بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن) ويقول الله عز وجل (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانا) إن مقام الوالدين عظيم وكبير حيث قُرن بعبادة الله تبارك وتعالى التي هي الحكمة من خلق الخلق، و شيء بهذه المكانة يجب ويتعين على الأبناء والبنات العناية به ومعرفته علمًا و واقعا ملموسا، حيث إن الأب والأم هما الأصل في هذه الذرية بل إن هذه الذرية هي من كسبهما وسعيهما.
أيها الإخوة الكرام إن شيئًا بهذه المنزلة لهو أمر كبير وعظيم كيف وقد تواردت النصوص من الكتاب والسنة ببيان مقامهما وعظيم منزلتهما بل هما أوسط أبواب الجنة حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم (الوالد أوسط أبواب الجنة) وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : أقبل رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله عز وجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم فهل من والديك أحد حي؟ قال نعم بل كلاهما فقال: فتبتغي الأجر من الله عز وجل؟ قال نعم قال فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما) رواه مسلم
فما كان هذا البر واجبًا على الأولاد إلا لعظيم منزلة الأبوين فهما ركن الأسرة وعمادها بعد الله تبارك وتعالى فكم تحملا من المشاق وتعبا في سبيل رعاية من تحت أيديهم وسعادته فيتعين على الأولاد معرفة تلك المنزلة والواجب نحوها فما هو الواجب نحو الوالدين بعد معرفة تلك المكانة العظيمة لهم؟ إن الإجابة على هذا التساؤل تطول وقد لا تكفيه كلمات مثل هذه لكن من الممكن أن نذكر بعض ما يجب نحوهما فمن ذلك:
أولا: طاعتهما ولكن في غير معصية الله تبارك وتعالى حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم إنما الطاعة بالمعروف وتلك الطاعة لا تكن منّه من الإبن أو البنت بل تكون طاعة برغبة وحيوية وإشفاق وهذا مما يزيد الوالد محبة لهذا الولد و أيضًا هذا العمل مما يزيد الأجر والثواب ويضاعفه وعلى الولد أن يلاحظ في هذا أنهما إذا أمرا بشيء لا يناسب رغبته ألا يتأفف في هذا الموطن لكن إن احتاج الأمر إلى مراجعتهما و التفاهم معهما حيال هذا فليكن مرة واحدة وبأدب جم واحترام فإن أصرا على ذلك فليمض فيما أمراه به وليستشعر حال تنفيذه لأمرهما أنه يسعى في عبادة عظيمة فإن هذا الشعور والاستشعار يدفعه إلى مزيد من البر و الطاعة وإن عرف حاجتهما قبل صدور أمرهما له فمن الجميل جدًا أن يقوم بتنفيذه قبل أمرهما.
ثانيا : الجلوس معهما ومحادثتهما وإدخال السرور عليهما فإن هذه الأشياء تغيب عن ذهن الكثيرين وعن واقعهم وما يدريك أيها الابن المبارك ويا أيتها البنت المباركة أنكما قد تسعدان بدعوة منهما أو من أحدهما فاستثمار مجلسهما هو من العمل الصالح العظيم فكما أن هذا يصلي وهذا يصوم وهذا يتصدق فأنت جالس معهما بل إن جلوسك هذا ربما أنه هو الأفضل حيث قُرن بعبادة الله تبارك وتعالى ولو ألقينا نظرة ثاقبة على واقع بعض الأسر لرأينا أن الأبوين يئنّان من الجفاف والجمود في هذا المجال حيث إنك تجد الأبناء والبنات مع أصحابهم و جلسائهم على جو جميل وهانئ من المحادثة والمضاحكة في حين أنه مع الوالدين أو أحدهما على ضد ذلك ولا نعمم فالبعض من الأولاد ذكورًا وإناثًا ضرب أمثلة رائعة في جلوسه ومحادثته مع والديه بل لا يهنؤ كثيرًا إلا معهما وهؤلاء كثير ولله الحمد لكن طائفة من الأولاد لا يعرفون لهذا طريقا.
وهنا أهمس في أذن هذا الولد و هذه البنت أنكما أحوج للبر بوالديكم من والديكم من حيث الأجر و لذلك من كان واقعه الجمود والجفاف من الأولاد فعليه بالتدريج التربوي في بر والديه و يحاول كل يوم يتقدم قليلًا في بره بهما حتى يكون بعد فترة محددة قد تطبع البر وأزال العقبات والفجوات التي بينه وبينهم وبهذا تعيش هذه الأسرة عيشة هنيئة سعيدة
الثالث من حقوق الأبوين الدعاء لهما سواء في حضورهما أو غيابهما والإكثار من ذلك وهذا من رد الجميل لهما بل إن إسماعهما الدعاء أحيانًا مطلوب لأنهما سيقابلان ذلك بدعوة أيضا للابن الداعي ولا يخفى أن دعاء الوالد لولده قريب جدًا من الإجابة
الرابع من حقوقهم صلاحكما أنتَ وأنتِ لا شك أنه من أعظم البر فستقر اعينهما بذلك و تستقيم الحياة وعندما قال الابن لأبيه ما أفضل هدية ترغب أن أهديها لك يا أبي فقال الأب هي صلاحك يا بني
الخامس من حقوقهما امرك لهما بالمعروف ونهيك عن المنكر بأدب جم واحترام كامل بطريقه لبق جميلة إذ إنه من أعظم البر لأنه متعلق بالدين وأمور الاخرة وهي أولى من أمور الحياة الدنيا
السادس من حقوقهما أظهر العناية أثناء كلامهما وركز الذهن والنظر إليهما بأدب واخفض الجناح لهما والزم الصمت عند غضبهما ولا تسمح لنفسك ان تقعد والوالد هو من يخدم ويعمل وانت جالس
إخوتي الأكارم إن هذه الأعمال الستة السابقة هي من أعمال البر بالوالدين فمن حافظ عليها وعلى امثالها فسيكون لذلك كبير الأثر الايجابي في حياته ومن ذلك الاثر مايلي اولا صلاح الذريه و برهم بك فالبر كما يقال سلف وكما تكون لوالديك يكون لك أبناؤك
ثانيا من الآثار طول العمر و بسط الرزق لقوله عليه الصلاة والسلام (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) ولا شك أن الوالدين من أقرب الرحم التي توصل
الثالث كسب رضا الله تبارك وتعالى وهو برضا الوالدين
الرابع الطمأنينة و السعادة التي يجدها البار بوالديه
الخامس قبول دعاء الولد البار كما ورد في قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة
الى غير ذلك من الآثار المترتبة في الدنيا والآخرة
و يا أيها الآباء والأمهات كونوا وفقكم الله عونا لاولادكم على بركم فاعدلوا بينهم وكونوا معهم صرحاء وبينوا لهم البر الحقيقي و اربطوهم بالجلساء الصالحين الناصحين ولا تحتقروهم واعتبروا منزلتهم وشجعوهم و ادعو لهم فإذا رأوا ذلك منكم أسرعوا لبركم نسأل الله تبارك وتعالى أن يصلحنا ويصلح لنا ويصلح بنا
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد