أول عربي رعى مدرسة الاستشراق الروسية


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
سأضع هنا فوائد من رحلة الشيخ الأديب محمد عياد الطنطاوي إلى روسيا من عام 1840م إلى عام 1850م، وهو أول عربي رعى مدرسة الاستشراق الروسية، وقد أرسله محمد علي باشا لتعليم العربية هناك.

من كتاب تحفة الأذكياء بأخبار بلاد الروسيا للشيخ محمد عياد المصري الطنطاوي، تحقيق ودراسة نقدية مقارنة محمد سيد علي عبدالعال، ويتحدث الكتاب عن سيرة الشيخ الطنطاوي الذي أمضى حياته في بطرسبورغ أستاذًا للغة العربية في وزارة الخارجية هناك، ومن ثم في جامعة بطرسبورغ، وقد توفي ودفن هناك رحمه الله، كان الشيخ قد درَّس المعلقات لبعض كبار الشخصيات في القنصلية الروسية، ومنها عرفه الروس. اتهمه بعض الجهال بالبدعة لأنه انصرف إلى الشعر والأدب بدلاً من الفقه والحديث، حتى تمنوا موته حين أصيب بالطاعون عام 1836م وأشيع خبر موته،فلما تعافى منه قال مضمنًا:

 تمنى أناسٌ أن أموت، وإن أمت                                  فتلك طريق لستُ فيها بأوحدِ

وإن أظهروا موتي فليس بمنكر                                     إذا أظهر الشيطان موتَ محمدِ!

وقد حاز على مكانة فريدة في علم الاستشراق الروسي، فقد نشر اللغة العربية في بلاد بعيدة عن مسقط رأسه بضواحي طنطا بمصر، بالإضافة إلى ذلك فقد رفع شعلة التنوير والثقافة في بلاده وفي روسيا، ولما وصل إلى "أودسا" وجد التفتيش شديداً بسبب الطاعون، يقول الشيخ: "أمرونا بالتجرد من الثياب جميعها، ثم ينظرنا الحكيم مقبلين ومدبرين، وفي هذا الوقت حصل لي خجل عظيم، وأبيتُ أولاً كعنيزة مع امرئ القيس يوم دارة جلجلِ، وقلتُ إذ ذاك:

ويوم أودسا جردوني بدلتي                                         فصرتُ بلا ثوب كيوم ولادتي!

وقد كتب عنه اغناطيوس كراتشكوفسكي المستشرق الأكاديمي الكبير في بحثٍ صادر في عام 1929 وقد تضمن البحث رسالة الشيخ الطنطاوي إلى المستشرق الروسي فرين التي أورد فيها سيرة موجزة لحياته وكيف بدأ بتعلم القرآن منذ طفولته، وبعد ذلك ألفية ابن مالك في النحو، ثم قرأ شرح المنطق للبلوي وتفسير الجلالين، وبعد عمله في الأزهر والتقائه بالمستشرقين الاوروبيين الذين كانوا يأتون الى مصر.

تحدث الشيخ عن تعامل الروس مع الطاعون في بلادهم فقال: "يبقى المرضى في البيوت، ويُعطى لهم من الشبابيك الأقوات على الميري بعد الملامسة، وكثرة الاحتياط، وعلى تقدير موت المطعون: يهدمون بيته ويحرقونه هو وأمتعته!".

 

سمع الشيخ فتاةً روسية تتحدث العربية، وقالتْ له (اقعد بعافية) –على عادة نساء مصر- ففرح الشيخ لذلك وقال:

فتاة من الإفرنج تنطق بالعرب                                     فتطربني ألفاظها غاية الطرب

وقالت بلطفٍ بعد طول تحدثٍ                                   بعافيةٍ اقعد" سليماً من العطب

فقلت لها: إني فديتك راحلٌ                                       غدًا، وفؤادي قاعد عند من أحب.

وبعد تعلمه اللغة الروسية عين أستاذًا في جامعة بطرسبورغ عام 1847م، وبقي فيها حتى التقاعد في عام 1861م، ونال رسالة شكر من القيصر وخاتمًا مرصعًا من ولي العهد، ويعتبر هذا الكتاب تعريفًا للمسلمين بأحد العلماء الذين أسهموا بنشر علوم اللغة ونفائس المصنفات الإسلامية في بلاد الروس البعيدة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply