يوم الجمعة .. قضايا وأحكام 4


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

سُنَّةُ الجُمُعةِ البَعديَّة

اختَلف أهلُ العِلمِ في عددِ ركَعاتِ سُنَّةِ الجُمُعةِ البَعديَّة على ثلاثةِ أقوال:

// القول الأوّل: أنَّ سُنَّة الجُمعةِ البعديَّة أربعُ ركَعات، وهذا مذهبُ الحنفيَّة، والشافعيَّة

فعن أبي هُريرةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْه- عنِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-، قال: (مَن كان منكم مصلِّيًا بعدَ الجُمُعةِ، فليصلِّ أربعًا) [مسلم]، وفي رواية لمسلم: (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا) وفي رواية: قال سُهيلٌ: (فإنْ عجِل بكَ شيءٌ فصلِّ ركعتينِ في المسجِدِ، وركعتينِ إذا رجعتَ)

القول الثاني: أنَّه مُخيَّرٌ بين أن يُصلِّي ركعتينِ أو أربعًا، وذلك جمعًا بين حديثِ أبي هريرةَ، وبينَ حديثِ ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ لا يُصلِّي بعدَ الجمُعةِ حتى يَنصَرِفَ، فيُصلِّي ركعتَينِ".

القول الثالث: إنْ صلَّى في المسجدِ صلَّى أربعًا، وإنْ صلَّى في بيته صلَّى ركعتينِ وهو أشهر الأقوال

وذلك جمعًا بين حَديثي أبي هُرَيرَة وابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهم؛ فحديثُ ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما نصَّ فيه أنه كان يُصلِّي الركعتينِ في بيتِه، وحديثُ أبي هُرَيرَة رضي الله في الصَّلاةِ أربعًا يُحمل على الصلاةِ في المسجد؛ جمعًا بين الحديثين.

وابن عمر نفسه كان إذا صلَّى في المسجد صلَّى أربعًا وإذا صلَّى في بيته صلَّى ركعتين. [رواه أبو داود].

 

معالم في الخطبة

** ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ)

وفي رواية [شهادة] وقوله (فهي كاليد الجذماء) أي المقطوعة، أو التي بها جذام .. يعنى كل خطبة لم يؤت فيها بالشهادتين فهي كاليد المقطوعة التي لا فائدة بها لصاحبها.

قال ابن جبرين في شرح عمدة الأحكام

ذكر العلماء خمسة شروط للخطبة، وهي تجتمع في الخطبتين:

1) الشرط الأول: حمد الله والثناء عليه، ولم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يبدأ خطبه إلا بالحمد، وذلك استفتاحاً لذكر الله تعالى، ولأنه إذا لم يبدأ بذلك الأمر فخطبته بتراء أي: ناقصة البركة.

قال ابن حجر: فالابتداء بالحمد واشتراط التشهد خاص بالخطبة بخلاف بقية الأمور المهمة فبعضها يبدأ فيه بالبسملة تامة كالمراسلات وبعضها ببسم الله فقط كما في أول الجماع والذبيحة وبعضها بلفظ من الذكر مخصوص كالتكبير

2) الشرط الثاني: الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وذلك لأن الخطب تشتمل على تعليمات، وتشتمل على أدعية، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- من أسباب القبول، كما ورد في الحديث: (الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى يُصَلى على النبي -صلى الله عليه وسلم-).

3) الشرط الثالث: الوصية بتقوى الله، يعني: أن يكون هناك تذكير وموعظة وتنبيه للناس وتخويف لهم وما أشبه ذلك، ولو لم تأتِ كلمة التقوى ما دام أن هناك ما يقوم مقامها.

4) الشرط الرابع: الشهادة، فقد ورد في حديث: (كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء)، فيأتي بالشهادتين.

والحكمة في ذلك: أن فيهما تجديد العقيدة، والتذكير بالتوحيد، وبحقوق (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، وتنبيه الناس إلى علامات وضمانات تتضمنها هذه الشهادة.

5) الشرط الخامس: أن يقرأ آية من القرآن سواءً في أول الخطبة أو في آخرها أو في وسطها، وذلك لأنه مشتهر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ آيات، ويذكر بمعانيها ويدعو إلى ما تتضمنه.

 

** اختلف الفقهاء في حكم اتكاء الخطيب على العصا ونحوها من قوس أو سيف أثناء خطبة الجمعة على قولين:

1/ القول الأول: الندب والاستحباب، وهو مذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة.

يقول الإمام مالك رحمه الله: "وذلك مما يستحب للأئمة أصحاب المنابر، أن يخطبوا يوم الجمعة ومعهم العصي يتوكؤون عليها في قيامهم، وهو الذي رَأَيْنا وسَمِعْنا "

القول الثاني: الكراهة، وهو معتمد مذهب الحنفية.

قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: ولم يكن يأخذ بيده سيفاً ولا غيرَه، وإنما كان يعتَمِد على قوس أو عصاً قبل أن يتَّخذ المنبر، وكان في الحرب يَعتمد على قوس، وفي الجمعة يعتمِد على عصا، ولم يُحفظ عنه أنه اعتمد على سيف، وما يظنه بعض الجهال أنه كان يعتمد على السيف دائماً، وأن ذلك إشارة إلى أن الدين قام بالسيف: فَمِن فَرطِ جهله، فإنه لا يُحفظ عنه بعد اتخاذ المنبر أنه كان يرقاه بسيف، ولا قوس، ولا غيره، ولا قبل اتخاذه أنه أخذ بيده سيفاً البتة، وإنما كان يعتمِد على عصا أو قوس"

 

** لا حرج في قول الخطيب في ختام كلامه: [أقول هذا وأستغفر الله]، أو [أقول قولي هذا]، سواء كان ذلك في خطبة الجمعة الأولى أو الثانية، أو في غيرها من الخطب، فهي كلمة مأثورة من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكلام الخطباء من أصحابه رضي الله عنهم.

فقد روى ابن حبان عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب يوم فتح مكة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد؛ أيها الناس، فإن الله قد أذهب عنكم عُبيِّة الجاهلية [الكبر أو التعبية لأن المتكبر ذو تكلف وتعبية خلاف من يسترسل على سجيته]، يا أيها الناس، إنما الناس رجلان: بر تقي كريم على ربه، وفاجر شقي هين على ربه) ثم تلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ثم قال: ( أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم)

والحديث صححه شعيب الأرنؤوط في تحقيقه، والألباني في السلسلة الصحيحة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply