بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
جدال الملحدين والعلمانيين ليس محببا لدي، ولست معجبا بهمة كثير من الشباب من الإسلاميين في هذا الشأن، خصوصا في أطروحاتهم، ونوعية نقوداتهم، وهذه حالة عامة على كل حال.
لكن الذي لاحظته شخصيا؛ البارحة مثلا دخلت على روم لإسلاميين يناقشون علماني، وكان له أتباع كثر على كلوب هاوس حوالي ٦٠٠٠ متابع، ويعتبر كمنظّر علماني في كلوب هاوس، فاسمعت له، ثم حاولت أن أجعل الحوار ثنائيا بيني وبينه.
الفكرة التي كان يدندن حولها، هي فكرة العلمانية بصورة تكاد تكون مهضومة في خطابه، فيقول بإيجاب تطبيق العلمانية، وأن العلمانية تكفل كافة الحقوق، وتقف على مسافة واحدة من الجميع وهكذا، لكن تركيزه كان حول المعاني. تمام!
سألت؛ أي أنماط العلمانية الذي تتكلم عنه بالضبط؟ لا جواب! إذن لأجيب؛ أنت محض ناقل لنمط واحد؛ وهو النمط الرأسمالي من العلمانية، وفلسفيا ينازعك العلماني الشيوعي! وللشيوعيين مؤلفات فلسفية ومجلدات لا تنتهي في العلوم السياسية، وعلم الاجتماع، والاقتصاد، وكلهم يطرحون علمانية تناقض ما تريد الدفاع عنه!
فهل يمكن أن تجادل من منظور علمانيتك؟ ولأطرح عليك ما ينازعك فيه الماركسيين كمثال عن معارض لاديني لكنه من داخل المنظومة العلمانية. ولنرى مدى لوذعيتك وتوصلك بالعقل لعلمانية ذات نمط رأسمالي، دون علمانية ذات نمط ماركسي. بمعنى؛ ما الحجاج الفلسفي الذي ستقدمه إن تعارضت في الوسط علمانية رأسمالية، مع علمانية شيوعية؟ أم أنك لا تدري أن انجرارك خلف نمط مدعوم عبر الدول الكبرى، وعبر الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، وعبر الإعلام، والميديا، فقط لأنك مقلد لما هو غالب من أنماط العلمانية، من دون إعمال عقل أيهما أحق أن يتبع؟
وكانت مداخلتي ترتكز حول؛ إمكانية تقديمك لحجاج فلسفي لما ينازع فيه الماركسيون هؤلاء الرأسماليين من أفكار، هي أيضا في سياق الدولة الحديثة. لنرى هل أنت علماني حقا! أم فضلة ألقتها الدول الكبرى، بحيث لو كان ذي الدول شيوعية لكنت شيوعيا، ولو كانت إسلامية لكنت إسلاميا، لا لشيء إلا لكونها قد مارست عليك الأدلجة، ولم تسمح هشاشتك المعرفية لأن تنازعها في شبر!، وجُعلت تتصور أنك توصلت لذي الأفكار بالتنوير الخالص.
كان أول جواب يعبر عن erreur بالنسبة لي، هو أن يحاول تجهيلي قائلا أن العلمانية لا علاقة لها بالرأسمالية ولا الشيوعية، هذا الجواب، هو جواب من شخص علماني يدعي البحث الفكري والنظري! أحلته على جملة مؤلفات، أو أن يكتب في جوجل "علمانية رأسمالية" ثم يبحث في خانة الكتب كم عدد الصفحات التي قرنت بينهما، فالأمر بديهي لدى المثقفين!.
ينتقل الحوار لمستوى آخر، "أنت تمارس التعالم"، كيف؟ "تحاول إبراز عضلاتك المعرفية"، ثم ينكّت بمقولة هائلة بقيت وصمت في جبينه "أنا لما كنت أدرس فلسفة، كنت أقول لهم قال الفيلسوف كوماينو، وهذا كوماينو هو أحد جيراني". يريد أن يدلل على أنه يخدع الأساتذة ويقنعهم بأنه ينطق بالحكمة، وبما أن الأستاذ لن يعتد بحكمة هذا العلماني الصغير حينها، فإن صاحبنا سيخدع الأستاذ بتلفيق فلسفته إلى شخصية وهمية اسمها كومانيو، فيلسوف الحومة.
ضحكت كثيرا، ومع أن هذا يدل على جهله بالفلسفة، لا على غزير علمه، فجأة انتقل الحوار من وصفِ المسلم بالرجعية والجهل بالعلوم والحداثة، إلى مستوى؛ "أنت تريد أن تظهر لنا مدى علمك بالفلسفة، لكن نحن مكاننا الواقع"
فجأة، يصبح العلماني بعقلية الإسلاميين الحركيين؛ لا يفتي قاعد لمجاهد! ذكرت له قول فلادمير لينين "لا يوجد دولة بدون نظرية دولة" فالشغل السياسي الحقيقي يبدأ على مستوى التنظير، لا الحركة البهلوانية تحت مسمى الواقع. كذلك لدى الفقهاء لا يجوز الإفتاء إلا بعلم! فضلا عن الإقبال والإحجام، لا تُقدِم على شيء حتى تعلم حكمه. فكيف تقدم الحركة السياسية على البحث الفلسفي؟ كينز كما يقول ماكس سيكسوين يبني نظريته على الحدس الأفلاطوني، ماركس يبني المادية الجدلية على مادية إيبيقور، ثم فيورباخ، لينين يبني على ماركس، آدم سميث يبني على المثالية، فعن أي واقع تحكي وأنت تعبر عن خواء نظري؟!
إن خرج من الروم، ظهر بمظهر الهارب أمام متابعيه، وإن بقي واصل الغرق، هذا والكلام فيما يتمسحون به يوميا، الفلسفة والفكر الحر!.
الخلاصة، لا يوجد أي جواب، ولا أي فكرة متماسكة، ولا أي معرفة بما ينادي به، فقط القيام بالتهريج، والنزق، والقفز، والكلام المجمل، المطلق، ثم يقابلك قائلا: تريد إبراز معرفتك، نعم! هو إذلال معرفي، ودرس تعليمي، وليست مناظرة!.
الفكرة أن هؤلاء لا يستحقون إفناء العمر في مطاردتهم من روم إلى روم، من منشور إلى منشور، نصف ساعة توضع فيها اليد على الجرح، ترى أمامك ذلك العلماني اللوذعي صاحب النظارة والهدوء الذي يرمي لكشف جهالات المسلمين، قد تحول إلى قرد يقفز هنا وهناك ويصرخ ويسفه.
الشغل الحقيقي، كمسلم! هو البحث عن وسط هادئ والعكوف على طلب العلم والمعرفة، غير ذلك من مجاراة كل أحمق؛ فهو محض إهدار للعمر فيما لا نفع فيه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد