العلاقات الإيجابية مع الأقارب


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

يقول علماء الاجتماع بأن الإنسان مدني بطبعه فهو ذو علاقات تمتد إلى القريب والبعيد بلا إن هذه هي طبيعة الحياة وإن أوثق العلاقة ما يكون بين المقربين نسبًا كالأقارب أو مكانًا كالجيران أو وصفًا كالزملاء ونحو ذلك وإن أهم هذه الدوائر ما يتعلق بالأقارب حيث إنهم عصبته وأهله فيتحتم الأمر أن تكون العلاقة وثيقة حيث أمر الإسلام بذلك، قال الله تبارك و تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) فلا بد أن تكون العلاقة ارتباطًا إيجابيا مما يجعل الفرد يحس بالانتماء ويفرح باللقاء ثمت أخي الكريم أسس وروافد وقواعد تجعل العلاقة بين الأسرة وأقاربهم إيجابية ومتينة وقوية، لعلي ألخصها بالأمور التالية :

أولاً: تفعيل الشعور بالانتماء الإيجابي للأسرة عامة بحيث يتولد عنده الرغبة في الشوق إليهم والقرب منهم والتلاحم معهم.

 

ثانيا: اللقاء بالأقارب مع الانبساط والابتسامة وإظهار الفرح والبهجة لأن هذه الأوصاف وأمثالها في اللقاءات تجعلها مرنة ومرغوبة، ومن خلالها تقوى أواصر المحبة بينهم، لكن بدونها تضعف هذه اللقاءات ومن ثم تضعف العلاقة بينهم، حتى أن بعض الأشخاص قد يصل فيه الأمر من الجفاف في الصلة والترابط أنه لا يعرف اسم بعض أقربائه بالكامل ولا وظيفته ناهيك عن أن يعرف عن الأحفاد منهم، وهذا لا شك أنه ناتج عن البعد الذي تعيشه بعض الأسر ولهذا من ما يذكره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن نفسه بأنه خصص يومًا من كل أسبوع لزياره أقاربه المقربين والاتصال على الأباعد منهم وكان أحد كبار السن يزور النساء الصغيرات المتزوجات من محارمه قائلًا لهن: أعلم أنكن لا تستطعن الزيارة لي في كل وقت و أنا أقدر منكن على ذلك، فكان مستمرًا على زيارتهن مع أنهن في سن أحفاده وأولاده.

 

ثالثًا: البساطة وعدم الكلفة سواء في المأكول أو المشروب أو في ثنايا اللقاء ولحظاته، فإن عدم الكلفة يضمن بإذن الله تعالى الاستمرار في التواصل والرغبة فيه، لأنها إذا كثرت الكلفة ثقُل اللقاء على الطرفين.

 

الرابع: الدعاء لهم في دعواتك الخاصة والعامة فادعوا لهم ولو بكلمة واحدة فإذا دعوت بدعوات تشملهم بها كأن تقول: وقراباتي ونحو ذلك فإنك أنت المستفيد الأول فإن الملك يقول آمين ولك بمثل، فيا بشراك حينئذ بدعوة ذلك الملك.

 

الخامس: دعوتهم لمناسباتك والاهتمام بهذه الدعوة وأيضًا إجابة دعوتهم إذا دعوت لمناسباتهم وإذا لم تستطع فبادر بالاعتذار بأي وسيلة، فإن دعوتهم وإجابة دعوتهم يجعلك معهم كالجسد الواحد.

 

السادس: الوقوف معهم في أفراحهم وأتراحهم مباركًا لأفراحهم ومهنيًا فيها وداعيًا لهم وكذلك في أفراحهم مواسيًا ومعزيًا ومساعدًا وداعيا، وهذه مواقف مهمة للتلاحم بين الأسر.

 

السابع: الصدقة على المحتاج من الأقارب، فهي عليهم أفضل من غيرهم، لأنها صدقة وصلة وقد يوجد في الأسرة فقير يأخذ زكاة البعيد عنه مع أن لدى قريبه زكاة مدفوعة وإن من الجميل ما يوجد عند بعض الأسر بما يسمى (صندوق التكافل الأسري) يُصرف منه على المحتاجين من الأسرة، وقد قال الله تبارك وتعالى (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل) فبدأ بذي القربى ووضح بأنه حقه ثم انتقل إلى الأبعدين فاحرص على قريبك قبل البعيد عنك، ففكرة صندوق التكافل جميلة ورائعة و لو قامت الأسر جميعًا بهذا لزالت كثيرًا من الإشكالات المعيشية لدى المجتمع وصار بعضهم يكفل بعضًا فيكتمل ارتباطهم وتواصلهم وتوادهم.

 

الثامن: التفاعل معهم في طلباتهم وحاجاتهم والحرص على المبادرة فيها وهي من الإحسان للأباعد فكيف للأقارب، وإن جزاء هذا الإحسان متعدد فمنهم معية الله تبارك وتعالى للمحسن (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) وأيضًا رحمة الله تبارك وتعالى للمحسن (إن رحمة الله قريب من المحسنين) وأيضًا محبة الله له (إن الله يحب المحسنين) وأيضًا الجزاء الحسن له (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) وأيضا الإعانة له والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، فهذه أمور خمسة كم هو جميل أن تكون حاضرة في قلبك وذهنك عند أي إحسان تبذله لتستشعر فضل الله تعالى وكرمه.

 

التاسع: من العلاقات الإيجابية مع الأقارب، التوافق معهم وعدم الاختلاف فإن الخلاف شر كما يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وترك الجدل العقيم الذي نتيجته الاختلاف والخلاف وإذا حصل هذا الخلاف فقد يتدرج إلى الأولاد ويتسلسل وتحصل ما لا تحمد عقباه في الأبناء والأحفاد.

 

العاشر: من العلاقة الإيجابية مع الأقارب، أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالحسنى والأسلوب الأمثل ضمن المكان والزمان المناسبين وذلك عن طريق المشافهة أو المراسلة أو المكاتبة أو بالإشارة إن كانت تفي بالغرض أو بالهدية لكتاب أو شريط يتضمن ذلك فإن هذا الجانب غاية في الأهمية لأنه فيما يخص الدين والدار الآخرة (والآخرة خير من الأولى) فتأمل حال الأمر والنهي بالتي هي أحسن لتكون أجدى في النفع وأقرب إلى القبول.

 

الحادي عشر: من العلاقات الإيجابية مع الأقارب الهدية المطلقة ولو كانت قليلة أو صغيرة فلها الأثر البالغ في نفس المهدى له فما أعظمها من منفعة وما أيسرها من جهد وقد تكون الهدية معنوية أحيانًا كقولك أهدي لك حديثًا عظيمًا ثم تذكر له الحديث كما كان يفعله بعض السلف مع بعض  رحمهم الله، وقد تكون الهدية محسوسة لكن لها الأثر البالغ خصوصا إذا كانت في وقت يناسبها أو حدث يصاحبها.

 

 الثاني عشر: من العلاقات الإيجابية مع الأقارب المسارعة في الإصلاح إذا حصل الخلاف بين اثنين من الأسرة عمومًا، فإن هذا بمثابة العلاج للأمراض فلابد من المبادرة فيه مع التقيد بآداب الإصلاح وأحكامه.

هذه أخي الكريم اثنى عشرة وصية لتأكيد وتمثيل العلاقة مع الأقارب حتى يكونوا لُحمة واحدة وهناك الكثير والكثير لكن لا يتّسع المقام لذكره.

 أخي الكريم إن تماسك الأسر يعني تماسك المجتمع وإن نجاحها يعني نجاح هذا المجتمع، فأنت فرد من أسرة عليك قدرك من المسؤولية فإياك أن يأتي الخلل من قِبلك فكن لبنة قوية في جدار هذه الأسرة حتى لا يتخلل الفساد إليها، أرأيت مقام الصلاة ففي لحظة من اللحظات الآلاف يكونون في صفوف المستقيمة؟، لماذا؟ لأن كل فرد أدى ما عليه فكذلك في أسرنا لو أدى كل منا ما عليه لكنا صفًا واحدًا لا اعوجاج فيه ولا شطط ،وفق الله تعالى الجميع لكل خير وإلي حلقة أخرى في أسبوع آخر

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply