بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسألهُ الحُملان لهم، إذ هم معه في جيش العسرة، وهي: غزوة تبوك، فقلت: يا نبي الله، إن أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم، فقال: (والله لا أحملكم علي شيء) و وافقته وهو غضبان ولا أشعر، ورجعتُ حزينًا من منع النبي صلى الله عليه وسلم، ومن مخافة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم وجد في نفسه عليَّ.[أخرجه البخاري]
لقد حزن رضي الله عنه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن عنده ما يحملهم عليه. قال الله عز وجل: (وَلا عَلَى الَّذينَ إِذا ما أَتَوكَ لِتَحمِلَهُم قُلتَ لا أَجِدُ ما أَحمِلُكُم عَلَيهِ تَوَلَّوا وَأَعيُنُهُم تَفيضُ مِنَ الدَّمعِ حَزَنًا أَلّا يَجِدوا ما يُنفِقونَ)[التوبة:92]قال الإمام القاسمي رحمه الله: دلت الآية على جواز البكاء وإظهار الحزن على فوات الطاعة، وإن كان معذورًا،
وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: (تَوَلَّوا وَأَعيُنُهُم تَفيضُ مِنَ الدَّمعِ) أي انصرفوا من مجلسك وهم في حال بكاء شديد، هاجه حزن عميق، فكانت أعينهم تمتلئ دمعًا، فيتدفق فائضًا من جوانبها تدفقًا، حتى كأنها ذابت فصارت دمعًا، فسالت همعًا، (حَزَنًا ) منهم وأسفًا، (أَلّا يَجِدوا ما يُنفِقونَ) أي على عدم وجدانهم عندك، ولا عندهم ما ينفقون، ولا ما يركبون في خروجهم معك جهادًا في سبيل الله وابتغاء مرضاته.
وقال الشيخ محمد بن الطاهر بن عاشور رحمه الله: الآية نزلت في نفر من الأنصار...لقبوا بالبكائيين لأنهم بكوا لما لم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الحملان حزنًا على حرمانهم من الجهاد.
فمن منّا من يحزن إذا فاتته الطاعة ؟ وخصوصًا صلاة الجماعة في المسجد، وبعض السلف لا يحزن فقط إذا فاتته صلاة الجماعة، بل يبكي، قال الإمام الذهبي رحمه الله في كتابه : تاريخ الإسلام ":قال محمد المبارك الصوري: رأيت سعيد بن عبدالعزيز إذا فاتته صلاة في جماعة، بكى.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: علامة التعظيم للأوامر: رعاية أوقاتها وحدودها، والتفتيش على أركانها وواجباتها وكمالها، والحرص على تحسينها، وفعلها في أوقاتها، والمسارعة إليها عند وجوبها، والحزنُ والكآبة والأسف عند فوات حق من حقوقها، كمن يحزن على فوات الجماعة، ويعلم أنه لو تُقُبِّلت منه صلاته منفردًا فإنه قد فاته سبعة وعشرون ضعفًا. و لو أن رجلًا يعاني البيع والشراء يفوته في صفقة واحدة في بلده من غير سفر ولا مشقة سبعة وعشرون دينارًا لأكل يديه ندمًا وأسفًا، فكيف وكُلُّ ضعفٍ مما تضاعف به صلاة الجماعة خير من ألفٍ، وألفِ من ألفٍ، وما شاء الله تعالى، فإذا فوت العبد عليه هذا الربح خسر قطعًا.
إن حزن المسلم وتألمه على فوات طاعة الله عليه، دليل على أن قلبه حي، وحياة هذا القلب، مع مجاهدة النفس، والاستعانة بالله عز وجل، ستجعله يحرص في قادم أيامه على عدم فوات الطاعات عليه، ومن صدق أعانه الله.
اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد