لمن فرحة العيد


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

عباد الله العيد فرح وسعادة، إيناس ومسرات موعدنا في كل عام مع الفرح والابتهاج، فعن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: (ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول اله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر) أرواه أحمد

أقبل العيد يُنشد الناس حبا     صوت ذاك النشيد بالحب عذبا

غرد الطير فوق غصنِ الليالي   فغدا الليل بالمسرات صبا

رتل الحُب ذكريات الأماسى   فأصاب المحب روحاً وقلبا

نسمات الوداد بثت أريجاً    روح ذاك النسيم للوجد طبا

إنه العيد يا رفاقي أتانا    كفه عاطر وبالسعد رطبا

العيد يوم الحب يوم إلتقاء القلوب يفيض بعضها على البعض الحب والوداد، تمتلأ البيوت بابتسامات الفرح وعبارات المودة، بين الأبوين وأبنائهم وبين الزوج وزوجه وبن الأخ وأخيه وبن الأرحام والجيران، في يوم العيد العفو والتسامح هو سيد الموقف، يوم تتناسى فيه النفوس الكريمة أضغانها، فتجتمع بعد فرقة، وتتصافى بعد كدر، وتتصافح القلوب قبل الأيدي، من كان بعيداً عن أهله بجسده فلكن قريباً منهم بقلبه ولسانه، يتصل بهم ويدخل عليه السعادة والسرور ويبث إليهم مشاعر الحب والأشواق.

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

العيد يوم فرح للمسلمين في أعظم الأيام عند الله فقد قال صلَّى الله عليه وسلم: (إنَّ أعظم الأيامِ عندَ الله يومُ النحرِ، ثم يومُ القَرِّ) رواه أبوداود وصححه الألباني. ولكن لمن فرحة العيد ؟

أعظم الناس فرحاً بالعيد من وحد الله عز وجل فصرف جميع العبادة لله وحده، وأعظم الناس حرماناً من وقع في الشرك وصرف شيئاً من العبادة لغير الله، فالشرك يمحق كل الأعمال والحسنات {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} فلنحذر عباد الله من الشرك بجميع صوره فلا نعبد إلا الله ولا ندعو إلا هو ولا نطلب جلب النفع ودفع الضر إلا منه سبحانه.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أعظم الناس فرحاً بالعيد من حافظ الصلاة في بيوت الله واستشعر نعيمه وقرة عين بها فهو يتصل بربه جل وعلا في يومه وليلته خمس مرات والله يفرح بإقبال عبده عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتوضأ أحدكم فيحسن وضوءه فيسبغه، ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه، إلا تبشبش الله إليه، كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته" رواه ابن خزيمة وصححه ألباني

وصلاة الجماعة واجبة قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:36 ــ 37]

وأعظم الناس حرماناً من ترك الصلاة وضيعها وفرط فيها {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]: وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» رواه الترمذي وصححه الألباني. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:" من تركها أي الصلاة كسلا وتهاونا فهو كافر مرتد خارج عن الإسلام والعياذ بالله لا يرث ولا يورث وإذا مات فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يقال له اللهم اغفر له وارحمه"

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أعظم الناس فرحاً بالعيد من بر والديه وأحسن إليهما واستشعر أنهما من أعظم نعم الله عليه، وهما وطريقه للفوز برضوان الله قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ» رواه ابن حبان وصححه الألباني. وأعظم الحرمان أن تعق العبد والديه فيسخط عليه رب السموات والأرض.

وأعظم الناس فرحاَ بالعيد من وصل أرحامه وقابل إساءتهم بالعفو والصفح ليفوز بأن يصله الله فتصل إليه الخيرات في الدنيا والآخرة قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الرَّحِم شِجْنَة من الرَّحمن تقول: يا رب، إنِّي قُطِعتُ، يا رب، إنِّي أُسيءَ إليَّ، يا رب، إنِّي ظُلِمتُ، يا رب، يا رب! فيُجيبها: ألا ترضَينَ أن أصِلَ مَن وصلَكِ، وأقطع مَن قطعك؟!))؛ رواه الإمام أحمد وصحَّحه الألباني.

وفي رواية: ((يقول الله تبارك وتعالى: أنا الرَّحمن الرَّحيم، وإنِّي شققتُ للرَّحِم من اسمي؛ فمَن وصلها وصلتُه، ومَن بتكها بتكتُه))؛ رواه البزار، وحسنه الألباني.

وأعظم الناس فرحاَ بالعيد من كان رفيقاً بوالديه وزوجته وأبنائه وعماله ومن يعاشر فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، ويُعْطي على الرِّفْقِ ما لا يُعْطي على العُنْفِ، وما لا يُعْطي على ما سِوَاهُ) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أُخبرُكُمْ بمنْ يَحْرُمُ على النارِ أو بمن تَحْرُمُ عليهِ النارُ؟ على كُلِّ قَريبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ) رواه الترمذيُّ وصحَّحهُ الألباني

 الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. أقول ما تسمعون واستغفر الله من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين، أما بعد:

عباد الله اليوم تتقربون إلى الله بعبادة عظيمة ألا وهي عبادة ذبح الأضاحي فلنفرح بهذه العبادة ولنحرص على أن يتقبلها الله عن البراء بن عازب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر؛ فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن نحر قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء) متفق عليه.

وعليك يا عبد الله أن تقول عند ذبحها بسم والله أكبر اللهم تقبل مني، فقد فأُتي صلى الله عليه وسلم بكبش، فذبحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: (بسم الله، والله أكبر، هذا عني وعمن لم يضح من أمتي) رواه أبو داود وصححه الألباني.

ويسن أن يأكل ويُهدِي ويتصدق أثلاثًا؛ وقال عليه الصلاة والسلام: ((كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث؛ ليتسع ذو الطَّولِ على من لا طَول له، فكلوا ما بدا لكم، وأطعموا وادخروا) رواه الترمذي

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

عباد الله إن لنا أحباباً كانوا معنى في العام الماضي قضيت آجالهم ووسدوا قبورهم لا يستطيعون زيادة الحسنات ولا نقصاً من السيئات فلا تنسوهم من الدعاء والصدقات، اللهم أغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم واجعل قبورهم روضة من رياض الجنة يا حي يا قوم.

وعلموا عباد الله أنه لا دليل على تخصيص يوم العيد بزيارة المقبرة للسلام على الموتى فليس ذلك من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي صحابته الكرام، بل عده بعض العلماء ذلك من البدع المحدثة.

عباد الله نحن في هذا الدنيا غرباء وهي دار ابتلاء واختبار ونحن عما قليل عنها راحلون فلنحسن العمل ولندمن التوبة والاستغفار ولنتق الله فيما نأتي ونذر قال تعالى:{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281] ولنتذكر قوله جل وعلا: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران: 30]

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

وصلوا وسلموا عباد الله على رسول الرحمة استجابة لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]

اللهم صلي وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أعز الإسلام والمسلمين واحمي حوزة الدين وكن للمستضعفين من المسلمين في كل مكان.

اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحب وترضى وخذ بناصيتهما إلى البر والتقوى اللهم سدد منهما الرأي والقول والعمل، اللهم ارزقهما البطانة الصالحة الناصحة واصرف عنهم بطانة السوء يا حي يا قيوم، اللهم اجزهما خير الجزاء على خدمتهما للحرمين الشريفين وحرصهما على سلامة الحجاج والمقيمين والمواطنين من وباء كورونا.

اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء وسائر الأدواء يا رب الأرض والسماء، اللهم من أراد أمننا وديننا وعقيدتنا ووحدتنا بسوء فاجعل كيده في نحره وتدبيره تدميره يا حي يا قيوم يا مجيب الدعاء.

اللهم أعيد علينا هذا العيد بالخير والمسرات والتوفيق والقبول يا رب العالمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

خطبة عيد الأضحى لعام 1442 هـ
                                                          وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply