المكاسب المحرمة والتستر التجاري


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

عباد الله، ينشغل الناس كثيراً بأمر الرزق، ويسعون إلى توفير دخل أكثر والوصول لمكانة أكبر، وقد بيّن الله حب الإنسان للمال فقال تعالى: ﴿وتُحبّون المال حبّاً جمّاً﴾ ؛ لذا طمأننا الله على مسألة الرزق فقال سبحانه: ﴿وفي السّماء رزقُكُم وما تُوعدون﴾. ونهى عن استعجاله بالباطل: ﴿يا أيُّها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم.

ومن النصائح الغالية التي زود بها المصطفى أصحابه، وشرح لهم فيها فلسفة الحلال، والحرام في الإسلام؛ قوله : «أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ﴿يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليموقال: ﴿يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم﴾، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك» رواه مسلم.

فالله تعالى طيب أي منزه عن النقائض والخبائث، ولهذا فإنه لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيبا خالصا من شبهة الحرام؛ فلا يقبل صدقة جاءت من طريق حرام، ولا التصدق بالرديء من الطعام، وقد أمر المؤمنين بالأكل من الطيبات، والبعد عن المحرمات؛ فالكسب الحرام له عواقبه الوخيمة فهو ينزع البركة، ويمنع إجابة الدعاء، وشؤمه وبيل في الدنيا والآخرة.

وبنظرة سريعة إلى أحوال البعض نجد أمراضاً اجتماعية تفشت بسبب تكالب الناس على جمع المال بشتى الوسائل دون مبالاة مصداقا لما أخبر به النبي : «ليأتين على الناس زمانٌ لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام». رواه البخاري.

ومن أعظم صور الكسب الحرام أكل الربا : ﴿يا أيُّها الذين آمنوا اتّقوا الله وذرُوا ما بقي من الرّبا إن كُنتُم مُؤمنين، فإن لم تفعلُوا فأذنُوا بحرب من الله ورسُوله وإن تُبتُم فلكُم رُؤوسُ أموالكُم لا تظلمون ولا تُظلمون﴾، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يقال يوم القيامة لآكل الربا خذ سلاحك للحرب، ثم قرأ: " فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ". ﴿يمحق الله الربا﴾. وقال ﷺ: «لعن آكل الرّبا ومُؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هُم سواءٌ»

ومن أبشع صور المال الحرام والخيانة أكل مال اليتيم، قال تعالى: ﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً﴾، ومن الحرام والظلم منع النساء من حقهن في الميراث حتى لا ينتفع أولادهن وأزواجهن به، ﴿للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا﴾، فللإناث من أولاد الرجل الميت حصة من ميراثه، من قليل ما خلف بعده وكثيره، حصة مفروضة، واجبة معلومة. وذُكر أن هذه الآية نزلت من أجل أن أهل الجاهلية كانوا يورثون الذكور دون الإناث.

وهناك من يأكل حقّ الأجير فيكون خصماً لله يوم القيامة، وفي الحديث «قالَ اللَّهُ: ثَلاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَومَ القِيامَةِ: رَجُلٌ أعْطَى بي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجُلٌ باعَ حُرًّا فأكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيرًا فاسْتَوْفَى منه ولم يُعطِه أجرَه». راواه البخاري.

ونجد بعضهم يقف سداً منيعاً أمام مصالح العباد حتى يحصل على رشوة ونسبة بصورة مباشرة وغير مباشرة، وقد قال النبي «لعن الله الرّاشي والمُرتشي»، وهدايا العمال غلول، وسرقة المال العام غلول. وكذلك الاختلاس من شركة أو مؤسسه يعمل بها.

والمماطلة في قضاء الدين وسداد حقوق الناس، ومنهم من يقترض عاقداً العزم على عدم السداد وقد تناسى قوله : «مَن أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنه ومَن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله».

ومن الكسب الحرام الخيانة، والغشّ في التجارة قال «من غشّنا فليس منا»، ومن المال الحرام القمار والميسر، والاختلاس من شركة أو مؤسسه يعمل بها.

ومن المعاملات المحرمة التي تتضمن الغرر ومخالفة أنظمة العمل والعمال ما يسمى التستر التجاري الذي حرمه علماؤنا لأنه مخالفة لولي الأمر، وضرره والضرر يزال، واشتماله على الغرر والخديعة والحيلة، واعتباره من العقود التي يخالف ظاهرها باطنها، ولكونه من أكل أموال الناس بالباطل، وغيرها.

فحذار حذار من الكسب الحرام فقد سماه الله تعالى سحتاً، وذم اليهود الذين استحلوا المحرمات: ﴿وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، والسّحتُ يشمل كلَّ مال اكتُسِب بالحرام، يقول:" إنَّ رجالاً يتخوَّضون في أموالِ الله بغير حقٍّ، فلهم النارُ يومَ القيامة" رواه البخاري. أي: يتصرَّفون في أموالِ المسلمين بالباطل. ومثل هذا الوعيد يجعل المرء العاقل يفكر قليلاً في ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، حتى لا يعود عليهم بالضرر العاجل والآجل.

اللهمّ اغنِنا بحلالك عن حَرامك، وبفضلِك عمّن سواك.

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الهديِ والبيان، أقول هذا القولَ، وأستغفِر الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلِّ ذنب فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

‏بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد، فاتقوا الله عباد الله، وتوكلوا على الله حق توكله ﴿فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له﴾، ولا تستعجلوا الرزق بطلب الحرام فتقطعوا أواصر الإجابة والصلة بالله بأكل الحرام، واجتنِبوا جمع الأموال من المسالك المعوجة والطرق الملتوية والمخالفة للشريعة الإسلامية وتبصروا فيما تقدمون عليه من معاملات ومساهمات، فمن اتقى الله وقاه الله ورزقه من حيث لا يحتسب ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه.

ثمّ اعلموا عباد الله أن الله جل وعلا أمرنا بأمر عظيم تزكو به حياتنا، وتسعد به أنفسنا، وتطمئن به قلوبنا، ألا وهو الإكثار من الصلاةِ والسلام على النبيِّ المختار.

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا ونائبه لكل خير، اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وموتى المسلمين

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply