْرٍ (وفي رواية: جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح ينعت له الآلهة يوم بدر) (وفي رواية يتصدى) وَجَعَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَحِيدُ عَنْهُ، فَلَمَّا كَثَّرَ الْجَرَّاحُ [أي والده] قَصَدَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ فَقَتَلَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ هَذِهِ الآيَةَ حِينَ قَتَلَ أَبَاهُ {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ .. } إِلَى آخِرِهَا.

(صحيح مرسل) وجود الحافظ ابن حجر إسناده في الإصابة (4403)

// إن الإخوة الحقيقية هي أخوة العقيدة .. قَالَ تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا} يَعْنِي حُبًّا. وَعَلَى حَسَبِ التَّآلُفِ عَلَى الدِّينِ تَكُونُ الْعَدَاوَةُ فِيهِ إذَا اخْتَلَفَ أَهْلُهُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَقْطَعُ فِي الدِّينِ مَنْ كَانَ بِهِ بَرًّا وَعَلَيْهِ مُشْفِقًا.

هَذَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ, وَقَدْ كَانَتْ لَهُ الْمَنْزِلَةُ الْعَالِيَةُ فِي الْفَضْلِ وَالْأَثَرِ الْمَشْهُورِ فِي الْإِسْلَامِ, قَتَلَ أَبَاهُ يَوْم بَدْرٍ وَأَتَى بِرَأْسِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ, حِينَ بَقِيَ عَلَى ضَلَالِهِ وَانْهَمَكَ فِي طُغْيَانِهِ. فَلَمْ يُعْطِفْهُ عَلَيْهِ رَحْمَةٌ، وَلَا كَفَّهُ عَنْهُ شَفَقَةٌ, وَهُوَ مِنْ أَبَرِّ الْأَبْنَاءِ, تَغْلِيبًا لِلدِّينِ عَلَى النَّسَبِ، وَطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى طَاعَةِ الْأَبِ، وَفِيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.. }

// قال تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}التوبة24

** اللهم صل على عبيدة بن الجراح فإنه كان يحبك ويحب رسولك -صلى الله عليه وسلم-.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply