بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
التحفيز والتشجيع بين أفراد الأسرة
أيها الإخوة الأكارم إن هذه النفس البشرية خلقها الله تعالى وهي تحوي كوامن عظيمة ومواهب كثيرة ومكاسب جليلة لكنها تحتاج إلى من يستثيرها ويجلّيها، وإن لهذه الاستثارة أسبابًا عديدة متنوعة ولعل من أهمها التحفيز والتشجيع، ولهذا قال النبي ﷺ (نِعم الرجل عبدالله لو كان يقوم من الليل) قال ذلك مشجعًا له بقوله (نِعم) فهي كلمة مدح وثناء، فماذا كانت النتيجة؟ كانت أن ابن عمر رضي الله عنه كان لا ينام من الليل إلا قليلا.
إخوتي الأكارم ما أحوجنا إلى ذلك داخل أسرنا، ومما لا شك فيه أننا نرى تصرفات إيجابية وأعمالًا جليلة من أبناءنا وبناتنا ولو كانت قليلة فإنها أرض خصبة عندما نسقيها بألفاظ التشجيع والتحفيز.
وثمة سؤال يطرح نفسه، ماذا لو كان للإبن أو البنت في كل يوم كلمة تحفيز لأي إنتاج إيجابي حتى ولو كان تصرفًا عابرًا فإن ذلك يبني في نفس الأولاد أن يكونوا إيجابيين لأن مشاعرهم مرهفة وتحب ذلك السلوك، وقد يتنوع هذا التشجيع فقد يكون كلمة وقد يكون ابتسامة وقد يكون هدية وقد يكون رحلة ونحو ذلك، فكم هو جميل أن يكون ذلك سلوكًا طبيعيًا لهذه الأسرة ولكلٍ ما يناسبه من التشجيع، فالمرأة في شكرها لزوجها ودعائها له عند إعداد وتجهيز أي عمل يخدم البيت والأسرة فهو بناء له وتحفيز، وكذلك الرجل بثنائه على زوجته عند إعدادها لطعامه وشؤونه تحفيز جميل أيضًا، وفي دعاء الولد لوالديه وإظهار ذلك لهما مقابل تربيتهما وتعبهما هو تشجيع لهما، وهكذا الجميع يعيش روح التشجيع والتحفيز فتكون هذه الأسرة متقدمة يومًا بعد يوم في مخرجات جميلة فيما بينها، وينعكس ذلك إيجابًا على الآخرين.
أيها الأب المبارك وأيتها الأم المباركة لعلكما تجريان تجربة ولمدة شهر واحد فقط برصد إيجابيات أولادكما ولو صغرت وتقومان بتشجيعها وتحفيزها ثم تتناقشان في المكاسب العظيمة التي اتصف بها الأولاد مع التغاظي النسبي عن أخطائهم حتى لا يؤثر سلبًا على هذه التجربة كما أنكما ستجدان أعمالًا جليلة منهم، لأن هذه التجربة أثارت مكامن هذه التصرفات بينما كانت هذه التصرفات قبل ذلك كأنها غائبة عن الحس وذلك لبُعدنا عن التشجيع لهم.
إخوتي الكرام، الواقع مليء بشواهد التشجيع والتحفيز، ومن ذلك الواقع أنه عندما قام المعلم بتصحيح إجابة أحد الطلاب كتب له في كراسته وأنني أرغب أن أراك طبيبًا حاذقًا، فلعل هذه الكلمة أخذت مأخذها في ذهن هذا الطالب تشجيعًا له فعمل على تحقيقها فكان بعد ذلك طبيبًا حاذقًا بتوفيق الله تبارك وتعالى، ومن ذلك أيضًا أن أحدهم سمع قارئًا يقرأ بصوت جميل، فقال له: هل تحفظ القرآن؟ قال: لا، قال: ما أجمل هذا الصوت لو كان معه حفظ القرآن، فما أكمل هذا القارئ سنةً ونصفًا إلا وقد حفظ هذا الشاب القرآن.
وإن من التشجيع الذي يستمر مع صاحبه أن يلقّب هذا الإبن مثلًا بلقب إيجابي يُناسب قدراته وينادى به وذلك مثل كلمة يا دكتور، يا مهندس، يا خطيب، ونحو ذلك وكم سمعنا من الأشخاص الذين بلغوا هذه المنازل عن طريق هذه الألقاب وتشجيعهم بها، ولكن مع إطلاقها عليهم يحفزوا بما يتممها ويكملها وإياكم أيها الإخوة أن تطلقو هذه الألقاب عن طريق الهزل أو السخرية فقد تنقلب إلى ضدها وإن كنا نقول هذا في التشجيع فإننا نحذر من إطلاق كلمات سلبية تحطم الشخصية وتهدمها ولذلك يقول أحدهم: كنت خارجًا يومًا من الأيام من المدرسة فمرت سيارة كبيرة تحمل متاعًا من الأمتعة واستخدم سائقها المنبه فالتفت إلي أحد الكبار وقال يافلان: هذه هي مستقبلك الوظيفي، فيقول هذا المتحدث تركت الدراسة بعد هذا التحطيم حيث أن بعض الناس ذو حساسة مفرطة، فحذاري أيها الإخوة من استعمال وإطلاق مثل هذه الألفاظ المشينة ذات السخرية والاستهزاء ولو كانت عن طريق المزح فإنها تهدم الطموح والسمو.
أخي الكريم إذ إن الغريب في موضوع التشجيع أن التصرفات الإيجابية تزيد معه وتتكاثر فهو بهذا جاذب كبير من التربية بل ويختصر علينا الكثير من الجهود ولو أن الأب حدد شيئًا معينًا من دخله الشهري للتشجيع والتحفيز لكان ذلك أمرًا طيبًا لأنه يبني في أولاده صفات حميدة وخصال حسنة مجيدة
لو وضعت أخي الأب وأختي الأم مقارنة بين التشجبع وعدم التشجيع لرأيتما أنهما أسلوبان موجودان في الأسر لكن الفرق بينهما في الواقع التربوي أبعد مما بين المغرب والمشرق، فسنرى الأسرة التي قامت على التشجيع تنتقل من مستوى حسن إلى أحسن بخلاف الأخرى التي تقوم على التحطيم فهي تنتقل من سيء إلى اسوأ.
إن التحفيز يبني في الأسرة الطموح والارتفاع والتطلع إلى الأعلى وكل يريد هذا لأسرته لكننا أحيانًا مع الأسف نريده فقط بأذهاننا فإذا نزلنا إلى الواقع فقد نرى البعض أبدع فيه كواقع عملي، لكن نرى مع الأسف البعض الآخر قد أخفق فالأماني الذهنية لا تنفع ما لم يؤيدها الواقع العملي.
وأختم أخوتي الكرام بموقفين في مجال التحفيز بالكلام واللفظ ونحوهما
الأول: أن أحد المعلمين رأى من أحد طلابه كسلًا وفتورًا فما كان له إلا أن كتب له رسالة قصيرة جدًا، وهي خاصة له، كتب فيها بيتًا من الشعر حيث قال: ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر، ثم ناولها إياه فكانت هذه الرسالة بهذه الخصوصية دافعًا ومشجعًا ومحفزًا فكان هذا الطالب من الأوائل بعد تلك الرسالة
الثاني: قام طالب ليتحدث في المدرسة بعد الصلاة فارتج عليه فما زاد على البسملة والحمدله ثم عجز عن الكلام فجلس فضحك زملاءه ولكن جاء أحد المربين وأخذه إلى مكتبه وقال له بأنك نجحت النجاح الأول وهو القيام أمام الجمهور في حين أنه عجز عنه زملائك ونحن ننتظر منك النجاح الثاني وهو الكلام والانطلاق فدربه على الكلام حتى أصبح هذا الطالب متحدثًا بارعًا، فسياسة التشجيع أيها الإخوة الأكارم سياسة لا تعرف الفشل إذا اهتم بها المربي من الآباء والأمهات والمعلمين الكبار والصغار.
أسال الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من عباده المفلحين وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد