بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يتعرض الإنسان في حياته اليومية إلى وخزات الألم والأذى، ذلك الألم الذي ينبعث حين يصادف بعض المواقف المؤلمة التي تصدر من الناس تجاهه، الذين يعرفونه أو الدين لا يعرفونه، كلمة شتم أو سب أو لمز، فتجرحه تلك الكلمات، وتتفاوت في عمق جرحها ومدى أذاها من شخص لآخر، فالتفاوت بين النفوس عظيم!
والإنسان الخَيِّر، وخصوصًا الفتاة المؤمنة، التي تتعرض لمثل ذلك الموقف المؤلم تجدها أشد تأثراً من الرجل، بسبب رقة نفسها، وشفافية مشاعرها، ورقة أحاسيسها. إنها تبذل الخير، لكن هذه الطيبة والخيرية لا تقابل دومًا بمثلها، بل قد تجلب لها التنكر والألم، لأنه ليس كل الناس يقدَّرون الخير.
ومشاعر الإنسان الخيِّر الطيب في غاية الرقة والإحساس، إن أحاسيسه النبيلة والطيبة تجري في دمه كما يجري الماء في عروق الوردة، إن لمسة بسيطة يمكنها أن تخدش هذه الوردة وتجرحها أو تكسرها، فالقلوب رقتها من رقة الأرواح التي تسكنها، أرواح بسيطة متواضعة لا تريد العلو، وتحمل النور داخلها.
أروحهم كالزهرة تبذل رائحتها الطيبة للجميع، إنهم يكسرونها، ومع ذلك لم تحرمهم رائحتها العبقة وعبيرها، ولأنها زهرة فأنت ترى الجميع يستهلكونها، وهكذا حال الإنسان الذي يحمل الكلمة الطيبة، قد يؤذونك في البداية لكنهم في النهاية سيجدون عندك الآمان والفرح، وسيفرحون بك حينما تطيب نفوسهم.
كيف يمكن أن يتجاوز الإنسان نزواته الشخصية، ويرتقي نحو روح المؤمن، ويندمج في الفكرة الأساسية التي صار بها مؤمنًا ومن أجلها خلق؟ ذلك المؤمن حين يتكلم ويفعل ويبذل الخير بين الناس فقلبه ليس معلقًا بما سيقوله عنه الناس، قلبه معلق بما سيقول عنه رب الناس، فقلبه في السماء وليس في الأرض!
إنه من السهل على أي إنسان أن يرد الإساءة بمثلها، والشتم بالشتم، واللعن باللعن، فالهدم ما أسهله إنه مجرد انحدار، لكن الصعب هو البناء، فهو الصعود: مقابلة الإساءة بالإحسان، والشتم بالكلمة الطيبة، والعبوس بالتبسم، والحزن بالفرح، كما تفعل الوردة التي تهب نفسها لمن يحب رائحتها.
إن روح المؤمن بداخلها أفراح عظيمة، وأعراس لا يسمعها ولا يراها من يفقد ذلك البعد الروحي الذي يشيد صروحه الإيمان في الصدور، ويعمر قلب المؤمن بنور، ووجه بالضياء، يكاد وهو صامت أن يبكي من حلاوة وبرودة الفرح الذي يغمر كل ذرة في جسده، فروحه معلقة في عالم مختلف عن عالم أرواح أكثر الناس.
وذلك الإيمان العميق في قلبه، والذي يجد برده في صدره هو الذي من أجله تنكسر روحه مع المساكين، والفقراء، واليتامى، إنه ينسى نفسه وذاته وكل شيء، فلا يرى لنفسه فضلاً، مُنكرًا ذاته بين جموع الناس، وكل أمله فقط أن ينظر الله إليه نظرة حب وحنان ورحمة، ذلك هو كل رجاء له في هذه الدنيا.
إن إيمانه ينـزع منه رداء الكبرياء والتعنت والمكابرة، يجعله رقيق النفس سريع البكاء، يرى نفسه مسكينًا مثل المساكين، ويحتضن اليتيم ويمسح دموعه، يتألم لألم من حوله، نظراته رقيقة ضعيفة أمام تعاطفه مع الآخرين والبكاء من أجلهم، وقلبه عظيم يتألم بشدة حين يعجز عن مساعدة من يحتاج المساعدة.
روحه مثل روح الطفل، فيها نبض الرحمة والحياة، مواقفه نبيلة وشهمة، تبتل عيونه بدموع اليتامى، تذهب معاناتهم عنده ويتنفسون الصعداء، وينطلقون يركضون هنا وهناك بروح جديدة، بابتسامة جديدة، إنها الميلاد الجديد، ليس ميلاد اليتيم من أب لم يعرفه، بل ميلادهم بالروح وبالفرح وبالأمل وبالأيمان.
إن إيمانه يهذب نفسه ويجعله يدفع الأذى بالتي هي أحسن، يصفح، يغفر، يسامح، يعطف، يحب، يجبر، يتلمس جراح الذين أحبهم، يتحسسها، ويداويها، وهو في كل ذلك من بعيد وخلف الستار، ولعل الأيام –من يدري- وفي وقت ما توصل لهم أنه هو الذي فعل ذلك. إنه لا يهتم بذلك، لأنه ينتظر شيئًا ليس عند الناس!
ولأنه مؤمن حقيقي فهو على يقين أن الدنيا قصيرة، وما أسرع زوالها، ولهذا فهو يدك جيدًا أن الجميع مسافر في رحلة غاية في القصر، وحياتنا مجرد جسر قصير، والمسافر في غربته وسفره؛ يحب أن يجد من يأخذ بيده، فهو دومًا يحاول أن يساعد غيره بحسب طاقته، فنية المؤمن خير من عمله.
إن نيته الطيبة لا حدود لها، وقلبه في غاية الرقة، ولو كان يقدر لبذل الخير لكل الناس، وهو مؤمن ولهذا فهو دومًا يعلم أنه على موعد لن يخلفه، حين ينسى كل الخلق كل ما لهم من حظوظ في الدنيا وبريقها، في يوم تخشع كل الأصوات للرحمن، ويتمنى الجميع أنه قدم خيرًا في ساحة الدنيا قبل مغادرتها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
جميل جداً
06:16:11 2022-05-20