من أقوال السلف في النعم


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:  

 

نعم الله عز وجل علينا كثيرة متنوعة، قال الله جل وعلا: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [النحل:18] نسأل الله الكريم أن يعيننا على شكرها.

 للسلف أقوال في النعم، يسّر الله فجمعت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

·       نعم الله جل جلاله كثيرة، لا تُعدُّ ولا تحصى:

** قال أبو الدرداء رضي الله عنه: من لم يرَ لله عليه نعمة إلا في الأكل والشرب، فقد قلّ فهمه، وحضر عذابه.

** قال الإمام الغزالي رحمه الله: الناس بجهلهم لا يعدون ما يعم الخلق، ويسلم لهم في جميع أحوالهم نعمة، فلا تراهم يشكرون الله على روح الهواء، ولو انقطع الهواء عنهم ماتوا.

·       نعمة الطاعة والاستقامة أعظم النعم:

** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: أعظم النعم الإقبال على الله والتعبد له والانقطاع إليه والتبتلُ إليه... ولا نعمة أعظم من هذه النعمة.

- لو عرف أهل طاعة الله أنهم هم المُنعم عليهم في الحقيقة، وأن لله عليهم من الشكر أضعاف ما على غيرهم.فهم أهل النعمة المطلقة

- أعظم النعم الإيمان.

** قال العلامة السعدي رحمه الله: لا أعظم من نعمة الدين، التي هي مادة الفوز، والسعادة الأبدية.

** قال العلامة العثيمين رحمه الله: يجب عليك... أن تشكر الله تعالى على نعمته عليك بالتزام الدين والشريعة، فإن هذا من أكبر النعم، بل هي أكبر النعم في الواقع، فاحمد الله تعالى على هذا، واشكره عليه، وسَلْهُ الثبات والاستمرار

·       من أعظم النعم تثبيت الله عز وجل لعبده وربط جأشه عند المخاوف:

قال العلامة السعدي رحمه الله: من أعظم نعم الله على عبده، وأعظم معونة للعبد على أموره، تثبيت الله إياه، وربط جأشه وقلبه عند المخاوف، وعند الأمور المذهلة، فإنه بذلك يتمكن من القول الصواب، والفعل الصواب، بخلاف من استمر قلقه وروعه وانزعاجه، فإنه يضيع فكره، ويذهل عقله، فلا ينتقع بنفسه في تلك الحال.

·       صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله على العبد:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: صحةُ الفهم وحسنُ القصد من أعظم نِعم الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أُعطي عبد عطاءً بعد الإسلام أفضل ولا أجلَّ منهما، بل هما ساقا الإسلام، فقيامه عليهما، وبهما باين العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدُهم، وطريق الضالين الذين فسدت فهومُهم، ويصير من المنعم عليهم الذين حسُنت أفهامهم وقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم.

صحة الفَهم نور يقذِفه الله في قلب العبد، يُميِّز به بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، ويُمده حسن القصد، وتحرِّي الحق، وتَقوى الرب في السرِّ والعلانية، ويقطع مادته اتباعُ الهوى، وإيثار الدنيا، وطلبُ محمدة الخلق، وترك التقوى

·       الأمن من الخوف من أكبر النعم:

قال العلامة السعدي رحمه الله: رغد الرزق، والأمن من الخوف، من أكبر النعم الدنيوية، الموجبة لشكر الله تعالى.

·       نعمة الشدة والعذاب والمصائب في الدنيا:

** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من تمام نعمة الله على عباده المؤمنين أن ينزل بهم الشدة والضر ما يلجئهم إلى توحيده فيدعونه مخلصين له الدين. وتتعلق قلوبهم به لا بغيره فيحصل لهم من التوكل عليه والإنابة إليه... من هو أعظم نعمة عليهم من زوال المرض أو حصول اليسر.

** قال الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: من النعم تعذيب العبد بذنبه في الدنيا.

·       اللسان من النعم العظيمة:

قال الإمام الغزالي: اللسان من النعم العظيمة صغير جرمه، عظيم طاعته وجرمه، رحب الميدان، ليس له مرد ولا لمجاله منتهى وحدّ، له في الخير مجال، وله في الشر ذيل سحب، فمن أطلق عذبة اللسان وأهمله... سلك به الشيطان في كل ميدان، وساقه إلى شفا جرف هار، إلى أن يضطره إلى البوار، ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع، فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة، ويكفه عن كل ما يخشى غائلته في عاجله  وآجل

·       نعمة النسيان:

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: من أعجب النعم... .نعمةُ النسيان، فإنه لولا النسيان لما سلا شيئًا، ولا انقصت له حسرة، ولا تعزى بمصيبة، ولا مات له الحزن، ولا بطل له حقد، ولا استمتع بشيءٍ من متاع الدنيا مع تذكر الآفات، ولا رجا غفلة من عدوه ولا فترهً من حاسده.

·       شكر النعم يورث محبة الله جل وعلا:

قال عبدالعزيز بن عمير: ذكر النعم يورث الحب لله تعالى.

·       شكر نعمة الله يجعلها تدوم تزداد:

** قال جعفر بن محمد: ما أنعم الله على عبد نعمة فعرفها بقلبه، وشكرها بلسانه، فيبرح حتى يزداد.

** قال عمر بن عبدالعزيز: قيدوا النعم بالشكر.

**قال أبو سليمان الداراني استجلب زيادة النعم بالشكر واستدم النعمة بخوف زوالها

** قال أحمد بن عاصم الأنطاكي، وسهل بن عبدالله التستري: استجلب زيادة النعم بعظيم الشكر، واستدم عظيم الشكر بخوف زوال النعم.

** قال جعفر الصادق: إذا سمعت النعمة نعمة الشكر فتأهب للمزيد.

** قال العلامة ابن القيم:

-قيل: الشكر قيد النعم الموجودة، وصيد النعم المفقودة.

- الشكرُ حارس النعمة من كل ما يكون سببًا لزوالها.

- عبودية النعم معرفتها والاعتراف بها أولًا، ثم العياذ به أن يقع في قلبه نسبتها وإضافتها إلى سواه وإن كان سببًا من الأسباب فهو مسببه ومقيمه، فالنعمة منه وحده بكل وجه واعتبار ثم الثناء بها عليه ومحبته عليها وشكره بأن يستعملها في طاعته... ومن لطائف التعبد بالنعم أن يستكثر قليلها عليه، ويستقل كثير شكره عليها، ويعلم أنها وصلت إليه من سيده من غير ثمن بذله فيها، ولا وسيلة منه توسل بها إليه، ولا استحقاق منه لها، وأنها لله في الحقيقة لا للعبد، فلا تزيده النعم إلا انكسارًا وذلًا وتواضعًا ومحبةً للمنعم.

** قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: أما موقف أهل الإيمان عند ورود نعم الله عليهم فتكون بأمور:

أولها: بالاعتراف بأن هذه النعم من عند الله.

وثانيها: بحديث اللسان بنسبتها إلى جل وعلا: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ

وثالثها: بعدم استعمال هذه النعم في معاصي الله.

ورابعها: باستعمال هذه النعم في طاعة رب العزة والجلال، وبذلك يحصل الشكر، قال تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾  [سبأ:13]

·       من شكر نعمة العينين، والأذنين:

قال سلمة بن دينار: شكر العينين: إن رأيت بهما خيرًا أعلنته وإن رأيت بهما شرًا سترته، شكر الأذنين: إن سمعت بهما خيرًا وعيته، وإن سمعت بهما شرًا دفنته.

·       حقيقة شكر النعمة:

** قال سفينان بن عيينة: إن من شكر الله على النعمة أن تحمده عليها، وتستعين بها على طاعته، فما شكر الله من استعان بنعمته على معصيته.

** سئل الجنيد عن حقيقة الشكر، فقال: ألا يستعان بشيء من نعمه على معاصيه.

** قال الإمام الغزالي: الخلق... إن عرفوا نعمة ظنوا أن الشكر عليها أن يقول بلسانه الحمد لله الشكر لله ولم يعرفوا أن معنى الشكر أن يستعمل النعمة في طاعة الله

·       من أسباب سلب النعم وزوالها:

** قال ابن القيم رحمه الله:

- إذا أنعم عليك ثم سلبك النعمة فإنه لم يسلبها لبخل منه ولا استثار بها عليك، وإنما أنت السبب في سلبها عنك، فإن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم.

﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ  [الأنفال:53]    فما أُزيلت نعمُ الله بغير معصيته.

- لا تزال الذنوب تزيل عنه نعمةً نعمةً حتى يُسلب النعم كلها، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ [الرعد:11] وبالجملة فإن المعاصي نار النعم تأكلها، كما تأكل النارُ الحطب عياذًا بالله من زوال نعمته وتحويل عافيته

- الذنوب... من عقوباتها: أنها تزيل النّعم الحاضرة وتقطع النعم الواصلة فتزيل الحاصل وتمنع الواصل فإن نعم الله ما حُفظ موجودها بمثل طاعته، ولا استجلب مفقودها بمثل طاعته... فإذا أراد الله حفظ نعمته على عبده ألهمه رعايتها بطاعته فيها وإذا أراد زوالها عنه خذله حتى عصاه بها.

- ما سلبت النعم إلا بترك تقوى الله، والإساءة إلى الناس.

** قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: من لم يعرف قدر النعم سُلِبها من حيث لا يعلم.

** قال علي بن يحيى المحرمي: الظلم يزل القدم، ويزيل النعم

** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: من استعان بنعم الله على معاصيه فقد كفر نعمة الله وبدلها كفرًا، وهو جدير أن يسلبها

إذا كنت في نعمة فارعها         فإن المعاصي تزيل النعم 

ودوام عليها بشكر الإله         فشكر الإله يزيل النقم

** قال العلامة العثيمين رحمه الله: هذه البلاد يحدثنا أهلها الذين هم أكبر منَّا أنه أتاها مجاعات عظيمة، وكانوا يموتون من الجوع في الأسواق... فالذي أصابنا بأمس يمكن أن يأتينا اليوم إذا بطرنا هذه النعمة

·       شكر النعم المستمرة والمتجددة:

** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: النعم نوعان: مستمرة ومتجددة:

فالمستمرة شكرها بالعبادات والطاعات.

والمتجددة شُرِع لها سجود الشكر، شكرًا لله عليها، وخضوعًا له وذلًّا، في مقابلة فرحة النعم وانبساط النفس لها، وذلك من أكبر أدوائها، فإن الله لا يحبُّ الفرحين ولا الأشرين، فكان دواء هذا الدواء الخضوع والذل والانكسار لرب العالمين، وكان في سجود الشكر من تحصيل هذا المقصود ما ليس في غيره.

- وفي سجود كعب حين سمع صوت المبشِّر دليل ظاهر أن تلك كانت عادة الصحابة وهي سجود الشكر عند النعم المتجددة والنقم المندفعة.

**  قال الإمام النووي رحمه الله:

-فيه استحباب حمد الله، عند تجدد النعم، وحصول ما كان الإنسان يتوقع حصوله، واندفاع ما كان يخاف وقوعه.

- استحباب سجود الشكر بكل نعمة ظاهرة حصلت، أو نقمة ظاهرة اندفعت

·       الاعتماد على السبب في جلب النعمة ونسيان المُسبب:

قال العلامة العثيمين رحمه الله: بعض الناس مثلًا يعتمد على السبب في جلب النعمة إليه وينسى المسبب، فعندما يعطيه إنسان حاجة من الحاجات تجد أنه يقومُ في قلبه من شكر هذا المعطى أكثر مما يقوم بشكر الله، تجده يثنى أيضًا على هذا أكثر مما يثنى على الله، فتجده يقوم بخدمة هذا أكثر مما يقوم بخدمة الله، مع أن هذا الذي وصلت النعمة على يده ما هو إلا طريق لوُصُولها إليك فقط، وإلا فالذي جعل في قلبه أن يوصل إليك هذه النعمة إليك: هو الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يسر هذا، فالحاصل: أن الناس الآن أكثرهم أو غالبهم يخلون في مقام الشكر إما بالقلب أو باللسان أو بالجوارح.

·       لا تكره النعمة لأخيك المسلم:

قال العلامة العثيمين رحمه الله: إذا أنعم الله تعالى على أخيك نِعْمةً، فلا تكره هذه النِّعْمة لأخيك، ولا تتمنَّ زوالها؛ ولكن قل: اللهمَّ إني أسألُك من فضلك، ويجوز أن تقول: اللهم أعطني أكثرَ ممَّا أعطيتَ فلانًا، تسأل الله تعالى أكثرَ مما أعطى فلانًا،

·       من هداه الله، ومن كان من السعداء فإنه يكون شاكرًا لنعم الله:

قال العلامة السعدي رحمه الله:

- عنوان سعادة العبد، أن يكون شاكرًا لله على نعمه، الدينية والدنيوية، وأن يرى جميع النعم من ربه فلا يفخر بها ولا يعجب بها بل يرى أنها تستحق عليه شكرًا كثيرًا.

- من هداه الله فإنه عند النعم يخضع لربه، ويشكر نعمته

·       الجهل والغفلة من أسباب عدم شكر النعم:

قال الإمام الغزالي رحمه الله: لم يقتصر بالخلق عن شكر النعمة إلا الجهل والغفلة، فإنهم منعوا بالجهل والغفلة عن معرفة النعم، ولا يتصور شكرها إلا بعد معرفتها.

·       فشو الملاهي من أعظم أسباب زوال النعم:

قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز رحمه الله: قد علم كل ذي بصيرة وعلم بأحوال الناس أن فشو الغناء والملاهي في المجتمع من أعظم الأسباب لزوال النعم وحلول النقم وخراب الدولة وزوال الملك وكثرة الفوضى والتباس الأمور، فالجد الجد والبدار البدار قبل أن يحل بنا من أمر الله ما لا طاقة لنا به، وقبل أن تنزل بنا فتنة لا تصيب الذين ظلموا منا خاصة، بل تعم الصالح والطالح ويهلك بها الحرث والنسل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

·       الفرق بين النعمة والبلية:

قال سلمة بن دينار: كل نعمة لا تُقرب من الله عز وجل فهي بلية.

·       الفرق بين النعمة والفتنة:

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: أما تمييزُه النعمة من الفتنة، ليفرِّق بين النعمة التي يُراد بها الإحسان واللطف، ويُعانُ بها على تحصيل سعادته الأبدية، وبين النعمة التي يراد بها الاستدراج، فكم من مستدرج بالنعم وهو لا يشعر، مفتون بثناء الجهال عليه، مغرورٍ بقضاء الله حوائجه وستره عليه! وأكثرُ الخلق عندهم أن هذه الثلاثة علامةُ السعادة والنجاح. ﴿ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾ [النجم:30]

·       الحذر أن يكون توالي النعم استدراج:

قال العلامة العثيمين رحمه الله: يجب على العبد أن يلاحظ نفسه إذا رأى النعم تترى عليه وهو مُقصر، فليعلم أن هذا استدراج من الله عز وجل، فليقلع عن المعصية وليتُب إلى الله قبل أن يؤخذ بالعقوبة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply