آداب الصحبة لأبي عبدالرحمن السلمي


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

يقول الله عز وجل: (إنما المؤمنون إخوة) [الحجرات:10] فالأخوة الإيمانية أقوى رابطة تربط المسلم بإخوانه في مشارق ومغاربها، وهذه الأخوة تستلزم أن يحب المؤمن لإخوانه الخير، وأن لا يحقد عليهم، ولا يحسدهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدبروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، ولا يخذله، ولا يحقره.) [أخرجه مسلم]

وقد ألّف أهل العلم في الآداب التي ينبغي أن تكون بين الإخوان، منها: الإمام السلمي، رحمه الله، الذي له مؤلفات كثيرة، عن الصوفية، ومنها تفسيره المسمى: "حقائق التفسير " وهذا التفسير قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله: يا ليته لم يصنفه فإنه تحريف...فدونك الكتاب فسترى العجب، وقال : يا ليته لم يؤلفه نعوذ بالله من الإشارات الحلاجيه والشطحات البسطاميه وتصوف الاتحادية...في حقائق التفسير أشياء لا تصوغ أصلًا عدّها بعض الأئمة من زندقة الباطنية وعدّها بعضهم عرفانًا وحقيقةً نعوذ بالله الضلال ومن الكلام بهوى فإن الخير كل الخير في متابعة السنة والتمسك بهدي الصحابة والتابعين رضي الله عنهم...وفي الجملة ففي تصانيفه أحاديث وحكايات موضوعة.

وما ذكره الإمام الذهبي رحمه الله من وجود أحاديث موضوعة في تصانيفه، موجود في كتابه: " آداب الصحبة "، ويوجد فيه كذلك مادة طيبة، اخترت منها ما ظهر لي أنه مفيد للقارئ، أسأل الله الكريم أن ينفعني والجميع بما اخترت.

صحبة أهل الدين والخير والأمانة:

من آدابها: معاشرة من يثق بدينه وأمانته، في ظاهره وباطنه، لقول الله تبارك وتعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) [المجادلة:22]

وواجب على المؤمن أن.... يجتهد في معاشرة أهل الخير، ومن يدله على طلب الآخرة قال يوسف بن الحسين: قلت لذي النون: أوصني؟ قال: عليك بصحبة من تسلم منه في ظاهر أمرك، ويبعثك على الخير صحبته، ويذكرك الله رؤيته.

معاشرة أهل السنة، والبعد عن أهل الهوى والبدع:

إذا أراد الله بعبد من عبيده خيرًا وفقه لمعاشرة أهل السنة، وأهل الستر، والصلاح، والدين، ويرده عن صحبة أهل الهوى والبدع، والمخالفين.

صفات الصاحب:

ومن آدابها: ألا يصحب إلا عاقلًا، وعالمًا، وحليمًا، وتقيًا، قال ذا النون: ما خلع الله على عبدٍ من عبيده خلعة أحسن من العقل، ولا قلده الله قلادة أجمل من العلم، ولا زينه بزينةٍ أفضل من الحلم، وكمال ذلك التقوى.

اجتناب معاشرة أهل الدنيا:

وواجب على المؤمن أن يتجنب عشرة طلاب الدنيا، فإنهم يدلونه على طلبها، وجمعها، ومنعها، وذاك الذي يبعده عن طلب نجاته، ويقطعه عنها.

ستر العيوب:

قال عبدالله بن محمد بن منازل: المؤمن يطلبُ معاذير إخوانه، والمنافق يطلبُ عثرات إخوانه.

الصفح عن العثرات ونسيانها:

من آدابها: الصفح عن عثرات الإخوان وترك تأنيبهم عليها، قال الله تعالى: (فاصفح الصفح الجميل) [الحجر:85] في التفسير: أن لا يكون فيه تقريع، ولا تأنيب، ولا معاتبة، وقيل أيضًا: رضا بلا عتاب.

عن الأصمعي قال: قال أعرابي: تناس مساوئ الإخوان يدم لك ودهم.

اجتناب الحسد:

ومن آدابها: أن لا يحسد إخوانه على ما يرى عليهم من آثار نعم الله، بل يفرح بذلك، ويحمد الله على ما يرى من النعمة عليهم، كما يحمده بنعمته على نفسه، قال الله تعالى: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) [النساء:54] وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا)

سلامة الصدر، والنصيحة لهم، وقبول النصيحة منهم :

ومن آدابها: سلامة الصدر للإخوان، والأصحاب، والنصيحة لهم، وقبول النصيحة منهم، وأصله قوله تعالى: (إلا من أتى الله بقلب سليمٍ) [الشعراء:89]

ومن آدابها: أن يحفظ في عشرته صلاح إخوانه، لا مرادهم، ويدلهم على رشدهم، لا على ما يحبونه.

قال أبو صالح: المؤمن يعاشرك بالمعروف، ويدلك على صلاح دينك ودنياك، والمنافق يعاشرك بالممداحة، ويدلك على ما تشتهيه، والمعصوم من فرق بين الحالين.

صدق المودة، وصفاء المحبة:

للمعاشرة ثمن، فيجب أن يطالب صاحبه بثمن معاشرته، وهو صدق المودة، وصفاء المحبة، فإن العشرة لا تتم إلا بهما.

ملازمة الحياء، ومصاحبة من يستحيى منه:

ومن آدابها: ملازمة الحياء في كل حال، سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يعظ أخاه في الحياء، فقال: (الحياء من الإيمان)

ومن آدابها: صحبة من يستحيى منه، ويحتشمه ليزجره ذلك من المخالفات.

قال علي بن أبي طالب: أحبوا الطاعات بمجالسة من يستحيا منه.

وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل: ما أوقعني في بلية إلا صحبة من لا أحتشمه.

وقال ابن نجيد: عاشر من تحتشمه، ولا تعاشر من لا تحتشمه.

التماس المعاذير لزلاتهم:

ومن آدابها: أن تضع كلام أخيك وأبرزه على أحسن الوجوه، ما وجدت لها وجهًا حسنًا. قال سعيد بن المسيب: كتب إلي بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أن ضع أمر أخيك على أحسنه، ما لم يظهر منه ما يغلبك

وقال حمدون القصار: إذا زلّ أخ من إخوانكم فاطلبوا له سبعين بابًا عذرًا.

عدم إخلاف الوعد:

ومن آدابها: أن لا تعد أخاك وعدًا ثم تخلفه فإنه من النفاق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (علامة النفاق ثلاثة: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أوتمن خان)

قال الثوري: لا تعد أخاك موعدًا فتخلفه، فتستبدل المودة بغضًا.

حفظ السرِّ:

أفشى رجل إلى صديق له سرًا من أسراره، فلما فرغ قال: حفظته؟ قال: لا، بل نسيته. ولذلك قال بعض الحكماء: قلوب الأحرار قبور الأسرار.

وإن وقعت بينهم وحشة أو نفرة....فلا يفشي الأسرار التي يعلمها في أيام إخوته منه

عدم الإيذاء:

ومن آدابها: أن لا تؤذى مؤمنًا، ولا تجاهل جاهلًا.

قال الربيع بن خثيم: الناس رجلان: مؤمن فلا تؤذه، وجاهل فلا تجاهله.

التواضع وترك التكبر:

ومن آدابها: التواضع للإخوان، وترك التكبر عليهم. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد.)

قال المبرد: النعمة التي لا يحسد عليها صاحبها: التواضع، والبلاء الذي لا يرحم صاحبه عليه: العجب.

حفظ المودة القديمة:

ومن آدابها: حفظ المودة القديمة. قال المغازلي: من أحب أن تدوم له المودة، فليحفظ مودة إخوانه القدماء.

الأدب وحسن العشرة:

ومن آدابها: ملازمة الأدب، وحسن معاشرتهم. قال بعض الحكماء من السلف: عاشروا الناس معاشرة إن غبتم حنوا إليكم، وإن متم بكوا عليكم.

وأن يداوم لإخوانه على حسن العشرة

قلة المخالفة على أمور الدنيا:

ومن آدابها: قلة مخالفة الإخوان في أسباب الدنيا، فإن الدنيا أقل خطر من أن يخالف فيها أخ من الإخوان....فيتحرى موافقتهم فيما يرون ما لم يكن مخالف للدين والسنة

قال يحيى بن معاذ: الدنيا بأجمعها لا تسوى غم ساعة، فكيف بغم طول عمرك فيها، وقطع إخوانك بسببها مع قليل نصيبك منها.

عدم مقاطعة الصديق:

ومن آدابها: أن لا تقطع صديقًا بعد أن صادقته، ولا ترده بعد أن قبلته، قال الخليل بن أحمد: لا تواصلن صديقًا إلا بعد تجربة، وإذا صادقته فلا تقاطعه، فمؤمن بلا صديق خير من مؤمن كثير الأعداء.

ومن آدابها: أن المؤمن إذا ظفر بأخ، أو صديق أن لا يضيعه، ويعلم أن الأخوة والصداقة عزيزة.

قبول العذر:

ومن آدابها: قبول العذر ممن اعتذر إليك صادقًا كان فيه أو كاذبًا.

اقبل من يأتيـــــــــــــــك مُعتـــــــــــــــذرًا          إن برَّ عندك فيما قال أو فجرا

فقد أطاعك من أرضاك ظاهره          وقد أجلك من يعصيك مستترا

أمور متفرقة في آداب الصحبة:

** أن لا يواجه أخًا من إخوانه بما يكره

** البر والصلة البر بالنفس والصلة باللسان

** بشاشة الوجه، ولطف اللسان، وسعة القلب، وبسط اليد، وملازمة الحرمة.

** أن لا تستخف بأحدٍ من الخلق، وتعرف محل كل واحد منهم، وتكرمه على قدره.

** التسارع إلى قضاء حوائج من يرفع إليه حاجة.

** احتمال الأذى، وقلة الغضب، وبسط الشفقة، والرحمة، وطيب الكلام.

** إيثار الإرفاق على الإخوان، قال الله تعالى: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) [الحشر:9]

** المشورة مع الإخوان، وقبول ما يشيرون به عليه.

** القيام بخدمة من هو دونه...فكيف بمن هو فوقه أو مثله؟!!  ويعلم أن سيد القوم خادمه

** القيام بأعذار الإخوان، والأصحاب، والذب عنهم، والانتصار لهم.

** أن لا يمنَّ بمعروفه على من يحسن إليه، ويستصغره، ويعظم ما إليه من إخوانه ويستكثره.

** أن يصون السمع عن سماع القبيح والخنا، كما يصون اللسان عن النطق به.

** أن يشارك إخوانه في المكروه كما يشاركهم في المحبوب.

** أن لا يقبل على إخوانه مقالة واشٍ، ولا نمام.

** الوفاء للإخوان في حياتهم، وبعد وفاتهم.

** زيارة الإخوان، والسؤال عن أحوالهم.

** أن يجتهد في ستر عورة إخوانه، وإظهار مناقبهم، وكتمان قبائحهم.

** إنصاف الإخوان من نفسه، ومواساتهم من ماله.

** الصبر على جفاء....وجفوة الإخوان.

** أن لا يتغير لإخوانه بأن يحدث له ثروة أو غنى.

** أن لا يغرق في الخصومة، ويترك للصفح موضعًا.

** معرفة الرجال ومعاشرتهم على حسب ما يستحقونه.

** معرفة حق من سبقه بالود.

** ومن جامع آدابها: قول عمر بن الخطاب: ثلاث يصفين لك ود أخيك: أن تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply