بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
اتقوا الله تعالى عباد الله، وتفكروا في سرعة مرور الليالي والأيام، واعلموا أنها تنتقص بمرورها من أعماركم، وتطوى بها صحائفُ أعمالكم.
معشر المؤمنين، كنا قبل أيام نستبشر بقدوم رمضان، وها نحن اليوم نرى قربَ رحيله، وأزوف تحويله، وهو راحلٌ عنا بما قدمنا فيه، فيا ليت شعري ماذا أودعنا فيه وبأي شيء سنودعه أتراه يرحل شاهداً لنا أم علينا؟ جاء عن ابن مسعود وغيره أنه كان يقول في أخر رمضان: يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنِّيَه، ومن هذا المحروم منا فنُعزِّيَه؟
فهنيئًا لمن كان شهرُه شاهدا له عند ربه بالخيرات، شافعاً له بدخول الجنة والعتق من النار، وويل لمن كان شاهدا عليه بتفريطه وتضييعه، فودّعوا شهركم بخير ختام؛ فإن الأعمال بالخواتيم، فمن كان محسنًا فيما مضى من شهره فما أحسن التمام! ومن كان مسيئًا فما أجمل التوبة واستدراكَ ما بقي من الليالي والأيام.
عباد الله: لقد شَرع لنا ربُنا عزّ وجلّ في ختام شهر رمضان عبادات جليلة، تتوج أعمال العابدين، ويزداد بها الإيمان، وتتمم بها العبادات، وعلى رأس هذه العبادات الجلية:
زكاة الفطر التي فرضها رسول الله ﷺ صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعيرٍ على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تُؤدّى قبل خروج الناس إلى الصلاة، كما رواه ابن عمر في الصحيحين وغيرهما، وعن ابن عباس قال: " فرض رسول الله زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث، وطُعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات". رواه أبوداود بإسناد حسن.
فأخرجوا زكاة الفطر طيبة بها نفوسكم، وطاعةً لنبيكم، ومقدار ما يخرج عن الشخص الواحد صاع بصاع النبي ﷺ من طعام البلد وقوت الناس من الأرز أو التمر أو غيره من الطعام، ومقدار الصاع بالوزن المعاصر ما يقارب ثلاث كيلو جرامات تقريبا، وتُعْطَى زكاة الفطر للفقراء والمساكين خاصة، والأقاربُ المحتاجون أولى من غيرهم، كما تُعطى المدينين والغارمين الذين لا يجدون ما يخرجونه بأنفسهم.
ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، أي في اليوم الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين، إلى صلاة العيد، كما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ كما في البخاري، وأفضل أوقاتها أن تُخرج قبل الصلاة، ما بعد صلاة الفجر وقبل أن تُقضى صلاة العيد، ومن أخّرها إلى ما بعد الصلاة لغير عذر فهي صدقة من الصدقات.
والأفضل إخراج صدقة الفطر في البلد الذي أدرك الإنسان العيدَ فيه، ولا بأس أن يوكل الإنسان غيره في إخراج الفطرة لو أراد السفر أو خشي من انشغاله، وإن وكل الجمعيات الخيرية الموثوقة فحسن.
ومن العبادات التي شرع لكم أن تختموا بها شهركم، عبادة التكبير، التي حثّنا ربُّنا عليها بقوله: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، فكبّروا الله تعالى شكرا له على نعمة إكمال شهر الصيام والقيام من حين يبلغكم خبر دخول العيد، إلى دخول الإمام لخطبة العيد، كبّروا على نعمة الهداية لهذا الدين، والذي ما كنتم لتهدوا لولا أن هداكم له، كبروا الله في المساجد والبيوت والأسواق، وذكروا الناس بها ، وأذيعوا هذه السنة في الجوالات والتطبيقات.
الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد يجهر به الرجال، وتُسِر به النساء.
وتاج هذه العبادات صلاة العيد التي أمر بها النبيُّ ﷺ الرجالَ والنساء، حتى العواتق وذوات الخدور اللاتي ليس لهن عادة في الخروج، بل حتى الحُيّض اللاتي ليس عليهن صلاة أُمرن أن يشهدن دعوة المسلمين، ويعتزلن مصلى العيد، ففي الصحيحين من حديث أم عطية رضي الله عنها قالت: " أَمرنا رسول الله ﷺ أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق، والحيض، وذوات الخدور فأما الحيض فيعتزلن الصلاة وفي لفظ: المصلى ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، فقلت: يا رسول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب، فقال: لتُلبسها أختها من جلبابها ". وصح عنه ﷺ أنه كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات وتراً ثلاثا أو خمساً أو سبعًا، فاقتدوا به امتثالا لقول ربكم: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وكفى وسمع الله لمن دعا، وبعد عباد الله: فهذا شهر رمضان أزف على الرحيل، وفي بقية أيامه ولياليه للنادمين مستعتَب، وللتائبين مسترجَع، عسى توبة ترفو من الصيام كلما تخرّق، عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق، عسى أسيرَ الخطايا يُطلَق، عسى من استوجب النار يُعتق، فاللهم اجعلنا من عبادك المعتَقين. ونسأل الله كما بلغنا هذه اللحظات، أن يتم علينا النعمة ببلوغ آخره، وأن يقبل منا ما الصيام والقيام، واغفر لنا ما وقع منا من زلل وتقصير. اللهم اختم شهرنا برضوانك والعتق من نيرانك، وأسكنا بحبوحة جنانك، اللهم أنت المنعم المتفضل علينا بالإحسان قبل سؤاله، اللهم فكما ابتدأت إحسانك فأتممْه علينا، وأسبل علينا عفوَك كما عودتنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد