كنت سلفيًا ثم ألحدت


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

تُرى ذي الكلمة ما قيمتها إذا قالها ملحد؟ وما الواجب أن يسلك فيها؟ كثيرون هم الملحدون الذين يرددون مثل ذي الكلمة بنية رسم صورة نمطية تعبر عن عمق

 

لكن قيمتها الحقيقية تشبه إلى حد كبير قيمة الذي انقلب على الماركسية، وراح يحشو بين الفينة والأخرى كلمة "كنت ماركسيًا في السابق" على أن مجرد اعتناق الماركسية ثم خلعها يضيف له تلك الهالة، لكن الأمر ليس هكذا. إن لم يكن لك نتاج عميق في الماركسية دراسةً وتدريسًا لا عبرة بماركسيتك السابقة بالمرة، إذ تعتبر مقلدًا سابقا للماركسية، لم يكن يفهم عمق نظرياتها المتشعبة.

 

ومن دون فهم لذي النظريات، لا تعتبر ماركسيًا، كما قد يفهم ذي النظريات أفضل منك بكثير من ليس ماركسيا ابتداء، ومن دون نقد ذي النظريات نقدًا مفحمًا لا تعتبر "ماركسيا سابقا" ذو قيمة لدى من يسمع لك، أو يقرأ، فضلا عن الكلام بلسان المذهب الجديد، لا عبرة بذلك، لأنه انتقال، لا دراسة، الدراسة هي الذي تحوي القيمة، لا مجرد الانتقال.

 

هذا أمر عام، لا يخص حالًا دون حال، كذلك من كان نصرانيًا عاميًا، دخوله للإسلام لا يؤهله لنقد اللاهوت النصراني كالذي كان مسلمًا منذ ولادته لكنه درس نظريات اللاهوت وأفنى شطرًا من عمره في دراسة نقدها.

 

كما أن من كان نصرانيًا أو ماركسيًا، عالمًا بالنصرانية أو الماركسية، فور دخوله للإسلام؛ لا قيمة لعلمه بتلك المذاهب أو الأديان السابقة إلا من باب رواية مقالاتها مثلا، بل كونه كان ماركسيًا أدعى لغلطه إن تكلم في الإسلام، فالقيمة للعالم فقط، فإن المسلم الأصلي لا يجوز له أن يتكلم في الإسلام بغير علم، فكيف بمن كان محشوًا بتصورات مغلوطة عن الإسلام والإله والصفات والغيب ثم يسلم ولم يقطع شوطًا في طلب العلم الذي يصير به عالمًا لعلم صحيح؛ يتكلم في مواضع يحسب لها أهل العلم ألف حساب، فغلط أن يعتبر  مجرد كونه "نصرانيا/ماركسيا" سابقا مؤهِلًا له للكلام في الإسلام بكل أريحية.

 

فهذا روجيه جارودي، ماركسي ملحد سابق وصار مسلمًا، هل لكلامه في الإسلام قيمة؟ حقيقة لا قيمة لأي كلمة يحكيها جارودي في الإسلام، بل أكثر ما قاله لا يقع فيه الطلاب الصغار، كقوله "قال أحمد بن حنبل أحاديث كثيرة؛ من أين جاء بها؟!" أو قوله في عدم وجوب الصلاة جملة، فهذا كما قال سمرين؛ لا يمتلك أدنى مفاتيح قراءة التراث. فهل لماركسيته السابقة قيمة (وهو عالم فيها) عند دخوله الإسلام ورده على الماركسية بالإسلام قائلا: الإسلام هو الصواب، وأنا ماركسي سابق؟ لا.

 

فكيف بمن لم يكن علمه بالإسلام (كالسلفي سابقًا) كربع علم جارودي بالماركسية، هل لكلامه في مذهبه الجديد قيمة؟ وهو أساسا لا قيمة لكلامه في الإسلام لعدم امتلاكه ابتداء مفاتيح علومه؟

 

بعض الناس يتصور أن سلفي سابق شخص: درس البخاري ومسلم، وتفسير الطبري كلمة كلمة، قواعد التفسير، علوم القرآن، النحو والبلاغة والصرف، وامتلك أصول الفقه، وهضم مذهب أهل بلده في الفقه، فضلا عن علم مصطلح الحديث، دعك من دراسة مقالات الفرق والمذاهب، أحكي عن رجل هضم تراث السلف، تراث المتفلسفة، تراث الغزالي، تراث الرازي، تراث ابن تيمية، تراث الآمدي، تراث عبد الجبار، وفهم كل كلمة مما قالوا هم وغيرهم، فنّد حين سلفيّته كل شبهات الخصوم بالتفصيل، درس تاريخ الإسلام، تاريخ العرب، فقه الدليل، الخلاف العالي، المنطق الأرسطي، ثم استوعب نقد ابن تيمية والسهروردي وهبة الله عليه...إلخ، ثم قام ذات صباح، وهو محمّل "بعلم السلف" ومتبعيهم قاطبة، فقرر أن يصبح ملحدًا، سلفيًا سابقًا!

 

بني! كون سقف سلفيتك: لحية وقميص فقط، لا يضيف لرِدَّتِك أي قيمة، لا لدى من هو مسلم وأدرك حالك، ولا لدى الملحد الذي تدعي مذهبه.

 

فضلا عن هذا كله، لا يوجد مسلم يصيبه هول تجاه دينه/سلفيته، بسبب ردة فلان وعلان، شخص كان مؤمنا ثم كفر، قد يؤمن ثانية، وقد يكفر بعد إيمانه، وهذا لا يعني سلفيةً نقيةً في السابق، بل قد يكون نفاق.

 

﴿إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا

 

"هم قوم تكرر منهم الارتداد، وأصروا على الكفر، وازدادوا تماديا في الغي، وعن مجاهد، وابن زيد: أنهم أناس منافقون، أظهروا الإيمان، ثم ارتدوا، ثم أظهروا، ثم ارتدوا، ثم ماتوا على كفرهم" –تفسير الآلوسي.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply