سطور في سيرة الحجاج الثقفي 5


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

ولاية العراق

** للبُخاريِّ عن الزُّبير بن عَدِي. قال: أتينا أنَساً، فشَكَوْنا إليه ما نلْقَى من الحجَّاج. فقال: "اصْبروا؛ فإنه لا يأتي عليكُم زمانٌ، إلا والذي بعدَه شرّ منه" سمعتُه من نبيِّكُم -صلى الله عليه وسلم-.

** حين قدم الحجاج بن يوسف العراق بدأ بالكوفة قبل البصرة، فنودي الصلاة جامعة، فأقبل الناس إلى المسجد والحجاج متقلد قوسا وعليه عمامة خز حمراء متلثما، فقعد وعرض القوس بين يديه ثم لم يتكلم حتى امتلأ المسجد، فقال محمد بن عمير: فسكت حتى ظننت إنما يمنعه العي، وأخذت في يدي كفا من حصى أردت أن أضرب به وجهه. قال: فقام فوضع نقابه وتقلد قوسه وقال:

أنا ابن جلا  [الجلا: الأمر العظيم]

وطلاع الثنايا [الثنية الأرض ترتفع وتغلظ، يريد أنه مشمر ليس صاحب خفض ولا دعة]

متى أضع العمامة تعرفوني،

إني لأرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها

كأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى،

ليس بعُشِّكِ فادْرُجي [فَادْرُجي أي امضي .. والمعنى ليس هذا من الأمر الذي لك فيه حق، فدعه، وهو مثل يضرب لمن يتعرض إلى شيء ليس منه]

قد شمرت عن ساقها فشمري [مثل يحض به على الجد في الأمر]،

هذا أوان الشد فاشتدي، قد لفَّهَا [جمعها] الليلُ [أي الإبل] بَسَّاقٍ حُطَمْ [رجل حطم للذي يأتي على الزاد لشدة أكله، ويقال للنار التي لا تبقي حطمة، هذا مَثُل ضَربَه لنفْسهِ ورعيّته فجَعَلَهم بمنزلة ناقة أو إبِلِ لرجُل قَويّ شَديد يَسري وَيُتْعِبُها ولا يَرْكن إلى دَعَة ولا سُكون]

ليس براعي إبل ولا غنم [يعنى أنه عظيم القدر وليس ممن يرعى]

ولا بجزَّازٍ عَلَى ظَهْرِ وَضَمْ [الوضم: كل ما قطع عليه اللحم، يريد: أنَّه ليس ممّن يُبَاشِر للحّم بيده ويبتذل نفسه]

قد لفها الليل بعَصْلَبِّى [أي شديد يقصد نفسه]

أرْوَعَ خَرَّاجٍ من الدَّوىّ [أي الفلاة والمعنى أذكى خراج من كل غماء شديدة]

مهاجر ليس بأعرابي

قد شمرت عن ساقها فشدوا، وجدت الحرب بكم فجدوا، [وإنَّما خصَّهم يومئذ على اللَّحوق بالمُهَلَّب وكان يُقاتِل الأزارِقَة]

والقوس فيها وترٌ عُرُدٌّ [شديد]

مثلُ ذِراع البَكْر أو أشَدُّ [شَبَّه الوتَرَ بِذراع البَعِيرِ في تَوَتُّرِه]

ثم قال إن أمير المؤمنين نكب كنانته بين يديه [كبها]

فعجم عيدانها [يريد أنه اختبر سهامها يقال عجمت العود إذا عضضته بأسنانك]

فوجدني أمرها عودا وأصلبها مكسرا فوجهني إليكم

ألا فوالله لأَعْصِبَنَّكْمْ عَصْبَ السَّلَمة [الشجرة يشدها الرجل بنسعة إذا أراد أن يحيطها حتى لا يشد شوكها فيصيبه، فيضرب مثلا لمن عصبه شر وأمر]

ولأُلْحَونكم لْحَوَ العُودِ [اللحو التقشير، يقال لحوت العصا ولحيتها إذا قشرتها]

ولأضْرِبَنَّكُمْ ضَرْبَ غَرَائِب الإبل [وذلك أن الإبل إذا وردت الماء فدخلت فيها غريبة من غيرها ردت عن الماء وضربت حتى تخرج عنها]

ولآخذنَ الوَلِىَّ بالمَوْلى حتى تستقيمَ قناتكم، وحتى يلقى أحدكم أخاه فيقول انج سعد فقد قتل سعيد،

ألا وإياي وهذه السُّقْفاء [الجماعات] والزَّرافات [الشّفعاء];

فإني لا آخذ أحدا من الجالسين في زرافة إلا ضربت عنقه [وكانوا يجتمعون إلى السلطان يشفعون فى المُرِيب; فنهاهم من ذلك]

 

** روى ابن الكلابي، عن عوانة بن الحكم قال: سمع الحجاج تكبيرَاً في السوق، وهو في الصلاة، فلما انصرَفَ، صعد المنبر، فقال: يا أهل العراق، يا أهل الشقاق والنفاق، ومساوئ الأخلاق. قد سمعت تكبيراً ليس بالتكبير الذي يراد به اللّه في الترغيب، ولكنه الذي يراد به الترهيب، إنها عجاجة تحتها قَصف. أي بني اللكيعة، وعبيد العصا، وأولاد الإماء، أَلاَ يربأ الرجل منكم على ظَلْعِه [أي: يسكت على دائه وعيبه]، ويحسن حمل رأسه، وحقن دمه؛ فيبصر موضع قدمه؛ واللّه ما أرى الأمور تنتقل بي وبكم حتى أوقع بكم وقعة تكون نكالا لما قبلها، وتأديباً لما بعدها.

** خرج الحجاج متصيدا لأحوال الرعية، فوقف على أعرابي يرعى إبلا له فقال له: يا أعرابي كيف رأيت سيرة أميركم الحجاج؟ قال له الأعرابي: غشوم ظلوم لا حياة الله؟ فقال: فلم لا تشكوه إلى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان ؟ قال: عبد الملك بن مروان فأظلم وأغشم، فأحاط به الجند واعتقلوه وأخبروه أن الذي كان معه هو الحجاج، فقال الأعرابي: يا حجاج السر الذي بيني وبينك أحب أن يكون سرا مكتوما، فضحك الحجاج وأمر بتخلية سبيله.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply