نصائح للزوجة... كيف تَكونين ودودًا


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

   من المؤكد أن الزواج مطلبٌ فطريٌّ وشرعيّ، ونعمة من نعم الله العظيمة على الفرد والمجتمع، فيه تتكامل منظومة الحقوق والواجبات، وبه يحصل السكن النفسي والأمان الأسري ؛ غير أن ذلك لا يتحقق إلا في ظلال المودة والرحمة بين الزوجين، وسيتركز حديثنا في هذه السطور عن بعص النصائح للزوجة، انطلاقا من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم.

والودُود ، أي التي تحب زوجها محبة شديدة، وهي صيغة مبالغة من وَدَّ، وتستعمل للمذكَّر والمؤنَّث. أما الوَلُودَ فهي كثيرة الولادة.

فإن قيل: كيف تُعرف هاتان الصفتان في الأبكار؟ والجواب: يُعْرف من أقاربهن؛ لأن الغالب سراية طباع الأقارب من بعضهن إلى بعض.

وهناك جملة من الوسائل ينبغي للزوجة أن تحتذيها فكرًا وسلوكًا لكي تكون ودودا، أهمها:

اولًا: إدراك أهمية طاعة الزوج والأجر المترتِّب عليها:

    دل القرآن والسنة على أنَّ للزوج حقًا مؤكدًا على زوجته، وأن طاعته في المعروف، قربة من أعظم القربات، من ذلك:

- قوله تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم) (النساء: 34).

- قوله صلّى الله عليه وسلّم: لوكنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله ؛ لأمَرتُ المرأةَ أن تسجُدَ لزوجِها، والذي نفسي بيدِه، لا تُؤدِّي المرأةُ حقَّ ربِّها حتى تُؤَدِّيَ حقَّ زوجِها.

- وقد سُئِل صلى الله عليه وسلم: أيُّ النساءِ خَيْر؟ قال: التي تَسُرُّه إِذا نَظَرَ، وتطيعُه إِذا أَمَرَ، ولا تخالِفُهُ في نفسها، ولا مالها بما يَكرهُ .

  - كما ورد أَنَّ أمرأة أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟ " قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟  قَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ، قَالَ: " فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ".

   وقد اتفق العلماء على انه  ليس على المرأة- بعد حقِّ الله ورسوله- أوجَب من حقِّ الزوج، بل إذا تعارضت طاعته مع طاعة الأبوين ، قُدِمت طاعته.

   كما جاء في السنة ما يدل على أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالصلاة والصيام؛ لأن حقه واجب، والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع.

 

ثانيًا: بشاشة الوجه والتلطف في الخطاب:

البَشَاشَة هي: تكلُّفُ البِشْر وطلاقة الوجه والسُّرور بمن تلقاه، وهي ضدُّ العبوس والتجهم والاستياء وعدم الرِّضا.

  وطلاقة الوجه خلق من أخلاق النُّبوة، وهي منافية للتكبُّر، وجالبة للمودَّة، ومن ثم اعتبرها الإسلام ضمن أعمال الخير التي يُؤجر عليها المرء،  ففي الحديث:  "لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق".

أي بوجه متهلِّلٌ بالبِشْر والابتسام؛ لأنَّ الظَّاهر عنوان الباطن، فلُقْيَاه بذلك يشعر لمحبَّتك له، وفرحك بلُقْيَاه، وبذلك يحصل التَّأليف والتوادُّ والتحابُّ.

 ولا يقتصر ذلك على الأخ والصديق؛ بل يدخل فيه الزوج من باب أولى؛ نظرا لطول صحبته.

وكان التابعي الجليل أبو مُسْلِمٍ الخَوْلَانِيُّ إذا دَخَلَ بَيْتَهُ استقبلته زوجته، فأَخَذَتِ رِدَاءَهُ وَنَعْلَيْهِ، ثُمَّ أَتَتْهُ بِطَعَامِهِ.

وعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قال: (مَكْتُوبٌ فِي الْحِكْمَةِ: فَلْيَكُنْ وَجْهُكَ بَسْطًا، وَكَلِمَتُكَ طَيِّبَةً، تَكُنْ أَحَبَّ إِلَى النَّاسِ مِنَ الَّذِي يُعْطِيهِمُ العَطَاءَ).

ومن أقوال الحكماء: البشاشة مصيدة المودة، والبِشْر يطفئ نار المعاندة، ويحرق هيجان المباغضة، التبسم والبِشْر من آثار أنوار القلب.

أما تلطف المرأة في الخطاب مع زوجها فيكون باستعمال الكلمات الجميلة وحسن اختيار الوقت والموضوع وتهيئة الأجواء وتجنب النقاش العقيم، فإذا لم تفعل ذلك واستعملت الكلام السيئ المنفر؛ نزغ الشيطان بينهما، وأخرج الكلام إلى الفعال، ووقع الشر والمخاصمة، قال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) (الإسراء:53)، وفي الحديث: الكلمَةُ الطَّيِّبَةُ صدَقةٌ .

ومن أقوال الحكماء: من لانت كلمته وَجَبَت محبته.

وقال سفيان بن عيينة:

بنيّ أن البرّ شيء هيّن ... وجه طليق وكلام ليّن

ثالثًا: القيام على خدمة الزوج وتدبير المنزل وتربية الأولاد.

من الواجبات المنوطة بالمرأة خدمة زوجها والقيام بحَقِّ الأولاد تربيةً ورعايةً لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:  "وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ".

وقد امتدح رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء قريش بقوله: "خير نساء العرب نساء قريش، أَحْنَاهُ على طِفْلٍ، وأَرْعاهُ على زَوْجٍ في ذاتِ يَدِهِ. "

    وقد أفاد الحديث: أن للنسب تأثيرا في الأخلاق، وأن الشفقة على الأولاد مراده للشارع فيمن يراد نكاحها، بحيث لا يشغلها عن العناية بهم ما يشغل غيرَها من الإسراف في اللهو والمتعة والزينة ، وكذلك مُرَاعَاةُ حَقِّ الزَّوْجِ فِي مَالِهِ بحِفْظِهِ وَحُسْنِ تَدْبِيرِهِ ونحو ذلك.

   وقد اعتبر أبو حامد الغزالي (ت: 505هـ) خدمة الزوج أحد مقاصد الزواج، فقال: ومن فوائد النكاح : تفريغ القلب عن تدبير المنزل، والتكفل به بشغل الطبخ والكنس والفراش وتنظيف الأواني وتهيئة أسباب العيش، فإن الإنسان يتعذر عليه أكثر ذلك مع الوحدة، ولو تكفل به لضاع أكثر أوقاته، ولم يتفرغ للعلم والعمل، فالمرأة الصالحة عون على الدين بهذه الطريقة، إذ اختلال هذه الأسباب شواغل للقلب.

 لذا كان مِنْ أخلاق السلفِ نصيحةُ المرأةِ إذا زُفَّتْ إلى زوجها بخدمة الزوج ورعايةِ حقِّه وتربيةِ أولاده.

رابعًا: العفو عن هفوات الزوج والصبر على جفائه:

ينبعي أن تحرص الزوجة على أن يكون فيها فضل احتمال، وصبر على الإدلال، فلا تؤاخذ على الجفوة، ولا تعاقب على الهفوة، بل تحاول أن تغُضَّ الطرف خاصة في توافه الأمور وصغيرها، وفي الأمور الدنيوية الدنيئة؛ لأنها لا تتعامل مع مَلَك بل تتعامل مع بشر لا يخلو من نقص أوتقصير.

وفي الحديث: أَلا أخْبِرُكمْ بِنِسائِكمْ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ؟ الوَدُودُ الولود العئود الّتِي إِذا ظُلِمَتْ (وفي رواية التي إذا آذت أو أوذيت) جاءت حتى تأخذ بيد زوجها ثم تقول: والله لا أذوق غمضاً حتى ترضى.

و(العئود) أي التي تعود على زوجها بالنفع.

وقال أَبُو الدَّرْدَاءِ لأُمِّ الدَّرْدَاءِ: إِذَا غَضِبْتُ فرضّيني، وإذا غَضِبْتِ رضّيتك، فإذا لم نكن هكذا ما أَسْرَعَ ما نَفتَرِقُ.

 ومن الحكمة أن تتجنب الزوجة كثرة العتاب والسؤال، وألَّا تحصي على زوجها كل دقيق وجليل، أو أن تشعره أنها تعلم عنه كل صغيرة وكبيرة،؛ لأن ذلك سبب في عناده ومراوغته، ويعينها على ذلك: التغافل ، فهو ليس سذاجة ولا غباء ولا ضعفا بل هو فطنة وحكمة وخُلُقٌ من أخلاقِ الكِبارِ،  وقد امتدحه العلماء والحكماء.

 قال الإمام أحمد: العافية عشرةُ أجزاءٍ؛ كُلُّهَا في التغافل.

وقال الإمام الشافعي: الكَيِّسُ الْعَاقِلُ؛ هو الفَطِنُ المُتَغَافِلُ.

خامسًا: مراعاة مشاعر الزوج.

   لمراعاة مشاعر الزوج صور كثيرة منها:

  - أَنْ تعترفَ الزوجة بإحسان زوجها، وتشكرَه على فَضْلِه وتقنع بعيشه وتحسن تدبير ماله، وقد حذر صلى الله عليه وسلم الزوجة أَنْ تجحد نعمة الزوج وإحسانِه إليها، وذلك في قوله: "لا ينظرُ اللهُ تبارك وتعالى إلى امرأةٍ لا تشكُرُ لزوجِها؛ وهيَ لا تَستَغني عنهُ" .

 - أن تكون الزوجة موافقة لزوجها متوائمة معه، تتفاعل مع أحواله، وفي ذلك يقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:  "خَيْرُ نِسائِكُمُ الوَلُودُ الوَدُودُ المُواسِيةُ المُواتِيَةُ، إِذا اتَّقَيْنَ الله" .

 ومعنى المواتية -الموافقة لزوجها، والمواسية : التي تواسيه إذا أصابه هَمٌ أو مرض أو حزن.

ومما يذكر في ذلك أن عبد الله بن رواحة بكى في مرضه، فبكت امرأته، فقال: ما يبكيك، قالت: رأيتك تبكي فبكيت، قال ابن رواحة: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنِّي وَارِدٌ النَّارَ، وما أَدْرِي أَنَاجٍ مِنْهَا أنا أَمْ لاَ؟.

وقال الإمام أحمد بن حنبل: أقامت معي أم صالح ثلاثين سنة، فما اختلفتُ أنا وهي في كلمة.

ولما ماتت زوجته أُم صالح تزوج ريحانة ابنة عمه وهى أُم عبد الله ابنه، فقالت له بعد ما دخلت عليه بأيام: كيف رأيت يا ابن عمى؟ هل أنكرتَ شيئًا؟ قال: لا، إلا أن نَعلك هذه تَصِرُّ(من الصرير الذي هو الصوت) فباعتها واشتَرت نعلا لا تصدر صوتا، فكانت تَلبسه

  - أن تهتم الزوجة بنفسها وتعتني بمظهرها، فتجتهد في الزينة للزوج والتطيب له، لأن ذلك مما يسره ويعينه على عفة فرجه وصلاح دينه. وعكس ذلك يذهب المودة ويؤذي الزوج وينفره.

وفي الختام لا أنسى أن أنبه إلى أمرين مهمين :

الأول: ألا تفهم الزوجة أن في اتباع هذه الوسائل إلغاءً لشخصيتها وتهميشاً لدورها، فهذه الوسائل لا تتعارض- بل تمهد السبيل- لأن تكون الحياة الزوجية قائمة على الاحترام، والتشاور، وتبادل الآراء، والحوار الإيجابي الهادف- قبل اتخاذ القرار- خاصة في الأمور المشتركة بينهما.

الثاني: أن يراعي الزوج حقوق زوجته ويتقي الله تعالى فيها، ويقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أخلاقه ومعاشراته.

  نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply