صلاة الاستخارة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إنَّ صلاة الاستخارة مِنَ السنن النبوية المباركة، التي هجرها كثيرٌ مِنَ المسلمين،لذلك أحببت أن أُذَكِّرَ بها نفْسي وطلاب العِلْمِ الكرام، فأقول وبالله تعالى التوفيق:

معنى الاستخارة:

الِاسْتِخَارَةُ: هِيَ طَلَبُ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ لِمَنَ احْتَاجَ إِلَى أَحَدِهِمَا. ( فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ11 ـ صـ 183 )

فائدة مهمة:

 قَالَ ابن أَبِي جَمْرَةَ (رَحِمَهُ اللهُ): الْوَاجِبُ وَالْمُسْتَحَبُّ لَا يُسْتَخَارُ فِي فِعْلِهِمَا، وَالْحَرَامُ وَالْمَكْرُوهُ لَا يُسْتَخَارُ فِي تَرْكِهِمَا،وإنَّمَا تَكُونُ الاستخارة في الْأَمْرِ الْمُبَاحِ وَفِي الْمُسْتَحَبِّ إِذَا تَعَارَضَ مِنْهُ أَمْرَانِ أَيُّهُمَا يَبْدَأُ بِهِ وَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ.  (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ11 ـ صـ 184 )

روى البخاريُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ، يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ، يَقُولُ: إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ،وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي  ـ  أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ ـ  فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي  ـ  أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ  ـ  فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي. قَالَ: وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ. (البخاري ـ حديث: 6382)

 

الحكمة في تقديم الصلاة على دعاء الاستخارة:

قَالَ ابن أَبِي جَمْرَةَ (رَحِمَهُ اللهُ): الْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى الدُّعَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِخَارَةِ حُصُولُ الْجَمْعِ بَيْنَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَيَحْتَاجُ إِلَى قَرْعِ بَابِ الْمَلِكِ وَلَا شَيْءَ لِذَلِكَ أَنْجَعُ وَلَا أَنْجَحَ مِنَ الصَّلَاةِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالِافْتِقَارِ إِلَيْهِ مَآلًا وَحَالًا.

 (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ11 ـ صـ 186 )

* قَوْلُهُ: (فِي الْأُمُورِ)

أَيْ: الَّتِي نُرِيدُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهَا.

* قَوْلُهُ: (إِذَا هَمَّ)

أَيْ: قَصَدَ.

* قَوْلُهُ: (أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ)

أَيْ: مِنْ نِكَاحٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُرِيدُ فِعْلَهُ أَوْ تَرْكَهُ.

* قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ)

أَيْ: يَا اللهُ أَطْلُبُ أَصْلَحَ الْأَمْرَيْنِ.

* قَوْلُهُ: (بِعِلْمِكَ)

أَيْ: أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ تَشْرَحَ صَدْرِي لِخَيْرِ الْأَمْرَيْنِ بِسَبَبِ عِلْمِكَ بِكَيْفِيَّاتِ الْأُمُورِ كُلِّهَا.

* قَوْلُهُ: ( وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ):

أَيْ أَطْلُبُ مِنْكَ يَا اللهُ أَنْ تَجْعَلَنِي قَادِرًا عَلَيْهِ إِنْ كَانَ فِيهِ خَيْرٌ لِي.

* قَوْلُهُ: (فَإِنَّكَ تَقْدِرُ):

بِالْقُدْرَةِ الْكَامِلَةِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُمْكِنٍ تَعَلَّقَتْ بِهِ إِرَادَتُكَ.

* قَوْلُهُ: (وَلَا أَقْدِرُ):

عَلَى شَيْءٍ إِلَّا بِقُدْرَتِكَ وَحَوْلِكَ وَقُوَّتكَ.

* قَوْلُهُ: ( وَتَعْلَمُ ):

بِالْعِلْمِ الْمُحِيطِ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا.

* قَوْلُهُ: ( فَاقْدُرْهُ ) :

أَيْ: اجْعَلْهُ مَقْدُورًا لِي أَوْ هَيِّئْهُ وَنَجِّزْهُ لِي.

* قَوْلُهُ: ( ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ )

أَيْ: أُكْثِرِ الْخَيْرَ وَالْبَرَكَةَ فِيمَا أَقْدَرْتَنِي عَلَيْهِ وَيَسَّرْتَهُ لِي.

* قَوْلُهُ: ( فَاصْرِفْهُ عَنِّي )

أَيْ: بِالْبُعْدِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَبِعَدَمِ إِعْطَاءِ الْقُدْرَةِ لِي عَلَيْهِ وَالتَّعْسِيرِ فِيهِ.

* قَوْلُهُ: ( وَاقَدِرْ لِيَ الْخَيْرَ )

أَيْ: يَسِّرْهُ لِي وَاجْعَلْهُ مَقْدُورًا لِفِعْلِي.

* قَوْلُهُ: ( حَيْثُ كَانَ )

أَيِ: الْخَيْرُ مِنْ زَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ.

* قَوْلُهُ: ( ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ )

أَي: اجْعَلْنِي رَاضِيًا بِخَيْرِكَ الْمَقْدُورِ لِي.

* قَوْلُهُ: ( وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ )

أَيْ: عِنْدَ قَوْلِهِ هَذَا الْأَمْرِ.                                                           

 (مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ3 ـ صـ985)

ثـمرات الاستخارة:

نستطيعُ أن نُوجز ثـمرات الاستخارة  في الأمور التالية:

 (1) دليل على تعلّق قلب المؤمن بالله- عزّ وجلّ- في سائر أحواله.

(2) الرّضا بما قسم الله للإنسان وقدّر.

(3) من أسباب السّعادة في الدّنيا والآخرة.

(4) راحة الإنسان حيث يسعى بما تيسّر له من الأسباب بعد أن يطلب الخير من الله وحيثما رضي وقنع فارتاح.

(5) الحاجة إليها ملحّة في كلّ أمر صغير أو كبير.

(6) الاستخارة ترفع الرّوح المعنويّة للمستخير فتجعله واثقا من نصر الله له.

(7) الاستخارة تزيد ثواب المرء وتقرّبه من ربّه وذلك لما يصحبها من الصّلاة والدّعاء.

(8) الاستخارة دليل على ثقة الإنسان في ربّه ووسيلة للقرب منه.

(9) المستخير لا يخيب مسعاه وإنّما يمنح الخيرة ويبعد عن النّدم.

(10) في الاستخارة تعظيم لله وثناء عليه.

(11) في الاستخارة مخرج مِن الحيرة والشّكّ وهي مدعاة للطّمأنينة وراحة البال.

(12) في الاستخارة امتثال للسّنّة المطهّرة وتحصيل لبركتها.

 (موسوعة نضرة النعيم ـ جـ2 ـ صـ200)

أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصَاً لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأنْ ينفعَ بِهِ طُلاَّبَ العِلْمِ الكِرَامِ.

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply