اللقاءات العائلية ضوابطها واستثمارها


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فإن التواصل والصلة لها حظ كبير في ديننا بل كثُرت النصوص العامة والخاصة التي تحث على التواصل، كقول الله تبارك وتعالى (والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل) وكقول الله تبارك و تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) ومِن لازمه التواصل حتى يتم ذلك التعاون العائلي وإن من أبرز عوامل التواصل والتعاون هو اللقاءات العائلية فهي فكرة رائعة تجتمع فيها عوائل وأسر يجمعها جدٌ واحد يتواصلون من خلاله ويتحدثون عن قُرب ويعرف بعضهم شؤون بعض، فهي بابٌ كبير من التواصل الشرعي الذي حثّ عليه ديننا الحنيف، والحديث عن هذه اللقاءات بعناصر عدة:

 أولا: أهميتها إنّ هذه اللقاءات غاية في الأهمية لما تحتويه من الأجور الأخروية لمن احتسبها وللمصالح الدنيوية أيضًا بمعرفة أقاربه وشؤونهم وتفقّدهم ونحو ذلك فهي من الصلة التي أمر الله تعالى بها أن توصل وهي ترابط وتكافل وتُزيل الكلفة بين الأقارب وتقرب القلوب بعضها إلى بعض وهذه كلها لا شك أنها مصالح مقصودة للشرع الحكيم فكفى بذلك أهمية لكي يهتم بها المسلم تأسيسًا لها وحضورًا فيها وتشجيعًا وتحفيزا.

 ‏ ثانيا: عوامل نجاح هذه اللقاءات إن أي برنامج إذا قام على العفوية فإنه في الغالب يقف عن قريب ولا يستمر بخلاف ما قام على ترتيب وعناية وتخطيط فإنه سيستمر بإذن الله تبارك وتعالى، فمن أهم عوامل نجاحها التخطيط لها وملاحظتها ودراستها من قبل لجنة هو شأنها واهتمامها ولتسد الخلل عند وجوده وتقوي الجودة وتنميها، ومن عوامل نجاح هذه اللقاءات العائلية أيضًا استشعار كل فرد منهم أنه مسؤول عن نجاح هذا اللقاء كلٌ بحسبه ومكانته، فهذا الاستشعار لا شك أنه يجعله يعمل في محيطه بما يكون سببًا في نجاح هذا اللقاء العائلي.

 ‏ ومن عوامل نجاح اللقاءات العائلية، احتساب كل منهم أن هذا اللقاء هو جزء من صلة الرحم التي أمر الله تعالى بها أن توصل وحث عليها وتوعّد القاطع باللعنة والصمم والعمى وعندما يعلم ذلك فإنه يسارع إلى تقوية مثل هذا اللقاء ويسدد خلله ويشجعه.

 ‏ ومن عوامل نجاحها أيضًا، التغافل عن بعض الزلات والأخطاء التي تحصل، وعدم تضخيمها فالتغافل المطلوب هو من شيم الكرماء والعقلاء والحكماء وأما الوقوف مع كل شخص عند كل تصرف والمحاسبة عليه فإن هذه اللقاءات ستقف سريعًا ويتشتت أصحابها، ومن عوامل نجاحها أيضًا عدم المباهاة في المآكل والمشارب فهي ليست مقصودة لذاتها بل هي وسيلة لتحقيق هدف وهو اللقاء فمن غفلة بعض الناس أنه جعل الوسيلة كأنها هدف فيغرق فيها وينسى الهدف الأصلي في ذلك، وجميل جدًا أن يساهم الجميع بالتكلفة كل بسهمه حتى لا يكون في ذلك إسراف بحيث تكون تكاليف الاجتماع على صندوق العائلة ومن عوامل نجاح هذه اللقاءات أن يصدر فيها نتائج فيها مصالح لأبناء العائلة وأفرادها في مساعدات مالية أو وظيفية أو تفريج كربات ونحو ذلك فهذه المخرجات الطيبة تكون بصمة إيجابية من العائلة على الفرد وذويه ويكون ذلك ضمن آلية معينة تحت إشراف لجنة من العائلة ومن عوامل نجاحها أن يؤسس فيها مجموعة في وسائل التواصل لتكون محلًا وموضعًا للتشاور والفوائد بأنواعها والأحاديث الودية بشرط أن يكون المطروح كله في دائرة المقبول شرعًا وعرفًا بحيث لا يُجرح أحد بشيء لا يريده فهذه الوسيلة أداة عظيمة ونافعة إذا استُثمرت فهي تدخل البيوت بل والقلوب بلا إذن وتُدخل السرور وتقتصر الأوقات والجهود لكنها بلا شك تحتاج إلى إشراف دائم عليها لملاحظتها من المحاذير الشرعية والعرفية، ومن عوامل نجاحها أيضًا أن يكون في هذه اللقاءات هيكلة إدارية تُدير هذه اللقاءات، يتم التصويت على ترشيحها فتجتمع هذه الإدارة فتناقش آلية إدارة هذه اللقاءات العائلية واستمرارها ومن عوامل نجاحها أيضًا وجود صندوق تكافل لهذه الأسرة بحيث يكون التحصيل عن طريق سهم يدفعه كل فرد منهم حسب الآلية التي يقترحها الإداريون في هذا اللقاء فإن هذا الصندوق سيكون له الأثر الكبير في نفوس أفراد العائلة كمستفيدين أو مفيدين.

 ‏ ثالثا: الأصل أن هذه اللقاءات هي لصلة الرحم والتعارف والحديث عن قرب والاندماج ونحو ذلك ولكن إذا رأت إدارة اللقاء العائلي أن تضع برنامجًا مصاحبا فليكن خفيفا جدًا، لأنه ليس هو الأصل فيمكن أن يكون تلاوة من القرآن الكريم وقصيدة شعرية مثلًا وتكريم للبارزين في العائلة علميًا وعمليًا والمتفوقين من طلابها في كل لقاء مرحلة ونحو ذلك ولكن بشرط أن لا يطغى ذلك البرنامج على الهدف الأصلي للقاء وهو التعارف والتواصل كما أن هذا البرنامج لا يكون دفعة واحدة، بل يتم توزيعه على عدة لقاءات حتى لا ينقلب اللقاء العائلي إلى احتفال رسمي.

 ‏رابعا: أن يحتسب أصحابها أنهم في حضورهم هذا كسبوا خيرًا عظيمًا فكم من ابتسامة رسموها على شفاههم وكم من كلمة طيبة لفظوها وكم من سلام ومصافحة فعلوها وكم من دعوات رفعوها وكم من مواساة وتبريكات، وكل هذا ونحوه هو صدقات لهم عند الله تعالى، قال عليه الصلاة والسلام (وتبسّمك في وجه أخيك صدقة) وقال صلى الله عليه وسلم (والكلمة الطيبة صدقة) فينبغي للمسلم أن يستحضر هذه المكتسبات في كل لقاءاته العامة والخاصة مع أقاربه وغيرهم .

 ‏تنبيهات مهمة: خامسا

أولا: جميل أن يكون في هذا اللقاء هدية رمزية تسمى (هدية اللقاء) يتم توزيعها على أفراد العائلة.

ثانيا: جميل أيضًا أن يتم إجراء بعض المسابقات المناسبة التنافسية عبر الواتس ثم يتم التكريم للفائزين من خلال اللقاء العائلي.

 ثالثًا: الجانب الدعوي أثناء اللقاء مهم جدًا ويجب أن يكون حاضرًا ويتمثل هذا بعدة نقاط:

 ‏- ممكن أن يُصدر مجلة تربوية للعائلة لتنمية مواهبهم، ومنها أيضًا لافتات تربوية في الأخلاق والسلوك تكون في محل اللقاء فلربما كانت هذه العبارة درسًا لقارئها كما حكى ذلك الكثير من التربويين. ومنها أيضًا تكريم حفظة كتاب الله تعالى من أفراد هذه العائلة وغير ذلك مما يناسب طرحه وتفعيله .

 ‏رابعًا: إعداد برنامج مناسب للأطفال وخاص بهم يزاولونه خلال اللقاء يتصف بالمرونة والتنويع وتُشرف عليه تربويا إدارة اللقاء دراسةً وتنفيذًا .

 ‏ خامسًا: دورية اللقاء يكون حسب ما يتلائم مع طبيعة العائلة ومن المقترح أن يكون كالتالي :

 ‏ اللقاء العام الكبير يكون سنويًا

 ‏ وأما اللقاء المتفرع لهذه العائلة كل أسرة بذاتها فيرجع إلى طبيعة تلك الأسرة لكن اللقاء الشهري ونصف الشهري مما يزيدها تماسكًا وصلة، وأهمس في آذان هؤلاء جميعًا أن هذه اللقاءات كلها خير وبركة وصلة وتكاتف وترابط، فإياكم إياكم أن تزول هذه اللقاءات فإنها بمثابة الرباط والسياج لهذه الأسرة ولهذه العائلة الذي يجمع قلوب هؤلاء ويصفّيها وينير دربها فهي غاية في الأهمية في وقت كثرت فيه القطيعة والارتباطات المختلفة فتأتي هذه اللقاءات لتصحّح المسار وتحيي المبادئ والقيم الطيبة

 ‏ أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من عباده المفلحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply