بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قَالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ:
مِنْ صِفَاتِ المُنافِقِينَ أَنَّهم إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاة، التي هِيَ أَكْبَرُ الطَّاعَاتِ العَمَلِيَّةِ، يَقُومُونَ مُتَثَاقِلِينَ لَهَا مُتَبَرِّمِينَ مِنْ فِعْلِها، قَد فَقَدُوا الرَّغْبَةَ مِنْ قُلُوبِهِم، فَالذي انْطَوَتْ عَليهِ سَرِائِرُهُم مُرَاءَاةُ النَّاسِ، فَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلا؛ فَإنَّ ذِكْرَ اللهِ -تعالى- وَمُلازَمَتَهُ لا يَكُونُ إلَّا مِمَّنْ امْتَلأ قَلْبُهُ بِمَحَبَّةِ اللهِ وَعَظَمَتِهِ. وَمِنْ صِفَاتِهِمْ أَنَّهم يَقُولُونَ مَالا يَفْعَلُونَ، يَلْوونَ ألسِنَتهُمْ بِالكلامِ المَعْسُولِ بَينَمَا يُضْمِرونَ الحِقْدَ الدَّفِينَ، وَالمَكْرَ الكُبَّارِ، قُلُوبُهُم قَاسِيَةٌ، وَعُقُولُهم قَاصِرَةٌ، لا يَنْطَلِقُونَ مِنْ مُثُلٍ عُلْيا، ولا يَعتَرِفُونَ بِقِيَمٍ نَبِيلَةٍ، إنَّما مَصَالِحُهُمْ فَوقَ كُلِّ شَيءٍ! فُصَحَاءُ اللِّسانِ، شُجْعَانٌ فِي السِّلْمِ، فَإذَا جَدَّ الجِدّ تَرَاهُمْ قال تعالى: (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ *فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) ( المدثر:51).
إنَّ ألْسِنَتَهُمْ بَذِيئَةٌ، وَأَيدِيَهُمْ طَوِيلَةٌ، وَنَوَاصِيَهُمْ خَاطِئَةٌ؛ قُلُوبهُمْ خَواءٌ، وَهَواءٌ، فَهُمْ يَخدِمُونَ الكُفَّارَ، وَيَتَعَاقَدُونَ مَعَهُمْ فِي الخَفاءِ، وَيَتَجَسَّسُونَ لَهُم ضِدَّ المُؤمِنِينَ، مَا أَحْلَمَكَ يَا اللهُ على مَنْ عَادَاكَ وَخَادَعَكَ! وَقَدْ قُلْتَ قَولاً كَرِيماً عَظِيمًا قال تعالى: (وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) محمد:30
لَقَدْ جُنَّ جُنُونُهُمْ وَهُم يَرَونَ عُلُوَّ الدِينِ وَسَعَةَ وَسُرْعَةَ انْتِشَارِهِ وَكَثْرَة الدَّاخِلِينَ فِيهِ، رَغْمَ قِلِّةِ إمْكَانِيَّاتِ المُسْلِمينَ وإلصَاقِ كُلِّ التُّهَمِ فِيهمْ، وَرَغْمَ كُلّ مَكْرٍ كُبَّارِ يُكادُ لِأهلِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ.نحْنُ مُؤمِنُونَ بِأَنَّ اللَّهَ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، وَأنَّ دِينَ اللهِ ظَاهِرٌ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، مُؤمِنُونَ بِقَولِ رَسُولِ الهُدى -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلاَ وَبِرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ كَلِمَةَ الإِسْلاَمِ إِمَّا بِعِزِّ عَزِيزٍ وَإِمَّا بِذُلِّ ذَلِيلٍ" رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَإسنَادُهُ صَحِيحُ.
إنَّ المُنَافِقِينَ بِكُلِّ مَا أُوتُوا مِنْ قُوَّةٍ، يُخَذِّلُونَ المُؤْمِنِينَ عَنِ الجَهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِذَا اشْتَرَكُوا مَعَهُمْ ظَاهِرًا أَحَدَثُوا فِي صُفُوفِهِم خَلَلاً وَاضْطِرَابًا، يَيأَسُونَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَيَنْقَطِعُ أَمَلُهُم فِي نَصْرِهِ، يَستَغِلُّونَ الفُرَصَ لِإثَارَةِ الشُّبُهَاتِ لِيُزَعْزِعُوا الأمْنَ والإيمَانَ، يَسْعَونَ للإفْسَاد بِتَيْسِيرِ سُبُلِهِ وَدَعْمِ وَإبرَازِ الفَاسِدِينَ من أمْثَالِهِمْ، أَبلَغُ وَصْفٍ لَهُم مَا ذَكَرَهُ اللهُ بِقَولِهِ: ((الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)) (التوبة:67-68)
قال العَالِمُ الرَّبَّانِيُّ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-عَنْهُم، يَقُولُ: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ اشْتَرَكُوا فِي النِّفَاقِ، فَاشْتَرَكُوا فِي تَوَلِّي بَعضِهِم بَعْضًا، وَفِي هَذا قَطْعٌ لِلمُؤمِنينَ مِنَ وَلايَتِهِم. وَوَصْفُهُمُ الذي لا يَخرَجُ مِنهُ صَغِيرُهُم وَلا كَبِيرهُم أَنَّهُم يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَهُوَ الكُفْرُ والفُسُوقُ وَالعِصْيَانُ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَهُو الإيمانُ والأَخْلاقُ الفُاضِلَةُ والأَعمالُ الصَّالِحَةُ والآدَابُ الحَسَنَةُ، وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ عَنْ الصَّدَقَةِ وَطُرُقِ الإحْسَانِ، فَلَنْ يُوَفِّقَهُمُ اللهُ لِخَيرٍ، وَلنْ يُدْخِلَهُمُ الجَنَّةَ، بَلْ يَترُكُهُم فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ. (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، فَقَدْ حَصَرَ الفِسْقَ فِيهم، لِأنَّ فِسقَهُم أَعْظَمُ مِنْ فِسْقِ غَيرِهِم، وَأَنَّ المُؤمِنينَ قَدْ ابْتُلُوا بِهِم، إذْ كَانُوا بَينَ أَظهُرِهِم، والاحْتِرَازُ مِنْهُم شَدِيدٌ. وَقَدْ جَمَعَ اللهُ المُنَافِقِينَ وَالكُفَّارَ فِي النَّارِ والَّلعنَةِ وَالخُلُودِ فِيها، لاجْتِمَاعِهِم فِي الدُّنيا عَلى الكُفْرِ، وَمُعَادَاةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. اهـ. عِبَادَ اللهِ: أتُرِيدُونَ شَاهِدًا عَيَانًا بَيَانًا؟ تَأمَّلُوا حَالَ بَعْضِ الكُتَّابِ والمُقَدِّمِينَ والمُغَرِّدِينَ: إذَا كَانَ هُناكَ خَطَأٌ بَشَرِيٌّ مِن أَيِّ شَخْصِيَّةٍ دِينِيَّةٍ، أو مُؤسَّسَةٍ دِينِيَّةٍ، وَلَو كَانَتْ حُكُومِيَّة، كَيفَ يكُونُ الَّلمْزُ والهَمْزُ والتَّشَفِّي وَمُحَاوَلَةُ الوَقِيعَةِ بِأهلِها؟ بَلْ الأمْرُ أعظَمُ مِنْ ذَلِكَ: تَأمَّلوا حالَ المُنافِقِينَ إذَا كَانَتْ هُناكَ نَجَاحَاتٌ لأعمَالٍ دِينِيَّةٍ كَيفَ يَسْعَونَ لِتَقْزِيمِهَا أو تَهمِيشِها؟! وَفَوقَ هذا وَذَاكَ: إنْ حَصَلتْ كَارِثَةٌ عَلى أيِّ مَشْرُوعٍ إسلامِيٍّ، كَيفَ يَرْقُصُونَ طَرَبًا، وَيَتَشَفّونَ جَهَارًا، وَيَكْتُبُونَ وَيَنْطِقُونَ سَفَهًا، ويَخْرُجُ مَكنُونُ صُدُورِهِمْ، وَنَتَنُ أقلامِهِمْ!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد