حكم تعدد الزوجات، وما يُنصَح به مَن تزوّج واحدة


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

صدر عن مؤسسة الريان/بيروت كتاب "سؤالات في تعدد الزوجات" للداعية السعودي في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف محمد بن سعد الشهراني، وقد قدّم لكتابه الشيخ ابن جبرين وقرّظ له الشيخ خالد الهويسين، وذكر الكاتب أن سبب تأليفه للكتاب أنه ولج باب التعدد - بفضل الله - فطرأت عليه مسائل مهمة، فشرع في جمع قرابة مئة سؤال يتعلّقن بموضوع التعدد وأودعهن هذا الكتاب، فأحببت أن أنقل للإخوة والأخوات أسئلة مهمة - مع بعض الاختصار - تتعلَّق بموضوع التعدد .

قال الكاتب حفظه الله: ما حكم التعدد؟

الأصل أن التعدد مباح للرجل إلاّ إذا اعتراه ما يغيّر حكمه من الإباحة إلى غيرها؛ إما التحريم أو الوجوب أو الاستحباب أو الكراهة .

فيكون التعدد محرّماً إذا كان يعتريه ما يحرِّمه كأن يتزوّج بزوجة خامسة أو يجمع بين المرأة وأختها والله تعالى يقول: وأن تجمعوا بين الأختين أو بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك في حديث أبي هريرة مرفوعاً ( رواه البخاري ومسلم) وفي حديث جابر (رواه البخاري) .

ويكون محرّماً إذا غلب على الزوج الظن أنه لن يستطيع العدل بين زوجاته فيما يجب عليه العدل .

ويكون التعدد واجباً إذا كان عدمه يؤدّي إلى محرَّم أو يمنع من واجب، كمن عنده زوجة لا تغنيه عن النساء وإن لم يعدِّد وقع في الزنا والعياذ بالله، فهذا يُقال له: عَدِّد وتزوّج بثانية، وهذا ما يعبِّر عنه الفقهاء بقولهم "إذا خاف على نفسه الفتنة وكان قادراً على النفقة والمبيت" .

ويكون التعدد مستحبًّا إذا كان فعله يؤدي إلى أمر مستحب كالإكثار من النسل، فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم سيكاثر بنا الأمم يوم القيامة، أو كالإعانة في إنقاص عدد العوانس من المسلمات أو لرعاية أرامل المسلمين .

ويكون التعدد مكروهاً إذا كان فعله يؤدِّي إلى مكروه، كطلاق الزوجة الأولى بسببه من غير سوء فيها يؤدِّي إلى طلاقها، أو إذا كان فعله سيشغله عن تحصيل فضائل الأمور كطلب العلم والعمل الخيري، أو أن يعدِّد مَن كان ضيِّق الصدر كثير الغضب، فهذا أكره له التعدد، لأن التعدد يحتاج إلى حلم وسعة صدر للزوجات .

وقال الكاتب حفظه الله :هل يُنصَح الأزواج بالتعدد أم الأفضل أن يبقى كل رجل مع زوجته ولا يعدِّد؟

هذه المسألة نسبيّة من زوج إلى آخر، وهي مبنيّة على معرفة التفصيل في حكم التعدّد السابق من حيث وجوبه وتحريمه واستحبابه وكراهيته .

ولكن الذي ينبغي أن يُنَبَّه إليه الزوج أن يدرس الموضوع دراسة متأنّية، ويستشير في ذلك مَن كان أهلاً للاستشارة، ولا يستشير من يعلم أنه سيوافقه في هواه، وليحذر المؤمن من التقليد الأعمى من غير دراسة ولا تأنّي، ولا ينسَ المؤمن ملاحظة سلبيات التعدد بالنسبة له وإيجابيات التعدد بالنسبة له كذلك، وليستخر الله تعالى مرّات ومرّات، لأن أعراض المسلمين أمانة ولا ينبغي التلاعب بها، فكم من زوج عدَّد ولم يمضي عليه سنة أو أشهر معدودة وإذ به يطلِّق الزوجة الثانية ويرجع للأولى ويدَّعي أنه لا يصلح للتعدد، ولو أنه تأنّى منذ البداية لِما حصل مثل هذا، والله المستعان .

وفي الصورة المقابلة نرى رجالاً يحتاجون إلى التعدد لأي سبب كان، ولكنهم - وخوفاً من المشاكل مع الزوجة الأولى - لا يجرؤون عليه، وتراهم يسافرون من بلد إلى بلد يرتعون في المحرّمات ويقعون في غضب الله تعالى، أو يتَّخِذون الخليلات يكلِّمونهن ويسايروهن، وكل ذلك يهون عندهم بجانب المشاكل التي يتوقّعونها من الزوجة الأولى ... وهذا خطأ فادح وإثم عظيم! ولِمثل هؤلاء أقول: لا تفعلوا الحرام وتزوّجوا وثَنُّوا وثَلِّثوا ورَبِّعوا ما دمتم ستحرصون على العدل بين زوجاتكم، والغضب والمشاكل إن حصلت فستكون لأيامٍ معدودة ثم تزول بإذن الله تعالى إن أنتم صدقتم مع الله تعالى وتريدون بالتعدد إحصان أنفسكم وعدم معصية ربِّكم جلَّ وعلا .

وقال الكاتب حفظه الله وبارك له في أزواجه: هل يجوز للرجل أن يجمع بين زوجاته في مسكنٍ واحدٍ؟

في هذه المسألة تفصيل :

إذا أُريد بالمسكن الواحد أي المبنى الواحد ولكل واحدة من الزوجات مكان يخصّها بجميع مرافقه ومستلزماته لا تختلط إحداهن بالأخرى فيجوز ولا يشترط رضاهن .

قال الكاساني رحمه الله: (لو أسكنها في بيتٍ من الدار وجعل لهذا البيت غلقاً على حدة كفاها ذلك، وليس لها أن تطالبه بمسكن آخر لأن الضرر بالخوف على المتاع وعدم التمكن من الاستمتاع قد زال) .

وأما إذا أُريد بالمسكن الواحد أن يجمع بين زوجاته في مبنى واحد يختلطن ببعضهن ولكل واحدة منهن حجرتها تنام فيها فقط، فهذا لا يجوز إلاّ برضاهن لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: " لا ضرر ولا ضرار " (رواه أحمد) .

ولا يجوز أن يجمع بينهن كما في الصورة الثانية بحجّة أنهن لم يشترطن في العقد عدم جمعهن لأن القاعدة الفقهية تنص على أن (المعروف عُرفاً كالمشروط شرطاً)، وقد عُلِم بعُرف الناس أن الضرّات لا يرضين بجمعهن في مكانٍ واحدٍ سويًّا، وأما إذا تراضين ورضين بذلك فلا حرج .

قال ابن قدامة رحمه الله: (وليس للرجل أن يجمع بين امرأتيه في مسكنٍ واحدٍ بغير رضاهما صغيراً كان أو كبيراً، لأن عليهما ضرراً لِما بينهما من العداوة والغيرة، واجتماعهما يُثير المخاصمة وتسمع كل واحدة حسّه إذا أتى الأخرى أو ترى ذلك، فإن رضيتا بذلك جاز لأن الحق لهما، فلهما المسامحة بتركه) . اهـ ، وقال بعد ذلك: (والأولى أن يكون لكل واحدة منهن مسكن يأتيها فيه لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقسم هكذا، ولأنه أصون لهن وأستر، وحتى لا يخرجن من بيوتهن) .

 

وقال الكاتب حفظه الله: هل يجب على الزوج العدل في الحب والوطء ؟ وهل يجوز له أن يطأ إحدى زوجاته أكثر من الأخريات؟

لا يجب ولا يستطيع، ولذلك قال الله تعالى : (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم).

فالمقصود في هذه الآية ميل القلب والوطء بإجماع المفسّرين .

وقد اشتهر بين الصحابة حبّ النبي صلّى الله عليه وسلّم لعائشة أكثر من غيرها ... وقال عمر بن الخطاب لابنته حفصة: (ولا يغرّنك أن جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم) .

قال ابن القيم: (إنه لا تجب التسوية بين النساء في المحبة، فإنها لا تُملك، وكانت عائشة رضي الله عنها أحب النساء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم) .

والوطء تابع للمحبة القلبية، فلا يجب على الزوج العدل فيه لأنه غير مملوك له، وإن استطاع أن يعدل فيه فهو الأولى والأورع .

قال شيخ الإسلام: (لكن إن كان يحبها أكثر ويطأها أكثر، فهذا لا حرج عليه فيه، وفيه أنزل الله: ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم، أي في الحب والجماع) .اهـ.

ومن المناسب أن أورد في هذا الموضوع فائدة ذكرها لي الشيخ عبد الله العبيلان حفظه الله أثناء لقائي به عند مجيئه إلى لبنان منذ بضع سنوات، والفائدة فيها فضيلة لمن تزوج بأكثر من واحدة، قال حفظه الله أن الزوجة الثانية رحمة من الله للرجل، واستدلّ بقوله تعالى لأيوب صلّى الله عليه وسلّم بعد معافاته من بلائه: (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمةً منّا وذكرى لأولي الألباب) (ص، 43)، وأذكر أن الشيخ قال أنه لم يجد من نبّه على هذه الفائدة في كتب أهل العلم .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply