بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
نشأته
** ولد سنة إحدى وأربعين في الطائف بالحجاز، روى أنه لم يرضع الثدي حتى قال بعض الكهان: اذبحوا له ثلاث جدي، وألعقوه بعض دمها، وغسلوه بالدم، ففعلوا؛ فلذلك آتى يحب سفك الدم. وولد بغير مخرج فَغُورَ له مخرج بالحديد.
** ونشأة الحجاج بالطائف كانت أحد دواعي فصاحته وبلاغته، فقد كانت لهجة الطائف من أفصح لهجات العرب، وقد حفظ القرآن منذ نعومة أظفاره.
** لم يزل الحجاج في كنف أبيه، وكان أبوه رجلا نبيلا جليلَ القدر، إلى أن انتقل إلى الشام فلحق بروح بن زنباع نائب عبد الملك بن مروان فكان في عداد شرطته، ثم ما زال يظهر حتى قلده عبد الملك أمر عسكره، وأمره بقتال ابن الزبير فزحف إلى الحجاز بجيش كبير فحاصره بمكة وقتله وفرق جموعه وأخرجه فصلبه، ثم ولاه عبد الملك مكة والمدينة والطائف فولي الحجاز ثلاث سنين، ثم ولي العراق وخراسان عشرين سنة عاملا لعبد الملك بن مروان، وبعده لابنه الوليد. وقد وفد العراق والثورة قائمة فيه، فانصرف إلى بغداد في ثمانية أو تسعة رجال على النجائب، فقمع الثورة وثبتت له الإمارة عشرين سنة. وبنى مدينة واسط بين الكوفة والبصرة.
مات بمدينة واسط في شوَّال، وقيل في رمضان سنة 95هـ، وعمره 54 سنة
** وأول ما علم من جوره: أن أباه خرج من مصر يريد عبد الملك، ومعه ابنه الحجاج، فأقبل سليم بن عمرو القاضي، وكان من أورع الناس وأتقاهم، فقام إليه أبوه يوسف، فسلم عليه، وقال له: ألك حاجة إلى أمير المؤمنين؟ فقال: نعم، أن تسأله يعزلني عن القضاء، فقال يوسف: لوددت أن قضاة المسلمين كلهم مثلك، فكيف أسأله ذلك ثم انصرف، فقال الحجاج لأبيه: من هذا الذي قمت إليه؟ فقال: هذا سليم بن عمرو قاضي مصر وقاصهم، فقال: يغفر اللّه لك يا أبت، أنت ابن عقيل تقوم إلى رجل من كندة؟! فقال: واللّه إني لأرَى الناس ما يرحمون إلا بهذا وأشباهه، فقال واللّه، ما يفسد على أمير المؤمنين إلا هذا وأشباهه، يقعدون وتقعد إليهم أحداث، فيذكرون سيرة أبي بكر وعمر؛ فيخرجون على أمير المؤمنين، فواللّه لو أضيف إلَي هذا الأمر، لسألت أمير المؤمنين أن يجعل لي السبيل، فأقتل هذا وأشباهه، فقال له: اتق اللّه يا بني، والله إني لأظن أن اللّه خلقك شقيّاً.
** وأول ما أعجب به عبد الملك منه: أنه كان قد اتصل بروح بن زنباع، وصار من جملة شرطته، وكان روح بن زنباع بمنزلة نائب عبد الملك. توجه إلى الجزيرة لقتال زفر بن الحارث عندما عصى عليه بقرقيسيا، فأمر روح بن زنباع جماعة من أصحاب شرطته يحثون المتأخرين من العسكر في كل منزل، وكان الحجاج من جملتهم، فمر يوماً بعد رحيل العسكر بجماعة من خواصِّ روح في خيمة يأكلون، فأمرهم الرحيل، فسخروا منه أولا لمحلهم، وثانياً لمحل سيدهم، وقالوا له: انزل كُلْ واسكُتْ، فضرب بسيفه أطناب الخيمة، فسقطت عليهم، وأطلق فيها ناراً، فأحرقت أثاثهم، فقبضوا عليه، وأتوا به روح بن زنباع، وسمع عبد الملك الخبر، وطلبه وقال: من فعل هذا بغلمان روح؟ فقال: أنت يا أمير المؤمنين، أمرتنا بالاجتهاد فيما وليتنا، ففعلنا ما أمرت، بهذه الفعلة يرتدعُ من بقي من العسكر، وما على أمير المؤمنين أن يعوضهم ما احترق، وقد قامت الحرمة وتم المراد. فأعجب عبد الملك ذلك، وقال: إن شرطيكم لجلد. ثم أقره على ما هو عليه.
** ولما طال الحصار والقتال بينه وبين زفر بن الحارث، أرسل عبد الملك رجاء بن حيوة وجماعة منهم الحجاج إلى زفر يدعوه إلى الصلح، فأتوا بالكتاب وقد حضرت الصلاة، فقام رجاء، فصلى مع زفر، وصَلى الحجاج وحده، فسئل عن ذلك. قال: لا أصلي مع منافق خارج عن أمير المؤمنين وبارز عن طاعته، فسمع ذلك عبد الملك، فزاده عجباً بالحجاج، ورفع قدره، وولاه تبالة، وهي أول ما وَلِي، فخرج إليها، فلما قرب، سأل عنها، فقيل له: إنها وراء هذه الأكمة، فقال: أف لبلد تسترها أكمة، ورجع، فقيل في المثل: «أهون على الحجاج من تبالة»، ثم وصل إلى ما وصل إليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد