علاقة الأسرة بالجار


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

ففي موقف من المواقف يقول أحد الأشخاص كنت خارجًا من البيت فقابلت أحد جيراني فوقفنا و تجاذبنا أطراف الحديث فلما حان الفراق سألته عن جارنا فلان فقال لم أره منذ فترة، فقلت له كل هذه المدة وهو في المستشفى وقد أُجريت له عملية ولعله أن يكون بخير ...إلى أخر الموقف

 ‏إن هذا الموقف أخي الكريم قد يتكرر كثيرًا عند بعض الجيران وهذا لا شك أنه خلل في تربيتنا فعندما نُطل إطلالةً سريعةً على حق الجار في الإسلام نرى العجب العجاب وقد ترى الشخص قائمًا في جميع شؤونه لكنه في حق جاره قد أجحف في التعرف عليه والقرب منه والحديث معه وقد قال الله تبارك وتعالى (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) إلى أن قال (والجار ذي القربى والجار الجنب) وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه) متفق عليه، ففي هذا الحديث بلغ حق الجار من الأهمية الكبرى حتى كاد أن يدخل في قسمة الميراث بل إن كمال الإيمان قد يكون في الإحسان إلى الجار، قال عليه الصلاة والسلام (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره) متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، قالوا من يارسول الله؟ قال من لا يأمن جاره بوائقه) ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر بإكرام الجار فقال: (يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك) رواه مسلم

فما أعظم هذا الدين في التكافل الأسري والتراحم والتقارب والتعاطف وتناول أسباب المحبة واللطف بين المسلمين، فالبساطة أخي الكريم هي مفتاحك لجارك في علاقتك به وقربك منه، وكان الناس في أمد ليس بالبعيد متداخلين قلبًا وقالبًا بسبب البساطة وعدم الكلفة، لكن عندما زالت البساطة وزادت المدنيّة ظهر تأثيرها السلبي على بعض الناس، فكم هو جميل من الأب والأم و هما راعيان في البيت أن يقوما بالتثقيف التربوي والإيماني لأولادهم في حقوق الجار والعلاقة الصحيحة فيه.

وسأذكر لك أخي  الكريم عددًا يفوق الخمسة عشر أدبًا في التعامل مع الجار لعلها أن تكون برنامج طرح لي ولك مع أولادنا حتى يعيش مجتمعنا متماسكًا متقاربًا متعاطفًا كالجسد الواحد، وهي كالتالي:

أولا: البساطة وعدم الكلفة في لقاء جارك وإشعاره بالقرب والعطف عليه.

الثاني: دعوة جيرانك لمناسباتك وإجابة دعوتهم في مناسباتهم، وإذا لم تستطع إجابتهم فالبدار بالاعتذار لأن هذا له مكانة في قلب جارك وجبر الخاطر ورد لظنون قد ترِد على نفسه.

الثالث: تهنئة الجيران بالمخرجات الطيبة التي تحصل لهم من نجاح أو مبادرات أو في المسؤوليات الوظيفية ونحو ذلك .

 الرابع: من حقوق الجار والأدب معه الوقوف معهم في أفراحهم وأتراحهم مباركًا في الأولى، مواسيًا في الثانية فإن هذا له الأثر الكبير لأنه في جو خاص والجار محتاج إلى هذه المبادرة وهي صفة جليلة رائعة.

 ‏الخامس: الصدقة على المحتاج منهم، فهي صلة وصدقة لا سيّما إذا كان هذا الجار قريبًا منك، ومن المؤسف أن يذهب الجار إلى الأبعدين ويترك جيرانه الأقربين بسبب الفجوة التي يتصف بها البعض من جفاف في التعاطف والترابط والاجتماع والحديث عن قرب.

  السادس: اللقاء بهم، ببسط الوجه وطلاقته مصحوبًا بالابتسامة، فهي تجذب قلب جارك إن كان فرحًا زادته وإن كان مهمومًا أزالت همه، فهي صدقات متتابعة لك.

 ‏ السابع: التفاعل مع طلباتهم وحاجاتهم التي يقدمونها إليك طلبًا للمساعدة حسب الإمكان والاجتهاد في ذلك، فهذه بصمة منك على جارك.

 ‏ الثامن: التوافق معهم وعدم الاختلاف وهذا التوافق سبب كبير في متانة العلاقة وتأسيسها.

 ‏التاسع: أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالتي هي أحسن، حسب الزمان والمكان المناسبين وبالأسلوب الأمثل أيضًا.

 ‏ العاشر: المسارعة إلى الإصلاح بين المتخاصمين من الجيران وهذا جبر كبير في جسد الحي الواحد من الجيران وجميل جدًا أن يكون في الحي من يهتم بهذا الجانب ويتابعه ففيه من الثواب والأجر ما لا يعلمه إلا الله كما أنها بصمة لك عندهما جميعًا.

‏ الحادي عشر: إهداؤهم بعض الهدايا ولو كانت صغيرة ويسيرة سواء كانت محسوسة كالعينيات أو معنوية كالوصايا والآداب، فهي هدايا ثمينة ربما تفوق الهدايا الحسّية وقد كان السلف يقول أحدهم لصاحبه أهدي لك هدية ثم يذكر له حديثا أو فائدة ونحو ذلك .

 ‏ الثاني عشر: الدعاء لهم سواءً بحضرتهم أو بغيبتهم أما الأولى فهي تشرح صدورهم وتمكّن المحبة في قلوبهم وأما الثانية التي هي في غيبتهم فإن الملك يدعو لك قائلا: (آمين ولك بمثل) فما أجمل أن يكون الإنسان إذا دعا قال: واشمل اللهم ذلك جيراني وقرابتي ونحو ذلك فإن فضل الله تعالى عظيم وواسع وهو عز وجل كريم جواد.

 ‏ الثالث عشر من الأدب مع الجيران: تعويد الأولاد احترام الجيران في اجتماعاتهم ولعبهم مع أولادهم وعدم إلقاء الألفاظ البذيئة عليهم .

 ‏ الرابع عشر تفقّدهم وقت الصلاة خصوصًا، لأنها هي من أكبر الروابط بين الجيران، فهي تجمع الجميع بلا استثناء. الخامس عشر: جميل جدًا أن يكون بين الجيران ما يُسمى بدورية الحي فيجتمعون بشكل دوري كأسبوعي أو شهري أو نحو ذلك متنقلين بين منازلهم فيتداخلون وجدانيًا وحسيًا ويتحدثون عن قرب ويعلم بعضهم أحوال بعض، وجميل جدًا أن يكون في المجلس فائدة تربوية ولو لخمس دقائق فقط يستفيد منها الجيران، هذا وإن لإمام المسجد دورًا كبيرًا في جمع شمل هؤلاء الجيران فهو إمامهم يصلي بهم ويعِظهم وربما أجاب على استفساراتهم وهو موضع القدوة لهم، فليحرص الأئمة حفظهم الله على جوانب عظيمة تهم الإمام في موضوع الجار.

 ‏ السادس عشر: مناداتهم بأفضل ما يريدون من الأسماء أو الكنى حال اللقاء أو المراسلة أو المكالمة والمشافهة فهي مفتاح لقلوبهم ثم يصحبه السلام والترحيب فما أجملها من حال هنيئة مع هؤلاء الجيران المباركين.

السابعة عشر: استحداث مجموعة في وسائل التواصل للمحادثات بين الجيران وتشاورهم وتناول أخبارهم في أفراحهم للمباركة والدعاء لهم وفي أتراحهم أيضًا إلى مواساتهم وتسليتهم وزيارة مرضاهم أو مناقشة ما يهم الحي من المسؤوليات وتبادل الرأي في ذلك، فهذه وسيلة جميلة إذا استُثمرت الاستثمار الأمثل.

 أخي الكريم إن كل ما سمعته هو جانب إيجابي مع الجار وجانب مضيء جدًا و يبقى جانب آخر سلبي مظلم هو من كبائر الذنوب كما سبق في الحديث وهو إيذاء الجار فهناك أناس ربما وقعوا في الإيذاء من حيث يشعرون أو لا يشعرون فليُتأمل هذا كثيرا، والجار الذي حصل عليه الأذى ينبغي له أن يتصرف بحكمة واتزان ويصبر ويحتسب محاولًا زوال الأذى بالطرق المناسبة، وإن كان من حسن الجوار كف الأذى فكذلك أيضًا الصبر على الأذى هو من حُسن الجوار، ويأتيه بالتي هي أحسن مستشيرًا ومستنيرًا أيضًا بآراء بعض الجيران حتى يكون تصرفه علاجًا لا انتقاما فهذا من أعلى الأخلاق وأرفع القيم.

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply