بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هذا المقال القصير هو تعريف بلامية ابن تيمية رحمه الله تعالى وما يتعلق بها وقد جعلته في عدة نقاط.
1- التعريف بابن تيمية
2- لماذا ابن تيمية؟
3- التعريف باللامية
4- نص اللامية
5- شرح إجمالي للمنظومة
6- شروح اللامية
أولًا: التعريف بابن تيمية:
هو الشيخ الإمام، المفسر المجتهد، قامع أهل البدعة، مجدد الملة وناصر السنة بعد القرون المفضلة، شيخ الإسلام، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن تيمية الحراني. وأبوه وجده من علماء أهل الإسلام. توفي رحمه الله سنة ٧٢٨ هـ.
ثانيًا: لماذا حضور ابن تيمية؟
الجواب: إضافة إلى علمه وسعة اطلاعه على المعارف العقلية والنقلية ودقه فهمه وتمسكه بالدليل ومجاهدته أهل البدع والرد على جميع الطوائف المخالفة للسلف، فقد كان السبب الأكثر أنه حرر طريقة السلف في (العقيدة والفقه) وخلصها مما أدخل عليها في كتب المتأخرين، من علم الكلام ومن التكلفات والافتراضات التي لا دليل عليها، وإن كان لغيره جهود إلا أنه فاق غيره في تحريرها وتحقيقها وردها على طريقة الصحابة والسلف الصالح، فكان كثيرًا ما يحتج بهدي الصحابة المباشر البعيد عن تلك التكلفات والافتراضات، فكان لهذا أثر بالغ في الحياة العلمية بعد زمن ابن تيمية، ويضاف لذلك أيضا وصول كثير من كتبه إلينا وعناية العلماء بها، وأيضا فقد علم وربى تلامذة أفذاذ كأبن القيم وابن مفلح وابن عبدالهادي وابن كثير والذهبي ، كما أن المجدد الإمام محمد بن عبدالوهاب استفاد من شيخ الإسلام وتأثر به مما زاد من حضوره في الحركة العلمية الشرعية من بعده. [1]
ثالثًا: التعريف باللامية:
هي منظومة مكونة من 16 بيت تسمى (لامية) لأن أواخر أبياتها تنتهي بحرف اللام، وتنسب لشيخ الإسلام باعتبار أنها وجدت مخطوطة بين رسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية وكتب على بعضها (عقيدة ابن تيمية) فنسبت له، إلا أنها لم تذكر في مؤلفاته، ولم يذكرها ابن القيم -رحمه الله تعالى-ضمن مؤلفات شيخ الإسلام، ولذا يقولون: المنسوبة لشيخ الإسلام ابن تيمية، وهي منظومة ثمينة على اختصارها، والكلام الموجود فيها حق، سواء كانت لشيخ الإسلام أو لغيره رحم الله الجميع [2]. ولعبد الرحمن العقل في كتابه (بدر التمام شرح لامية شيخ الإسلام) بحث ماتع في مسألة نسبة اللامية لشيخ الإسلام.
رابعًا: نصها:
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي *** رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَلُ
اسمَعْ كَلامَ مُحَقِّقٍ في قَـولـِه *** لا يَنْـثَني عَنـهُ ولا يَتَبَـدَّلُ
حُبُّ الصَّحابَةِ كُلّهِمْ لي مَذْهَبٌ *** وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّــلُ
وَلِكُلِّهِمْ قَـدْرٌ عَلا وفَضائلٌ *** لكِنَّما الصِّديقُ مِنْهُمْ أَفْضَـلُ
وأُقِـول في القُرآنِ ما جاءَتْ بِـه *** آياتُـهُ فَهُوَ الكريمُ المُنْـزَلُ
وأقولُ قالَ الُله جل جلاله *** والمصطفى الهادي ولا أتأوَّلُ
وجميعُ آياتِ الصِّفاتِ أُمِرُّهـا *** حَقـًا كما نَقَـلَ الطِّرازُ الأَوَّلُ
وأَرُدُّ عُهدتهـا إلى نُقَّالِهـا*** وأصونُها عـن كُلِّ ما يُتَخَيَّلُ
قُبْحًا لِمَنْ نَبَذَ القرآن وراءَهُ *** وإِذا اسْتَدَلَّ يقولُ قالَ الأخطَلُ
والمؤمنون يَـرَوْنَ حقـًا ربَّهُمْ *** وإلى السَّمـاءِ بِغَيْرِ كَيْفٍ يَنْزِلُ
وأُقِرُ بالميـزانِ والحَوضِ الذي *** أَرجـو بأنِّي مِنْـهُ رِيًّا أَنْهَـلُ
وكذا الصِّراطُ يُمَدُّ فوقَ جَهَنَّمٍ *** فَمُسَلَّمٌ نَـاجٍ وآخَـرَ مُهْمَـلُ
والنَّارُ يَصْلاها الشَّقيُّ بِحِكْمَة ٍ *** وكذا التَّقِيُّ إلى الجِنَانِ سَيَدْخُلُ
ولِكُلِّ حَيٍّ عاقـلٍ في قَبـرِهِ *** عَمَلٌ يُقارِنُـهُ هنـاك وَيُسْـأَلُ
هذا اعتقـادُ الشافِعيِّ ومالك ٍ*** وأبي حنيفـةَ ثم أحـمدَ يُنْقَلُ
فإِنِ اتَّبَعْتَ سبيلَهُمْ فَمُوَفَّقٌ *** وإنِ ابْتَدَعْتَ فَما عَلَيْكَ مُعَـوَّلُ
خامسًا: شرحها:
تضمنت اللامية بعض مسائل العقيدة وليس جميعها وسبب ذلك أنها فتوى لسائل، والفتوى تكون جواب لما سأل عنه السائل.
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي *** رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَلُ
المذهب يكون في الفروع والعقيدة تكون في الأصول ولكن المراد هنا بالمذهب هو ما يصار إليه في الاعتقاد، والعقيدة هي ما يعقد عليه القلب ويجزم به، وأما الشطر الثاني فدعاء للسائل وهو متضمن للإخبار بأن من طلب الهداية راغب فيها فإنه يوفق لها، وفيه التنبيه لمن جاء يسأل أهل العلم أن يكون غرضه طلب الحق والهدى.
اسمَعْ كَلامَ مُحَقِّقٍ في قَـولـِه *** لا يَنْـثَني عَنـهُ ولا يَتَبَـدَّلُ
أستمع سماع قبول وانتفاع إلى كلام متثبت في قوله معتمد على الكتاب والسنة ثابت القدم راسخ في العلم، قد عرف الحق بدليله فلا يستبدله بغيره، وهذا حال أهل الاعتقاد الصحيح.
حُبُّ الصَّحابَةِ كُلّهِمْ لي مَذْهَبٌ *** وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّــلُ
بدأ بذكر الصحابة لأنهم حملة الدين، والسلف الصالح هم الصحابة، والتابعين، وتابعي التابعين، فالصحابة علمهم ومنهجهم أساس لفهم الكتاب والسنة وأساس لفهم الإسلام، وأما التابعين فهم كوصفهم أنهم متبعين للصحابة وتابعي التابعين كذلك أتباع للتابعين الذين هم متبعين لنهج الصحابة مقتفين لأثرهم. قال صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) رواه البخاري (2652)، ومسلم (2533) واللفظ للبخاري.
وحب الصحابة من الإيمان وبغضهم من النفاق ومتى ثبتت الصحبة فقد وجبت المحبة دون استثناء، لذا قال (كُلّهِمْ) والمراد محبة زائدة على محبة من عداهم من الناس، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) رواه البخاري (13) ومسلم (45). فهذا في سائر المسلمين فأما الصحابة فيجب لهم من المحبة فوق ذلك. ومودة القربى أي محبة آل النبي صلى الله عليه وسلم وهم أهل بيته، بها أتوسل أي أتقرب لله تعالى بحب الصحابة وحب آل النبي، فهذه المحبة عمل صالح يتقرب به ويتوسل به أي يتوصل به لمرضاة الله، وأما التوسل بذواتهم أو جاههم أو حقهم فليس بمشروع بل هو بدعة إذ لا دليل عليه، فالتوسل عبادة والعبادة توقيفية تبنى على الدليل. وفي هذا البيت رد على الروافض الذين يبغضون الصحابة ويكفرونهم ويغالون في علي وأولاده، وعلى النواصب الذي ينصبون العداء لأهل البيت، وعلى الخوارج الذي كفروا علي ومعاوية ومن معهم من الصحابة فأهل السنة وسط في عقيدتهم في الصحابة، فينزلونهم منزلتهم ويعرفون لهم سبقهم ويتقربون لله بحبهم.
وَلِكُلِّهِمْ قَـدْرٌ عَلا وفَضائلٌ *** لكِنَّما الصِّديقُ مِنْهُمْ أَفْضَـلُ
وأفضل الصحابة الصديق وهو وخير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليم وسلم ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم جميعا وأرضاهم ولكلهم مكانة وقدر رفيع وكلهم عدول ولهم مناقب وفضائل.
وأُقِـول في القُرآنِ ما جاءَتْ بِـه *** آياتُـهُ فَهُوَ الكريمُ المُنْـزَلُ
أي أعتقد في القرآن ما دلت عليه آيته من أنه كلام الله لفظه ومعناه، تكلم به حقيقة، منزَّل غير مخلوق، سمعه محمد صلى الله عليه وسلم من جبريل وسمعه جبريل من الله جل جلاله، وفي هذا رد على المعتزلة والأشاعرة والماتريدية على اختلاف أقوالهم.
والكريم صفة للقرآن كما قال تعالى﴿ إِنَّهُۥ لَقُرۡءَانࣱ كَرِیمࣱ ﴾[الواقعة 77] والكريم لغة: الذي فاق غيره في الحسن والفضل، والقرآن الكريم أي: واسع الخيرات رفيع القدر عظيم النفع، وقد جاء في بعض النسخ (فَهُوَ القديم المُنْـزَلُ) والقديم من ألفاظ المتكلمين وقد أنكر لفظة القديم شيخ الإسلام وقال في كتابه التسعينية (ص612) (أن أحدًا من السلف والأئمة لم يقل: إن القرآن قديم، وإنه لا يتعلق بمشيئته وقدرته).
وأقولُ قالَ الُله جل جلاله *** والمصطفى الهادي ولا أتأوَّلُ
أي أستدل بالقرآن والسنة، وأعتقد ما جاء عن الله تعالى في القرآن وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في السنة ولا أتأول ما ورد في أسماء الله وصفاته وأفعاله بل أمرها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف. والتأويل أنواع والمراد هنا التأويل الباطل كتأويل اليد بالنعمة والاستواء بالاستيلاء والنزول بنزول الملك والرحمة والأمر.
وجميعُ آياتِ الصِّفاتِ أُمِرُّهـا *** حَقـًا كما نَقَـلَ الطِّرازُ الأَوَّلُ
حيث قال السلف الصالح -وهم أئمة التابعين وأئمة أتباع التابعين -: (أمروها كما جاءت بلا كيف) و (أمروها كما جاءت) (يعني بما دل عليها ظاهرها، وظاهرها يدل على إثبات الصفة ولهذا قال –أي شيخ الإسلام - (أمروها كما جاءت ردًا على المعطلة) ، والمعطلة هم نفاة الصفات) [3] فالمعطلة ينفون صفات الله الواردة في النص فيقولون مثلا ليس لله يد و يؤولونها بالنعمة، فيعطلون الصفة عن معناها ويثبتون معنى لم يرد في النص، وهم لم يحرفوها إلا بعد أن اعتقدوا التشبيه ففروا منه إلى التعطيل.
(بلا كيف) نفوا علم الكيفية، ولم ينفوا حقيقة الصفة [4] وقولهم (بلا كيف) رد على الممثلة [5] فصفات الله لها كيفية ولكن لا نعلمها بل نفوض العلم بها لله وحده فلا يعلم كيف هو إلا هو سبحانه {لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءࣱۖ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ} [الشورى 11].
ومعنى الطِّراز: الجيّد من كل شيء. [6]
ثم إنه فَرْقٌ بين قول السلف: أمروها كما جاءت بلا كيف وبين تفويض المفوضة.
فالسلف يؤمنون بنصوص الصفات، و لها عندهم معانٍ، كل نص له معنى، فما جاء في صفة الرحمة ليس هو ما جاء في صفة الاستواء إلخ، فيؤمنون بلفظها ومعناها، أما الكيفية فيفوضون علمها إلى الله، فكان من نتيجة ذلك زيادة إيمانهم ومعرفتهم بربهم وتوسلهم لله بأسمائه وصفاته وتفكرهم في آثار الصفات في المخلوقات، فيرون في خلق الله آثار رحمته وقدرته وعلمه وتدبيره لمخلوقاته ورزقه لهم وبطشه وانتقامه من أعدائه و نصره أنبياءه ..إلخ من الأثار المترتبة على الصفات، فيزدادون بذلك إيمانًا وعلمًا.
وأما المفوضة فينكرون الصفات ونتيجة لذلك يفوضون فيقولون إن (الرحمن الرحيم) (ينزل ربنا) (ويد الله) و (الاستواء) وغيرها من الصفات أنها لا معنى لها فهي مثل (ديز) عكس (زيد) حروف وألفاظ بلا معانٍ، وقولهم إنما هو نتيجة عدم إثبات الصفات لذلك خيارهم الآخر هو التعطيل على قاعدتهم (وكل نص أوهم التشبيها أوله أو فوض ورم تنزيها) وقول المفوضة كما يقول ابن تيمية[7]: من شر أقوال أهل البدع والإلحاد. وقد تعلق بعض المتأخرين منهم بألفاظ متشابهة لبعض السلف دون فهمها في سياقها التي وردت فيه، ودون ردها لمحكم عقيدتهم الواضح، فاتهموهم بالتفويض وهناك كتب في رد تلك الدعاوى].8]
وأَرُدُّ عُهدتهـا إلى نُقَّالِهـا *** وأصونُها عـن كُلِّ ما يُتَخَيَّلُ
أي أخرج من تبعتها، برد سندها وألفاظها و طريقة فهمها إلى السف الصالح والأئمة الحفاظ والثقات العدول الذين نقلوها، فإذا رد عهدتها إليهم فقد برئ من الوهم والافتراء والخطأ، وكذلك أصونها عن كل ما يتخيل، فكل ما يخطر بالبال من التصورات فالله بخلافه، وينزه عن تلك التصورات فلا يعلم كيف هو إلا هو سبحانه، والعقل قاصر عن ذلك كما قال تعالى (وَلَا یُحِیطُونَ بِهِۦ عِلۡمࣰا) [طه 20] (فعقل البشر إنما يدور فيه أحد ثلاثة أشياء.. أن يدور فيه رؤية الشيء، أو رؤية مثيل له، أو رؤية ما يقاس عليه ..أما مالم يره ولم ير مثيلا له ولا ما يقاس عليه فلا يدور في الذهن ..فنصوص الصفات .. لنا العلم بأصل المعنى دون كماله وأما الكيفية فلا يمكن أن تحوم لأحد من البشر على بال ..فإذًا الكيفية مقطوع الطمع عن إدراكها) [9]، أما المبتدعة فلم يصونوها عن التخيل فوقعوا في التشبيه ثم التعطيل لمخالفتهم أمر الله ﴿وَلَا تَقۡفُ مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولࣰا﴾ [الإسراء٣٦] فتأمل قوله والفؤاد.
قُبْحًا لِمَنْ نَبَذَ القرآن وراءَهُ *** وإِذا اسْتَدَلَّ يقولُ قالَ الأخطَلُ
الله سبحانه وتعالى متصف بالكلام كما قال تعالى: ﴿وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِیمࣰا﴾[النساء ٦٤]﴿ وَلَمَّا جَاۤءَ مُوسَىٰ لِمِیقَـٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ ﴾[الأعراف ١٤٣] وقال تعالى: ﴿فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ یَسۡمَعَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ﴾[التوبة 6] ﴿وَیَوۡمَ یُنَادِیهِمۡ فَیَقُولُ أَیۡنَ شُرَكَاۤءِیَ ٱلَّذِینَ كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ﴾[القصص ٧٤] فالمبتدعة من المعتزلة والأشاعرة أنكروا أن الله يتكلم ونبذوا ما دل عليه القرآن واستدلوا ببيت ينسب للشاعر النصراني الأخطل
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما *** جعل اللسان على الفؤاد دليلا
فقالوا إن كلام الله معنى قائم بالنفس وأنه سبحانه لا يتكلم، وقد أبطل شيخ الإسلام القول بالكلام النفساني بنحو تسعين وجهًا في رسالته (التسعينية).
وهذا البيت لم يثبت عن الأخطل، ولو ثبت فليس بحجة، وليس هو من أهل الاحتجاج اللغوي، إضافة إلى عقيدته المنحرفة ثم (الكلام) في اللغة العربية هو الكلام بحرف وصوت المسموع، واعتقاد أهل السنة والجماعة أن الله يتكلم بكلام مسموع بحرف وصوت، وأما حديث النفس فليس بكلام ولا فرق بين الأخرس والمتكلم في حديث النفس. قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ). البخاري (8269) ومسلم (127) واللفظ له. ففرَّقَ بين حديث النفس وبين الكلام.
والمؤمنون يَـرَوْنَ حقـًا ربَّهُمْ *** وإلى السَّمـاءِ بِغَيْرِ كَيْفٍ يَنْزِلُ
من عقيدة أهل السنة أن المؤمنون يرون ربهم حقًا وجزمًا في الموقف وفي الجنة قال الله تعالى: ﴿وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ نَّاضِرَةٌ ٢٢ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةࣱ ٢٣﴾ [القيامة ٢٢-٢٣] وقال تعالى: (كَلَّاۤ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ یَوۡمَىِٕذࣲ لَّمَحۡجُوبُونَ) [المطففين 15] قال ابن جرير الطبري في تفسير الآية (هم محجوبون عن رؤيته، وعن كرامته) اهـ. والعلماء استدلوا بها على أن المؤمنون يرون ربهم في الآخرة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تُضامُّون في رؤيته) البخاري (554) ومسلم (633) والأدلة كثيرة من الكتاب والسنة، وأهل الباطل من الجهمية والرافضة والمعتزلة والإباضية وغيرهم أنكروا رؤية الله بمقدمات عقلية فلسفية، وبنوا عليها اعتقادهم، ثم جاؤوا يعضدون أقوالهم فقالوا إن قول الله (لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ) يدل على نفي الرؤية، ورد عليهم أهل السنة فقالوا بل الآية تدل على عدم الإحاطة وأن المؤمنون يرون ربهم في الجنة رؤية بغير إحاطة، كما حرفوا معنى الآية الأخرى التي تدل على الرؤية فقالوا إن قوله تعالى: (وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةࣱ) قالوا أي منتظرة ثواب ربها، وهذا باطل فالنظر في اللغة إذا عدي بإلى يراد به النظر عيانًا بالأبصار، وأما الانتظار فلا يعدى بإلى.
وقال صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى ينفجر الفجر) أخرجه البخاري (١١٤٥)، ومسلم (٧٥٨).
والنزول صفة ثابته لله تعالى، ولا يعلم كيف ينزل إلا هو، والقول في الصفات باب واحد، فكما أنه لا يعلم كيف ذاته إلا هو فلا يعلم كيف صفات ذاته إلا هو سبحانه وتعالى وكما قال تعالى (لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءࣱۖ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ) الآية. والمعطلة قالوا المعنى ينزل ملك أو تنزل رحمة الله أو أمر الله، وهذا واضح البطلان فإن الملك والرحمة والأمر لا تقول من يستغفرني من يدعوني، كما أن نزول الملك ونزول الرحمة والأمر في كل حين وليس في ثلث الليل الآخر.
وأُقِرُ بالميـزانِ والحَوضِ الذي *** أَرجـو بأنِّي مِنْـهُ رِيًّا أَنْهَـلُ
ويؤمن أهل السنة بميزان حقيقي توزن فيه أعمال العباد قال تعالى﴿وَنَضَعُ ٱلۡمَوَ ٰزِینَ ٱلۡقِسۡطَ لِیَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسࣱ شَیۡـࣰٔاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةࣲ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَیۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَـٰسِبِینَ﴾[الأنبياء٤٧] وقال صلى الله عليه وسلم: (كَلِمَتانِ خَفِيفَتانِ على اللِّسانِ، ثَقِيلَتانِ في المِيزانِ، حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمَنِ: سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ، سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ) (أخرجه البخاري (٦٤٠٦) ومسلم (٢٦٩٤) وغير ذلك من الآيات والأحاديث.
ومن عقيدة أهل السنة الإيمان بالحوض وهو موجود الآن (وإنِّي لَأَنْظُرُ إلى حَوْضِي الآنَ) أخرجه البخاري(٤٠٨٥) والأحاديث الصحيحة في إثبات الحوض وبيان صفته كثيرة.
والشطر الثاني دعاء، أشار فيه الناظم إلى أنه حوض حقيقي يشرب منه المؤمنون كما جاء وصفه بذلك في الأحاديث، خلافا لمن أوله كالمعتزلة الذي أولوا الحوض بأنه برد قلوب المؤمنين وطمأنينتهم ونحو ذلك.[10]
وكذا الصِّراطُ يُمَدُّ فوقَ جَهَنَّمٍ *** فَمُسَلَّمٌ نَـاجٍ وآخَـرَ مُهْمَـلُ
قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: (...ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ ... فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ...) الحديث، أخرجه البخاري (7439( ومسلم (183).
وفي نسخة (فَمُوَحِّدٌ نَـاجٍ وآخَـرَ مُهْمَـلُ) والمثبت موافق للفظ الحديث، وليس كل موحد ينجو عند المرور على الصراط. ولأن الكفار لا يمرون على الصراط بل يدخلون النار حتى إذا لم يبقى إلا من كان يعبد الله وحده نُصب الصراط على متن جهنم، كما بينته الأحاديث المتفق عليها.[11]
والنَّارُ يَصْلاها الشَّقيُّ بِحِكْمَة ٍ *** وكذا التَّقِيُّ إلى الجِنَانِ سَيَدْخُلُ
ومن عقيدة أهل السنة أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن قال تعالى عن الجنة (أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِینَ) الآية، وقال عن النار (أُعِدَّتۡ لِلۡكَـٰفِرِینَ) الآية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة) (رواه البخاري(1379) ومسلم (2866)
والنار يدخلها الشقي بعدل الله وحكمته، والجنة يدخلها التقي بفضل الله وبرحمته، فمن أطاع الله دخل الجنة بفضل الله ورحمته وحكمته، ومن تولى وتكبر واتبع هواه دخل النار بعدل الله وحكمته (وَلَوۡ عَلِمَ ٱللَّهُ فِیهِمۡ خَیۡرࣰا لَّأَسۡمَعَهُمۡۖ وَلَوۡ أَسۡمَعَهُمۡ لَتَوَلَّوا۟ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ) وقال تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوۤا۟ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَـٰسِقِینَ) والله بصير بعباده عليم حكيم.
ولِكُلِّ حَيٍّ عاقـلٍ في قَبـرِهِ *** عَمَلٌ يُقارِنُـهُ هنـاك وَيُسْـأَلُ
عذاب القبر وفتنته ونعيمه حق ثابت بالكتاب والسنة وهذا اعتقاد أهل السنة، فكل حي عاقل إذا مات فإن عمله يقارنه أي يلازمه في قبره كما قال صلى الله عليه وسلم: (يتبِعُ الميِّتَ ثلاثةٌ، فيرجِعُ اثنانِ ويبقى واحِدٌ: يتبِعُه أَهلُه ومالُه وعملُه، فيرجعُ أَهلُه ومالُه ويبقى عملُه) رواه البخاري (٦٥١٤) ومسلم (٢٩٦٠) ويُسأل: من ربك؟ مادينك؟ من نبيك؟
وقال صلى الله عليه وسلم: (المُسْلِمُ إذا سُئِلَ في القَبْرِ، يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، فَذلكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: ٢٧]. أخرجه البخاري (٤٦٩٩)، ومسلم (٢٨٧١) بنحوه
وعذاب القبر دل عليه القرآن قال تعالى: ﴿ٱلنَّارُ یُعۡرَضُونَ عَلَیۡهَا غُدُوࣰّا وَعَشِیࣰّاۚ وَیَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوۤا۟ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ﴾[غافر ٤٦] وقال سبحانه: ﴿وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِی غَمَرَ ٰتِ ٱلۡمَوۡتِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ بَاسِطُوۤا۟ أَیۡدِیهِمۡ أَخۡرِجُوۤا۟ أَنفُسَكُمُۖ ٱلۡیَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَیۡرَ ٱلۡحَقِّ وَكُنتُمۡ عَنۡ ءَایَـٰتِهِۦ تَسۡتَكۡبِرُونَ﴾[الأنعام ٩٣]
ومن السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول: (اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِن عذابِ القبرِ.) أخرجه البخاري (١٣٧٧)، ومسلم (٥٨٨) واللفظ للبخاري
والأدلة فيما يتعلق بهذا الباب كثيرة.
هذا اعتقـادُ الشافِعيِّ ومالك ٍ*** وأبي حنيفـةَ ثم أحـمدَ يُنْقَلُ
فإِنِ اتَّبَعْتَ سبيلَهُمْ فَمُوَفَّقٌ *** وإنِ ابْتَدَعْتَ فَما عَلَيْكَ مُعَـوَّلُ
ما سبق في هذا النظم هو من اعتقاد السلف الصالح وكذلك الأئمة الأربعة الذين يقتدي بهم المسلمون، وهذا الاعتقاد ليس من عند الناظم ولكن يُنقل عنهم في المصادر المعتمدة. فإن سرت على نهجهم واتبعت سبيلهم فموفق وإن ابتدعت فما عليك معول.
سادسًا: تعريف ببعض شروح اللامية:
1-اللآلئ البهية شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية لأحمد بن عبد الله المرداوي الحنبلي (كان حيا سنة 1236)
وهو شرح طويل وماتع، كثير النقول عن أهل العلم، يقع في 224 صفحة، ولا يخلوا من مؤاخذات وعبارات لا يتابع عليها، إلا أن المحقق للكتاب إياد بن عبد اللطيف القيسي أعتنى بالكتاب وخدمة خدمة كبيرة، ونبه في المقدمة وفي الحواشي على تلك المواضع، وأضاف تعليقات الفوزان حفظه الله، وهو شرح لا يناسب طالب العلم المبتدئ. ويظهر والله أعلم أنه لا يوجد شرح محفوظ للمنظومة قبل شرح المرداوي.
2-الفوائد البهية في شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية لمحمد بن علي البعداني
وهو شرح متوسط محرر تحريرًا جيدًا، أعتمد فيه على الآيات والأحاديث وأقوال أهل العلم المعروفين، مع ذكر أبرز الشبهات في كل باب والرد عليها من خلال الأدلة ومن كلام أهل العلم، وهو من أنسب الشروح التي وقفت عليها وأفضلها، والكتاب في 90 صفحة.
3-شرح لامية شيخ الإسلام من كلام شيخ الإسلام لد. طالب بن عمر بن حـيدرة الكثيري
وتميز الكتاب بأن المؤلف جمع أقوال ابن تيمية من كتبه ومصنفاته وألف بينها لتكون بيان وشرح للمنظومة، فالكتاب نقول عن شيخ الإسلام رحمه الله، وفائدة مثل هذا الكتاب جليلة، ويقع في 38 صفحة، ويمكن لأحد أن يعيد تأليف مثل هذا الكتاب باختيار نقولات لابن القيم. أو لشيخ الإسلام بأن يكون الكتاب إما أكثر سهولة أو عمق أو إضافة شرح بين النقول..إلخ مما يمكن أن يتميز به الكتاب عن غيره، لاسيما مع كثرة مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية .
4-شرح القصيدة اللامية لابن تيمية لصالح بن سعد السحيمي
وهو دروس ألقيت ثم فرغت، وهو شرح مختصر مجمل لعقيدة أهل السنة التي وردت في اللامية، وهو جيد للابتداء به. وعدد صفحاته 36 صفحة
5-بدر التمام شرح لامية شيخ الإسلام لعبد الرحمن العقل
وهو شرح جيد إلا أنه كثير الاستطرادات التي تشتت القارئ، وعدد صفحاته 115 صفحة.
6-شرح لامية شيخ الإسلام لعبد الله حمود الفريح
وهو شرح مختصر ويجيب فيه عن بعض شبهات المبتدعة وصفحاته 40 صفحة.
7-تعليقات على لامية ابن تيمية لزيد بن فالح الربع
وهو شرح مختصر يقع في 35 صفحة.
8-الفوائد السنية شرح العقيدة اللامية لمحمد هشام طاهري
وهو شرح متوسط، قليل النقول ، وعدد صفحاته 87 صفحة،
والشروح التالية معروفة ومعروف مؤلفيها وهي:
9-شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية لعبد الكريم الخضير
10-التقريرات على (شرح لامية ابن تيمية لابن جبرين) لصالح العصيمي
11-شرح لامية ابن تيمية للعلامة ابن جبرين
12-شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية لعبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
وغيرها من الشروح الطيبة المباركة.
والله أعلى وأعلم
كتبه أبو وريف بدر عبد الله الصاعدي
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
1-ينبوع الغواية الفكرية لعبد الله العجيري ص 512-519 بتصرف.
2-أنظر شرح اللامية لعبد الكريم الخضير ص 20.
3-شرح الحموية لصالح آل الشيخ ص182.
4-الفتوى الحموية الكبرى لشيخ الإسلام تحقيق د. عبد القادر الغامدي ص 118.
5-المصدر السابق ص116.
6-لسان العرب والمعجم الوسيط أنظر موقع المعاني.
7-درء التعارض، ج 1 ص 205.
8-للاستزادة أنظر شرح الواسطية للهراس ص 67، وشرح الواسطية لابن عثيمين ج1 ص 83-86، وشرح الحموية لصالح آل الشيخ ص 157-159، وأنظر المطلب الثالث: في إبطال التفويض موقع الدرر السنية جمع فيه أقوال ابن تيمية وابن القيم وغيرهم.
9-شرح العقيدة الطحاوية لصالح آل الشيخ ص183-184 بتصرف.
10-أنظر اللآلئ البهية في شرح العقيدة الواسطية لصالح بن عبد العزيز آل الشيخ ص 255
11-كما ورد في الحديث الطويل الذي رواه البخاري (6573) ومسلم (182) والحديث الطويل الذي رواه البخاري (7439) ومسلم (183).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد