وكذلك جعلناكم أمة وسطا


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

اتقوا الله عباد الله حقَّ التقوى، وَاعلموا أنَّ معيَّةَ اللهِ تتَحقَّقُ بأربعةِ أُمور: أولها الإيمانُ: فاللهُ تعالى يقول: {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}، وثانيها الصبرُ: فاللهُ تعالى يقول: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} .. وثالثها الإحسانُ: فاللهُ تعالى يقول: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}، ورابعها التقوى: فاللهُ تعالى يقول: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} .. وتأملوا أواخرَ سورةِ النَّحلِ: حيثُ يقولُ جلَّ وعلا: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} ..

معاشِرَ المؤمنينَ الكرام: لقلةِ الحرصِ والعِلمِ، ولغيابِ المعنى الصَّحيحِ للوسطيَّة، فقد تاهَ كثيرٌ من الناسِ بين الإفراطِ والتفريط، وبين التهويلِ والتهوين، وبين الغُلوِ والجفَاءِ، بين التشدُّدِ والتَّسيب، وضاعَ بسبب ذلكَ الكثيرُ من معالم الدِّينِ الحقَّ، وفُقِدَ التطبيقُ الأمثلُ لبعض النصوصِ الشرعيةِ .. وظهرت مذاهبُ ومشاربُ مُتضاربة، كُلُّ يدَّعِى أنهُ الحقَّ والصواب، وأنَّهُ على الصراطِ المستقيمِ، وأنَّ غيرهُ ضالٌ ومُنحرفٌ, بينما المنهجُ الحقُّ والسبيلُ الأقوم, هو ما كان عليهِ المصطفى ، القائل في الحديث الصحيح: "عليكم بِسُنَّتِي وسُنَّةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديينَ من بعدي، عَضُّوا عليها بالنَّواجذِ، وإيَّاكم ومُحدثاتِ الأمورِ، فإنَّ كُلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ" .. والوسطيةُ يا عباد اللهِ: حَسنةٌ بين سيئتين، ونورٌ بين ظلمتين،  وهي تعني فِعلُ المطلوبِ من غيرِ زيادةٍ ولا نُقصان؛ فالزيادةُ غلوٌّ وإفراطٌ، والنّقصُ تقصيرٌ وتفريطٌ، كما قال الشاعر:

وَلاَ تَغْلُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَمْرِ وَاقْتَصِدْ **  كِلاَ طَرَفَيْ قَصْدِ الْأُمورِ ذَمِيمُ

والوسطيةُ منهجٌ يشملُ كافةَ مناحي الحياة، الدينيةِ منها والاجتماعيةِ والاقتصاديةِ .. وغيرها من المناحي، حسِّيةً كانت أو معنويةً ..

والوسطيةُ تعني التوسطَ والاعتِدالَ بين الإفراطِ والتفريطِ، وبينَ التشدُّدِ والتسيب، فخير الأمورِ أواسِطها .. الشجاعةُ مثلًا: وسطٌ بين التهورِ والجُبن، والكرمُ وسطٌ بين الإسرافِ والبُخْل .. يقول الإمام ابن القيّم رحمه الله: «الأفعالُ الطبيعيةُ: كالنوم والسهرِ والأكلِ والشربِ والجماعِ والحركةِ والرياضةِ والخلوةِ والمخالطةِ وغيرُ ذلك، إذا كانت وسطًا بين الطرفينِ المذمومينِ كانت عدلًا، وإن انحرفت إلى أحدهما كانت نقصًا وأثمرت نقصًا بقدر الميل والانحراف ..» ... والقاعدةُ الشاملةُ تنصُ على أنّ ما تجاوز حدَّهُ, انقلبَ إلى ضِدهِ .. فحتى التقوى المطلوبةِ شرعًا، إن تجاوزت حدّها تُصبحُ وسوسةً وتنطُعًا، وهو الغلو المنهي عنه شرعًا، والعاقلُ من ألزمَ نفسهُ حدَّ الاعتدالِ في كُلِّ الأمور، وتوسطَ في سائرِ أحوالهِ بين الإفراطِ والتفريط .. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (وما أمَرَ اللهُ بأمْرٍ إلا وللشيطان فيه نزغتان: إمَّا إلى تفريطٍ وإضاعةٍ، وإمّا إلى إفراطٍ وغلو .. ودينُ اللهِ وسطٌ بين الجافي عنهُ والغالي فيه؛ كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسطَ بين طرفين ذميمين، فكما أنَّ الجافيَ عن الأمر مُضيّعٌ له، فالغالي فيه مُضَيّعٌ له، هذا بتقصيرهِ عن الحدّ، وهذا بتجاوزه للحدّ ... وإذا أردنا أن نضرب لذلك مثالًا: فكم من الأُممِ قصّروا وفرطوا في حقِّ أنبيائهم وعُلمائِهم حتى عادوهم وقتلوهم، وكم تجاوزَ آخرونَ وأفرطوا حتى غلوا فيهم وعبدوهم .. وهكذا في سائرِ الأمور، فهو بابٌ واسعٌ يدخلُ منهُ الشيطانُ ليمكرَ ببني آدم ويكيدَهم ما بين إفراطٍ وتفريط، ولا نجاةَ من ذلك إلا بسلوك الطريقِ الوسطِ الذي كان عليه المصطفى , وصحابته الكرام، ومن تبعهم بإحسان ..

والتوسط والوسَطيَّة الحق منهجٌ قرآنيٌ كريم، وتشريعٌ ربانيٌ حكيم: قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}،  ومن معاني أمَّةً وسطًا :أي معتدلةٌ بين الإفراطِ والتفريط، ومن الآيات الدالةِ على هذه المنهجيةِ الوسطِ، قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}، وقولهِ تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}، وقولهِ تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}، وقوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}، وقوله تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ}، والمعني: أن تمشي مشية معتدلة، ما بين الإسراعِ والبُطء، وأن تتحدث بصوتٍ معتدل، ما بين العالي المزعج، والمنخفض المبهم .. وفي الحديث الصحيح: "اعمل لدنياك كأنَّك تعيشُ أبدًا، واعمَل لآخرتك كأنك تموتُ غدًا" .. وفي الحديث الآخر: "أحببْ حبيبكَ هونًا ما, عسى أن يكونَ بَغِيضَك يومًا ما، وأبغِضْ بَغِيضك هونًا ما, عسى أن يكونَ حبيبك يومًا ما" ..

والإسلامُ شريعةٌ وسطٌ، وأمَّةُ الإسلام أُمةٌ وسطٌ .. بكلِّ معاني الوسطية، سواءً من الوسط بمعنى الحُسن والفضل، أو بمعنى الاعتدالِ والقصد، أو من التوسط بمعناهُ المكانيُ والجغرافي .. فهي أمَّةٌ وَسَطٌ في التصوّر والاعتقاد، وسطٌ في العباداتِ والمعاملاتِ، وسطٌ في الارتباطات والعلاقات، وسطٌ في كٌلِّ الأمورِ والمجالات .. وأهلُ السنَّة عُمومًا وسطٌ بين المللِ والنِّحلِ، وسطٌ بين المعطِّلةِ والمشبِّهةِ، بين من ينفي صفاتِ الربِّ جلَّ وعلا ويُعطِلُها عن مضمونها ومُرادِها، وبين مَن يُشبِهُها بصفات المخلوقين، تعالى اللهُ عما يقولُ الظالمون عُلوًا كبيرا .. وسطٌ بين الجبريةِ والقدريةِ، بين من يسلبُ العبدَ اختيارهُ ومسؤوليتهُ عن أفعالهِ، وبين من يُجيزُ أن يقعَ في مُلكِ اللهِ ما لا يُريدهُ اللهُ تعالى ولا يُقدِرهُ .. وسطٌ بين من يُكفِرُ بالكبيرة ويحكمُ بخلودِ مُرتكِبِها في النار، وبين من يقولُ: لا يَضرُّ مع الإيمان مَعصيةٌ، سبحانَ اللهِ وتعالى عما يصِفون .. وسطٌ في آل النبي وصحابتهِ الكرامِ، بين من يغلو فيهم حدَّ التقديسِ، وادعاء العصمةِ وعِلمَ الغيبِ، وبين من يُبغضُهم ويناصِبُهم العَداء ... والتوسطُ والاعتدالُ إنما يكونُ بالاستقامةِ على أمرِ اللهِ تعالى وطاعتهِ، بلا إفراطٍ ولا تفريطٍ، وبلزومِ الصِراطِ المستقيم: ففي سورةِ الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، وهو الطّريقُ البينُ الواضحُ، الذي لا اعوجاجَ فيه ولا انحراف، قال جلَّ وعلا: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا}، أي ولا تتجاوزوا ما حَدّدهُ لكم بزيادةٍ أو نقصان .. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خطَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا خطًا، ثم قال: «هذا سبيلُ اللهِ» ثم خطَّ خُطوطا عن يمينهِ، وعن شمالهِ، ثمَّ قال: «وهذه سُبلُ، على كلِّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه» ثمَّ تلا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}، صححه الألباني .. ولو أردنا أن نأخذُ مثالًا واقعيًا تتباينُ فيهِ اتجاهاتُ أكثرِ الناسِ بين الإفراطِ والتفريطِ .. فإن وباءَ كورونا خيرُ مِثالٍ، فالناسُ فيهِ بين طرفي نقيظ، ما بين تهويلٍ وتهوينٍ، وما بين إفراطٍ وتفريطٍ، بينما المنهجُ الحقُّ أن يأخذَ المسلمُ بالوسطيةِ والاعتدالِ, من غيرِ تهويلٍ ولا تهوينٍ .. فلا يُقلِلُ من شأنهِ، ولا يستهينُ بأمرهِ، ولا يَراهُ أمرًا عاديًّا لا يستحقُ الاهتمام .. وفي نفس الوقت, فهو لا يَفزَعُ ولا يخافُ, ولا يُهوِّلُ الأمرَ ولا يُضخِمهُ، ولا يُعطيهِ أكثرَ من حقِّهِ حتى يراهُ كأنهُ نهايةُ العالم، وخرابُ الدنيا .. بل يتوسطُ في ذلك ويعتدل .. فيتوكلَ على اللهِ عزَّ وجلَّ, ويعتمِدَ عليه، وِيُعلقُ قلبهُ بخالقهِ جلَّ وعلا خوفًا ورجاء ودُعاءً، ثمَّ يأخذُ بالأسباب المناسبةِ، والاحترازاتِ الصحيةِ الملائمةِ، ويلتزمُ بإجراءات النظافةِ والسلامةِ، ويبتعدُ عن الأماكنِ المزدحمةِ، ويُقللُ من مخالطةِ الآخرينَ قدرَ الإمكانِ، ويرتدي الكمَّامةَ، ونحو ذلك من الإجراءاتِ والاحترازات ..

فاتقوا الله عباد الله: وخذوا بالطريق الوسط المستقيم الذي لا عوج فيه ولا انحراف، ولا غلو فيه ولا جفاء، ولا إفراط فيه ولا تفريط .. واَحْذروا سُبلَ الشيطانِ وخِداعِهِ، فلا هَمّ لهُ إلا أن يَصُدّكُم عن هذا الطريق الوسط المستقيم؛ ويجركم إمَّا إلى إفراطٍ وإمَّا إلى تفريط ..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} ...  بارك الله لي ولكم ...

 

الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله ....

معاشر المؤمنين الكرام: كُلُّ تعاليمِ الإسلامِ وأحكامِه وشرائِعهِ, مَبنيةٌ على التوسُطِ والاعتدالِ، وعلى الرفقِ والتيسيرِ .. فالتيسيرُ مقصِدٌ من مقاصِدِ هذا الدِّينِ العظِيمِ، وصِفةٌ عامّةٌ للشريعةِ في أحكامِها وعقائِدها، وأخلاقِها ومعاملاتِها، وأصولهِا وفروعِها، قال جلَّ وعلا: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وقال سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} .. وقال عن نفسه كما في صحيحِ مُسلم: «إنَّ اللهَ لم يَبعثني مُعَنّتا ولا مُتعَنتا، ولكن بَعثني مُعَلمًا مُيَسِّرًا » .. وفي الحديثِ الصحيح: "يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا، وبَشِّرُوا، ولا تُنَفِّرُوا" .. وفي الصحيحين: "ما خُيِّرَ رسول الله بين أمرين؛ إلا اختار أيسرَهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعدَ الناس منه" ..

ثم اعلموا يا عباد الله: أنَّ الوسطيةَ في الإسلام لا تثبتُ بالرأْيِ ولا بالهوى، وإنَّما تثبُتُ بالدليل من كتابِ اللهِ تعالى, أو ما صحَ من سنَّةِ النبي الكريمِ , أو ما أجْمعَ عليهِ علماءُ هذه الأمةِ المعصومةِ، فمتى وُجِدَ الدليلُ الشرعيُ الصحيحُ, فهو الحقُّ وهو الوسطيَّة، ظهَرَتْ حِكمةُ ذلك أم لم تظْهَر، ولا يَصِحُ أنْ نُقابلُ الدَّليلَ الشرعيَ الصحيحَ بالرأْي، ولا أنْ نُعارضُهُ بالعقل، بل نَعرضُ العقلَ والرأيَ على الدَّليلِ الصحيح، فما وافقَ الدليلَ اخذنا به واتبعناه، وما خالفَ الدليلَ تركناهُ ونبذناه .. قال جلَّ وعلا: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}، ثمَّ اعلموا أنَّ الوسطيةَ ليست ذريعةً للتقصيرِ وتمييعِ الدِّينِ, والتفلُّتِ من أحكامه، والاستهانةِ بمحرماتهِ، وتقحُّمِ المشتبِهات، وترْكِ بعضِ الأوامرِ والواجباتِ, كالأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ بدرجاته الثلاث ... واعملوا كذلكَ أنَّهُ ليس حتمًا, أنْ تكونَ الوسطيَّةُ هي الأسهلُ والأهون، أو ما تهواهُ النفسُ وتميلُ إليهِ، بل قد تكونُ هي الأصعبُ والأشقُّ، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} ...

فاتقوا الله يا عباد الله، وعليكم بالوسطية الصحيحة، واحذروا الإفراط والتفريط؛ فإنه خسارةٌ في الدنيا، وندامةٌ في الآخرة، قال تعالى مُخبرًا عن حالِ أهلِ النار, وندمِهِم يومَ لا ينفعُ الندم: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ}، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ..

و يا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply