بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الحجاج واعظا ومتهورا
** قال سيار أبو الحكم: سمعتُ الحجاج على المنبر يقول: أيها الرجل، وكلُكم ذلك الرجل، رجل خطم نفسه فزمها فقادها بخطامها إلى طاعة اللّه تعالى، وعنجها بزمامها عن معاصي اللّه. [عنج ناقته بزمامها: جذب زمامها لتقف]
** قال مالك بن دينار: سمعت الحجاج يخطب فيقول: امرؤ زود نفسه قبل أن يكون الحساب إلى غيره، امرؤ نظر إلى ميزانه، امرؤ عقل عن اللّه أمره، امرؤ أفاق واستفاق، وأبغض المعاصي والنفاق، وكان إلى ما عند اللّه بالأشواق. فما زال يقول ذلك حتى أبكاني.
** روى أنه خطب، فقام إليه رجل فقال له: ما أصفق وجهك، وأقل حياءك، تفعل ما تفعل، ثم تقول هذا؟! فأخذوه، فلما نزل، دعا به فقال له، لقد اجترأت!! فقال: يا حجاج، أنت تجترئ على الله؛ فلا تنكره في نفسك، وأجترئ أنا عليك، فتنكره علي! فخلى سبيله.
** قال شريك، عن عبد الملك بن عمير قال: قال الحجاج يومَاً: من كان له بلاء، فليقم، فلنعطه على بلائه، فقام رجل، فقال: أعطني على بلائي، قال: وما بلاؤك؟ قال: قتلت الحسين، قال: وكيف قتلته؟ قال: دسرته بالرمح دسراً، وهبرته بالسيف هبرَاً، وما أشركت معي في قتله أحداً، قال: أما إنك وإياه لن تجتمعا في موضع واحد. وقال له: اخرج.
** عن سفيان بن حسين، قال: سأل الحجاج الجوهريَّ: ما النعمة؟ قال: الأمن، فإني رأيت الخائف لا ينتفع بعيش، قال: زدني، قال: الصحة، فإني رأيت السقيم لا ينتفع بعيش، قال: زدني قال: الشباب، فإني رأيت الشيخ لا ينتفع بعيش، قال: زدني قال: الغِنَى، فإني رأيت الفقير لا ينتفع بعيش، قال: زدني، قال: لا أجد مزيداً.
** وروى صالح بن موسى الطلحي، عن عاصم بن بهدلة؛ أنهم ذكروا الحسين -رضي اللّه عنه- عند الحجاج فقال: لم يكن من ذرية النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال له يحيى بن يعمر: كذبت أيها الأمير، فقال له الحجاج: لتأتيني على ما قلت ببينة من كتاب اللّه تعالى أو لأقتلنك، فقرأ قوله تعالى: {وَمِن ذُرِيَّتِهِ دَاودَ وَسُلَيماَنَ وَأَيوُبَ وَيوُسُفَ وَمُوسَى وهاَرُونَ وكذَلِكَ نَجزي اَلمُحسِنِينَ وَزكرِيَا وَيحيىَ وَعِيسَى} [الأنعام:84 – 85]، ثم قال: أخبرنا الله أن عيسى من ذرية إبراهيم بأمه، فقال الحجاج: صدقت، فما حملك على تكذيبي في مجلسي؟ قال: أخذ اللّه على الأنبياء ليبيننه للناس ولا يكتمونه، قال: فنفاه الحجاج إلى خراسان.
** قال أبو بكر بن عياش: سمعت الحجاج وذكر هذه الآية: {فَاتقوُا اللَّهَ مَا استطَعتم وَاسمَعُوا وَأَطِيعُوا} [التغابن:16]، قال: هذه لعبد الله أمين اللّه وخليفته ليس فيها مثنوية، واللّه لو أمرتُ رجلا أن يخرج من باب هذا المسجد فأخذ من غيره لحل لي دمه وماله، والله لو أخذت ربيعة بمضر لكان لي حلالا، يا عجباً من عبد هذيل، يزعم أنه يقرأ قرآناً من عند اللّه ما هو إلا رجز من رجز الأعراب، واللّه لو أدركت عبد هذيل، لضربت عنقه.
رواها واصل بن عبد الأعلى شيخ مسلم عن أبي بكر، فقال: قاتل اللّه الحجاج، ما أجرأه على اللّه، كيف يقول هذا في العبد الصالح الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود؟! قال أبو بكر بن عياش: ذكرت قوله هذا للأعمش. فقال: قد سمعته منه.
ورواها محمد بن يزيد عن أبي بكر، فزاد قوله: ولا أجد أحداً يقرأ على قراءته إلا ضربتُ عنقه، ولأحكنها من المصحف، ولو بضلع خنزير.
** روى سفيان بن عيينة عن سالم بن أبي حفصة قال لما أتى الحجاج بسعيد بن جبير قال إنه شقي بن كسير فقال ما أنا إلا سعيد بن جبير بذلك سماني أبواي قال لأقتلنك قال إذا أكون كما سماني أبي سعيدا وقال دعوني أصلي ركعتين فقال الحجاج وجهوه إلى قبلة النصارى فقال سعيد فأينما تولوا فثم وجه الله قال فضرب عنقه.
قال سفيان فلم يقتل بعد سعيد بن جبير إلا رجلا واحدا.
** قال الأصمعي: قال عبد الملك بن مروان للحجاج: إنه ليس أحد إلا وهو يعرف عيبه، فَعِب نفسك، فقال الحجاج: أعفني يا أمير المؤمنين، فأبى عليه، فقال: أنا لجوجٌ [لحوح] حقودٌ حسودٌ، فقال عبد الملك: ما في الشيطان أقبحُ مما ذكرت.
** وقال يزيد بن هارون: أنبأنا العوام بن حوشب، حدثنا حبيب بن أبي ثابت، قال: قال علي - كرم الله وجهه - لرجل: لا مت حتى تدرك فتى ثقيف، قيل: يا أمير المؤمنين، ما فتى ثقيف؟ قال: ليقالن له يوم القيامة: اكفنا زاوية من زوايا جَهنمَ، رجل يملك عشرين سنة لا يدع معصية للّه إلا ارتكبها.
** قال أبو عاصم النبيل: حدثني جليس هشام بن أبي عبد اللّه، قال: قال عمر بن عبد العزيز لعنبسة بن سعيد: أخبرنى ببعض ما رأيت من عجائب الحجاج، قال: كنا جلوساً عنده ليلة، فأتى برجل، وكان قد نهى عن المشي بالليل بعد العشاء الأخيرة، فقال: ما أخرجك هذه الساعة، وقد قلت: لا أجد فيها أحداً إلا فعلت به؟! قال: أما واللّه لا أكذب الأمير، أغمي على أمي منذ ثلاث، وكنت عندها، فلما أفاقت الساعة، قالت: يا بني، أعزم عليك إلا رجعت إلى أهلك؛ فإنهم مغمومون بتخلفك عنهم، فخرجت، فأخذني الطائف، فقال الحجاج: ننهاكم وتعصوننا؟! يا غلام، اضرب عنقه، ثم أتى برجل آخر فقال: ما أخرجك هذه الساعة؟ قال: واللّه لا أكذبك، لزمني غريم، فلما كانت الساعة أغلق الباب وتركني على بابه، فجاءني الطائف فأخذني، فقال: اضربوا عنقه، ثم أتى بآخر، فقال: ما أخرجك هذه الساعة؟ قال: كنت مع شَرب أشرب فعربدوا، فخفت على نفسي فخرجْتُ، ففكَر الحجاج ساعة، ثم قال: رجل أحب المسالمة يا عنبسة، ما أراه إلا صادقاً فأخلوا سبيله.
فقال عمر بن عبد العزيز لعنبسة: فما قلتَ للحجاج شيئاً في ذلك؟ قال عنبسة: لا، فقال عمر لآذنه: لا تأذن لعنبسة إلا أن يكون في حاجة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد