بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من مصنفات الإمام الحافظ الذهبي رحمه الله، في السير والتراحم: كتاب " معرفة القراء الكبار على الطبقات والاعصار " ترجم فيه للقراء، وفي ثنايا هذه التراجم فوائد، يسّر الله الكريم لي فاخترتُ بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها.
متابعة السنة أولى:
أبو بكر بن عياش، روي من غير وجه عنه أنه مكث أربعين سنة أو نحوها، يختم القرآن في كل يوم وليلة. قلت:[القائل الإمام الذهبي] إذا سمعت مثل هذا عن الرجل يعظم في عيني وأغبطه، ولكن متابعة السنة أرفع، فقد نهى صلى الله عليه وسلم أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث، وقال: (لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث) صدق نبينا صلى الله عليه وسلم، فلعل هؤلاء ما بلغهم النهي عن ذلك، والله أعلم.
قول: " يخلق " للإنسان إطلاق لا ينبغي:
إبراهيم بن علي بن أغلب الزوالي، قال ابن مسدي: كان في القراءات إمامًا، وفي علو إسنادها إمامًا، وله في الحديث الرواية والدراية وسمو الغاية، وأما الأدب فكان فيه بحرًا يقذف دررًا، ويخلق بحر الكلام نظمًا ونثرًا.
قلت [القائل الحافظ الذهبي] : قوله: " ويخلق " إطلاق لا ينبغي، فإن الله تعالى يقول: (والله خلقكم وما تعملون) [الصافات: 96] وقال تعالى: (هل من خالق غير الله) [فاطر:3] فالأولى أن يقال: " ينشئ " والله أعلم.
قراءة أكثر من طالب القرآن على الشيخ في آن واحد خلاف السنة:
علي بن محمد ابن عبدالصمد بن عبدالأحد بن عبد الغالب بن غطاس، الإمام العلامة شيخ القراء، علم الدين، أبو الحسن الهمداني السخاوي، المقرئ.
قال القاضي في " وفيات الأعيان " : رأيته مرارًا راكبًا بهيمة إلى الجبل، وحوله اثنان أو ثلاثة يقرؤون عليه دفعة واحدة فيي أماكن من القرآن مختلفة، وهو يردّ على الجميع.
قلت [القائل: الإمام الذهبي] : ما علمت أحدًا من المقرئين ترخص في إقراء اثنين فصاعدًا، إلا الشيخ علم الدين، وفي النفس من صحة تحمل الرواية على هذا الفعل شيء، فإن الله تعالى ما جعل لرجل من قلبين في جوفه، ولا ريب في أن هذا العمل خلاف السنة، لأن الله تعالى يقول: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) [الأعراف:204] فإذا كان هذا يتلو في سورة، وهذا في سورة، وهذا في سورة في آن واحد، ففيه جملة مفاسد:
أحدها: زوال بهجة القرآن عند السامعين.
وثانيها: أن كل واحد يشوش على الآخر، مع كونه مأمورًا بالإنصات.
وثالثها: أن القارئ منهم لا يجوز له أن يقول: قرأت على الشيخ علم الدين وهو يسمع، ويعي ما تلوته، كما لا يسوغ للشيخ أن يقول لكل فرد منهم: قرأ عليَّ فلان القرآن جميعه وأنا منصت لقراءته، فما هذا في قوة البشر، بل هذا في مقام الربوبية، كما قالت أم المؤمنين عائشة، " سبحان من وسع سمعه الأصوات " وإنما يصح التحمل إجازة الشيخ التلميذ، ولكن تصير الرواية بالقراءة إجازة لا سماعًا من كل وجه.
الخشوع في الصلاة:
يعقوب الحضرمي، كان عالمًا بالعربية، فاضلًا تقيًا نقيًا ورعًا زاهدًا، بلغ من زهده أنه سُرِق رداؤه عن كتفه وهو في الصلاة ولم يشعر، ورُدّ إليه ولم يشعر لشغله بالصلاة
الحفظ في الصغر:
خلف بن هشام، المقرئ، أحد الأعلام، قال: حفظت القرآن وأنا ابن عشر سنين.
علي بن هبة الله بن سلامة بن المسلم ابن الجميزي، حفظ القرآن وهو ابن عشر.
فائدة الحفظ في الصغر:
عن علقمة قال: ما حفظت وأنا شاب، فكأني أنظر إليه في قرطاس.
ملازمة الشيوخ لمدة طويلة:
قتيبة بن مهران الإصبهاني الأزاذاني المقرئ، صحب الكسائي أربعين عامًا، وقرأ عليه.
أدب الطالب في التنبيه على خطأ الشيخ، ورجوع الشيخ عن الخطأ، وذكر من نبهه:
محمد بن القاسم، أبو بكر بن الأنباري، المقرئ، النحوي، ذكر الدارقطني أنه حضره في مجلسه يوم جمعة، فصحّف اسمًا، فأعظمتُ له أن يُحمل عنه وهم، وهبته، فلما انقضى المجلس عرَّفت مستمليه، فلما حضرت الجمعة الآتية، قال للمستملي: عرّف الجماعة أنا صحفنا الاسم الفلاني، ونبهنا ذلك الشاب على الصواب.
زِد من الضرب وزِد من الحديث:
قال صالح جزرة: سمعت هشام بن عمار يقول: دخلت على مالك، فقلتُ: حدثني، فقال: اقرأ، فقلت: لا، بل حدثني، فقال: اقرأ، فلما راددته، قال للغلام: اضربه، فضربني خمس عشرة درة، فقلتُ: ظلمتني، لا أجعلك في حل، فقال: ما كفارته، فقلتُ: أن تحدثني بخمسة عشر حديثًا، فحدثني، فقلتُ: زِد من الضرب وزِد في الحديث، فضحك، وقال: اذهب
المجالس تكون مجالس علم:
أبو القاسم الشاطبي، كان متجنب فضول القول، ولا يتكلم في سائر أوقاته إلا بما تدعو إليه الضرورة، ويمنع جلساءه من الخوض إلا في العلم والقرآن.
الصدقة تجلب الغنى:
علي بن محمد بن علي بن هذيل، المقرئ، الزاهد، أحد الأعلام، كان كثير الصدقة، يتصدق على الأرامل واليتامى، فقالت له زوجته: إنك لتسعى بهذا في فقر أولادك، فقال لها: لا والله، بل أنا شيخ طماع أسعى في غناهم.
السكوت والكلام:
قال أبو بكر بن عياش: أدنى نفع السكوت السلامة، وكفى بها عافية، وأدنى ضرر المنطق الشهرة، وكفى بها بلية.
لماذا سمي النحو بهذا الاسم:
أبو الأسود الدؤلي، أول من وضع مسائل في العربية بإشارة علي رضي الله عنه. فلما عرض ما عمل على عليٍّ، قال: ما أحسن هذا النحو الذي نحوت، فمن ثمّ سُميّ النحو نحوًا.
الإخلاص في التصنيف:
أبو القاسم الشاطبي، المقرئ، الضرير، أحد الأعلام، سارت الركبان بقصيدتيه " حرز اماني " و " عقيلة أتراب القصائد " اللتين في السبع والرسم، وحفظهما خلق لا يحصون، وخضع لهما فحول الشعراء، وكبار البلغاء، وحذاق القراء، فقد أبدع وأوجز، وسهل الصعب، وأخلص النية.
قال رحمه الله: لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا ينفعه الله بها، لأني نظمتها لله.
أُلِين لهم العلم:
قال لي الإمام أبو العباس: كان الشيخ جمال الدين بن مالك يقول: ألين للشيخ مجد الدين الفقه، كما ألين لداود الحديد.
قلت: [القائل الإمام الذهبي] : وألين لابن مالك النحو كما ألين لداود الحديد، وألين لشيخنا أبي العباس العلم، كما ألين لداود الحديد.
وقال سهل التستري: ألين لأبي داود الحديث، كما ألين لداود الحديد.
حفظ الأوقات من الضياع:
ابن سُكينة، المقرئ، شيخ العراق في عصره، كانت أوقاته محفوظة، فلا يمضي له ساعة إلا في قراءة، أو ذكر، أو تهجد، أو تسميع، كان لا يضيع شيئًا من وقته.
طاعون الجارف:
أبو الأسود الدؤلي، توفي سنة تسع وتسعين، في طاعون الجارف بالبصرة.
قال المدائني: حدثني من أدرك الجارف، قال: كان ثلاثة أيام، فمات فيها كل يوم نحو من سبعين ألفًا.
حسن الخاتمة:
محمد بن الحسين بن علي، أبو بكر المزرفي، كان من ثقات العلماء، مات ساجدًا في أول سنة سبع وعشرين وخمسمائة.
نسأل الله الكريم الرحيم أن يحسن خاتمتنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد