بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فالسكينة من نعم الله عز وجل العظيمة، ومتى أنزلها الله جل وعلا على عبده أطمئن قلبه وسكن، وزال عنه الخوف والقلق، وقد أنزلها الله جل وعلا على رسوله عليه الصلاة والسلام وعلى عباده المؤمنين في مواطن قلق واضطراب فثبتت قلوبهم، وزال خوفهم واضطرابهم.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: السكينة... أخبر سبحانه وتعالى عن إنزالها على رسوله وعلى المؤمنين في مواضع القلق والاضطراب. كيوم الهجرة، هو وصاحبه في الغار والعدو فوق رؤوسهم، لو نظر إلى ما تحت قدميه لرآهما. وكيوم حنين، ولَّوا مُدبرين من شدة بأس الكفار، لا يلوي أحد على أحدٍ. وكيوم الحديبية حين اضطربت قلوبهم من تحكم الكفار عليهم، ودخولهم تحت شروطهم التي لا تحمِلها النفوس. وحسبك بضعف عمر عن حملها وهو عمر، حتى ثبَّته الله بالصِّدِّيق.
للسلف رحمهم الله أقوال في السكينة، يسّر الله الكريم فجمعتُ بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
• قال الكلبي رحمه الله: السكينة فعلية من السكون أي طمأنينة من ربكم.
• قال الإمام الطبري رحمه الله: السكينة هي الأمنة والطمأنينة.
• قال الإمام القرطبي رحمه الله: السكينة فعيلة مأخوذة من السكون والوقار والطمأنينة.
• قال الإمام الشوكاني رحمه الله: السكينة: الطمأنينة وسكون النفس. وقيل: الصبر.
• قال الإمام ابن القيم رحمه الله: السكينة فعلية من السكون، وهو طمأنينة القلب واستقراره، وأصلها في القلب، ويظهر أثرها على الجوارح.
وقال رحمه الله: أصل السكينة هي الطمأنينة والوقار، والسُّكون الذي يُنزله الله في قلب عبده، عند اضطرابه من شدة المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه، ويوجب له زيادة الإيمان وقوة اليقين والثبات.
• قال العلامة السعدي رحمه الله: السكينة: ما يجعله الله في القلوب، وقت القلاقل والزلازل والمفظعات ما يثبتها ويسكنها، ويجعلها مطمئنة... وهي السكون والطمأنينة والثبات عند نزول المحن المقلقة، والأمور الصعبة التي تشوش القلب وتزعج الألباب، وتضعف النفس، فمن نعمة الله على عبده في هذه الحال أن يثبته ويربط على قلبه.
الأسباب الجالبة للسكينة:
• قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِم فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيهِم﴾ [الفتح:18]: إنما أنزلت السكينة علي من علم منه الوفاء.
• قال قتادة رحمه الله: قوله تعالى: ﴿لَّقَد رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ يُبَايِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيۡهِمۡ﴾ [الفتح:18]: الوقار والصبر.
• قال الإمام البغوي رحمه الله: قوله عز وجل: ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ﴾ [الفتح:18] من الصدق والوفاء.
• قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قوله عز وجل: ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ﴾ أي: من الصدق والوفاء والسمع والطاعة.
• قال العلامة السعدي رحمه الله: قوله عز وجل ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمۡ﴾ من الإيمان.
• قال العلامة ابن القيم رحمه الله: المهابة أثر من آثار امتلاء القلب بعظمة الله ومحبته وإجلاله، فإذا امتلأ القلبُ بذلك حلَّ فيه النور، ونزلت عليه السكينة.
وقال رحمه الله تعالى: استيلاء مراقبة العبد لربه عز وجل حتى كأنه يراه، وكلما اشتدت هذه المراقبة أوجبت له من الحياء والسكينة والمحبة والخضوع، والخشوع، والخوف والرجاء.
وقال رحمه الله تعالى: أن الرضا يُنزل عليه السكينة التي لا أنفع له منها، ومتى نزلت السكينة استقام، وصلحت أحواله وصلح باله والسخط يُبعده منها بحسب قلته وكثرته.
وقال رحمه الله: في الذكر نحو من مائة فائدة... الثالثة والعشرون: أنه سبب نزول السكينة وغشيان الرحمة وحفوف الملائكة بالذاكر.
• قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: العلم النافع هو ما باشر القلوب فأوجب لها السكينة والخشية والإخبات لله والتواضع والانكسار له.
وقال رحمه الله:. وكان كثير من السلف إذا خرجوا من مجلس سماع الذكر خرجوا وعليهم السكينة والوقار.
• قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: السكينة... تكون على حسب معرفة العبد بربه، وثقته بوعده، وبحسب إيمانه وشجاعته.
• قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الصائم لا يسبُّ ولا يشتُمُ ولا يَصخَبُ، بل عنده الطمأنينة والوقار والسكينة.
• قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: ليس عند الداعية إلى الله عز وجل قلق ولا ريب في صدره، ولا بعد عن السكينة والطمأنينة لأنه دعا.
أهمية السكينة عند وقوع الفتن:
• قال الإمام الحسن رحمه الله: والله ما سلط الحجاج إلا عقوبة، فلا تعترضوا عقوبة الله بالسيف، ولكن عليكم بالسكينة والتضرع.
السكينة بهاء العالم، وبها يُعرفُ علماء الآخرة:
• قال الإمام الشعبي رحمه الله: بهاء العالم... السكينة، إذا علّم لا يعنف، وإذا عُلِم لا يأنف.
• قال الإمام الغزالي رحمه الله علماء الآخرة يعرفون بسيماهم في السكينة والتواضع.
السكينة مهمة طالب العلم:
• أمير المؤمنين قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والحلم.
• قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله: إن حقًا على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية، وأن يكون متبعًا لأثر من مضى قبله.
• قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله في حلية طالب العلم: التحلي بــــ "رونق العلم"، حسن السمت، والهدي الصالح، من دوام السكينة والوقار.
السكينة سمة لمن تجارتهم مع الله رابحة:
• قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: رجال... تجارتهم مع الله رابحة,... يدبون على الأرض... بغير مرح، ولا ميل ولا ترح، يمشون بالسكينة والوقار.
السكينة من شيم العقلاء:
• قال الإمام ابن حبان رحمه الله: من شيم العاقل: الحلم، والصمت، والوقار، والسكينة.
تأثير السكينة إذا نزلت في القلب:
• قال الإمام ابن القيم رحمه الله: السكينة إذ نزلت في القلب اطمأن بها، وسكنت إليها الجوارح وخشعت، واكتسبت الوقار، وأنطقت اللسان بالصواب والحكمة، وحالت بينه وبين قول الخنا والفحش، واللغو والهجر، وكل باطل.
وكثير ما ينطق صاحب السكينة بكلام لم يكن عن فكرة منه ولا رويّةٍ، ولا هيَّأه، ويستغربه هو من نفسه كما يستغرب السامع له، وربما لم يعلم بعد انقضائه بما صدر منه. وأكثر ما يكون هذا عند الحاجة، وصدق الرغبة من السائل والمُجالس، وصدقِ الرغبة منه هو إلى الله، والإسراع بقلبه إلى بين يديه وحضرته، مع تجرده من الهوى، وتجريده النصيحة لله ورسوله وعباده، وإزالة نفسه من البين.
وثمرة هذه السكينة: الطمأنينة للخير تصديقًا وإيقانًا، وللأمر تسليمًا وإذعانًا، فلا تدع شبهةً تعارض الخير، ولا إرادةً تعارض الأمر، بل لا تمر معارضات السوء بالقلب إلا وهي مجتازة مرور الوساوس الشيطانية التي يبتلى بها العبد؛ ليقوى إيمانه، ويعلو عند الله ميزانه، بمدافعتها وردِّها وعدم السكون إليها.
• قال العلامة العثيمين رحمه الله: السكينة إذا نزلت في القلب اطمأن الإنسان، وارتاح، وانشرح صدره لأوامر الشريعة، وقَبِلها قبولًا تامًا.
السكينة تنطق على لسان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
•قال ابن عباس رضي الله عنه كنّا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر وقلبه.
من ترحلت عنه السكينة ترحل عنه السرور:
• قال الإمام ابن القيم رحمه الله: إذا ترحلت عنه السكينة ترحل عنه السرور والأمن والدعة والراحة وطيب العيش.
قراءة آيات السكينة عند اضطراب القلب:
• قال الإمام ابن القيم رحمه الله: كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آيات السكينة.
وسمعته يقول في واقعة عظيمةٍ جرت له في مرضه، تعجز العقول والقوى عن حملها – من محاربة أرواح شيطانية ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة – قال: فلما اشتد عليَّ الأمر قلت لأقاربي ومن حولي: اقرؤوا آيات السكينة، قال: ثم أقلع عني ذلك الحال، وجلستُ وما بي قَلَبة.
ولقد جرَّبتُ أنا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب مما يرد عليه، فرأيتُ لها تأثيرًا عظيمًا في سكونه وطُمأنينته.
قلت: آيات السكينة في ستة مواضع في القرآن الكريم: الآية [248] في سورة البقرة، والآيتان [26]، و[40] في سورة التوبة، والآيات [4]، و[18]، و[26] في سورة الفتح.
وختامًا: فينبغي لكل مسلم أن يحرص على عمل الأسباب التي تجعل السكينة تنزل في قلبه، فلذلك أثر عظيم في شجاعة قلبه، وطمأنينته. وثباته، وقت المحن، والابتلاء، وما يُرى في ساحات المعارك، من مواقف بطولية في الشجاعة، والثبات، والأقدام، وما يُسمع من كلمات الحمد والشكر لله عز وجل، التي تقال على ألسنة من فقدوا أعزّ أحبابهم، وهجروا من ديارهم، فإن السبب في ذلك يعود إلى ما أنزله الله جل وعلا بفضله وكرمه وجوده في قلوبهم من سكينة، وطمأنينة.
نسأل الله الكريم الرحيم أن ينزل علينا، وعلى جميع إخواننا المسلمين، السكينة والطمأنينة في قلوبنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد