بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
(الخطبة الأولى)
يا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته والحرص على الصدقة والبذل في سبيل الله مما رزقنا الله من فضله{وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10)} [المنافقون] والصدقة: هي ما يُتصدق به على الفقراء والمساكين، والمُحتاجين والمُعسرين ونحوِهم.
والصدقةُ نوعان: 1- واجبةٌ: مثلُ: الزكاةِ الواجبةِ في المال بشروطها وضوابِطِها. 2 - ومُستحبةٌ: وهي ما سِوى ذلك من الصدقات.
والمستحقون للصدقةِ الواجبةِ (الزكاة) هم المذكورون في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ التوبة (60). واعلموا عباد الله أنَّ للصدقة فوئدَ عظيمةً، في الدنيا والآخرة ، من ذلك:
-أنَّ أجرَها مُضاعَفٌ لصاحبها عند اللهِ تعالى، كما قال -عز وجل- : (إنّ المُصَّدِقين والمُصَّدِقات وأقْرَضوا اللهَ قرْضاً حسَنا يُضاعَفُ لهم ولهم أجرٌ كريم). ومن فوائدها: - أنَّ اللهَ يُبارِكُ في المال الذي تَخرُجُ منه الصدقة كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما نَقَصَ مَالٌ من صَدقة) صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم: 2325 |
ومن فوائِدِها: - أنَّ اللهَ يُبارِكُ في الصدقة نفْسِها ويُنميِّها لصاحبها يومَ القيامة قال الله عز وجل: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [سورة البقرة:276] ومن فوائدها: - أنها تُطهِّرُ المتصدقَ وتُزكِّيه ؛ كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (التوبة - 103).
ومن فوائدها أيضا - أنَّ المُتصدِّقَ يومَ القيامةِ يكونُ من السَّبعة الذين يُظلِّهم اللهُ تحتَ ظِلِّ عَرْشِه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: كما قال صلى الله عليه وسلم: " ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ" صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 1423 | واعلموا عباد الله أنَّ نَفقَةَ المُسلمِ على أهلِهِ وهو يَحْتسِبُها عند اللهِ صَدَقة، كما في حديث أبي مسعود الأنصاري رضيَ اللهُ عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا أنْفَقَ المُسْلِمُ نَفَقَةً علَى أهْلِهِ، وهو يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ له صَدَقَةً" أخرجه البخاري (55)، ومسلم (1002). - وأنَّ أكْلَ الناسِ أو البَهائمِ أو الطُّيورِ من مزرعة المسلمِ أو شَجَرِهِ الذي غرَسَهُ صَدقةٌ، كما قال عليه الصلاة والسلام: "ما مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ منه طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كانَ له به صَدَقَةٌ" صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 2320. – وأنَّ السَّعْيَ على الأراملِ والأيتامِ والمساكين من أفضلِ الصَّدقات:عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ، كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللَّهِ، أو القائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهارَ" صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 5353.
وقال عليه الصلاةُ والسلام:" أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وقالَ بإصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ والوُسْطَى" صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 6005. - وأنَّ أيَّ عَمَلٍ للخير فيهِ نَفْعٌ للناس فهو صَدَقة، وذلك مثلُ: إزالةِ الأذى عن الطريق، والأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر، والإصلاحِ بين الناس ونحوِ ذلك. كما قال تعالى: {لَّا خَيْرَ فِى كَثِيرٍۢ مِّن نَّجْوَىٰهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}النساء: 114. أي:" لا نَفْعَ في كثيرٍ من كلام الناسِ سِرّاً فيما بينهم، إلا إذا كان حَديثًا داعيًا إلى بَذْل المعروفِ من الصَّدقَةِ، أو الكَلِمةِ الطَّيِّبَةِ، أو التوفيقِ بين الناس، ومنْ يفعلْ تلك الأمورَ طَلبًا لرضا اللهِ تعالى راجيًا ثوابَه، فسوفَ نؤتيهِ ثوابا جزيلا واسعاً" التفسير الميسر، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، الطبعة الثانية، سنة النشر: 2008 ، ص 97.
عباد الله: وللصدقة آدابٌ منها: 1- البُعدُ عن المَنِّ بالصدقة. - ومنها: عدمُ إتْباعِ الصدقةِ بالأذى، سواءً كان الأذى بالقول أو الفعلِ أو غيرِه. ومنها: - الإخْلاصُ بالصدقة وذلك ابتغاءَ وجهِ اللهِ تعالى والدارِ الآخرة.
ومن آداب الصدقة: - عَدَمُ مُقايضةِ المُحتاجِ أو الفقيرِ بالصَّدَقَة كأنْ يَتصدَّقَ عليه مُقابِلَ عَمَلٍ أو خِدْمَةٍ ؛ فإنّ ذلك يُعَدُّ من الأجْرَةِ وليس من الصَّدَقَة.
ومن آداب الصَّدقةِ: -عَدمُ تَعمُّدِ الرَّديءِ من المال والتَّصدُّقِ بِهِ مثلِ أنْ يَتصَدَّقَ بالموادِّ الغذائيةِ الفاسدةِ أو المنتهيةِ صلاحيتُها فإنّ ذلك غِشٌ وضَرَرٌ على الفقير. - وكذلك عدمُ أخْذِ الصَّدقةِ من أجْوَدِ مالِ الغَنيِّ ؛ فإنّ ذلك غَبْنٌ للغني كأنْ يُؤْخَذَ منه أفضلُ غنَمِهِ أو بَقرِهِ أو إبلِهِ للزكاة، بَلْ تكونُ الصدقةُ والزكاةُ من الوسَط من المال: الذي لا يُؤذي الفقيرَ ولا يَضُرُّ الغنِيَّ في ماله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} المنافقون (10).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم إنه تعالى جواد كريم ملك بر، رؤوف رحيم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاةُ والسلامُ على أشرف الأنبياء والمُرسلين نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فإنَّ اللهَ تعالى يقول: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍۢ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍۢ ۚ وَأَنْ تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{
(البقرة - 280) أي:" وإنْ كانَ المَدينُ غيرَ قادِرٍ على السَّداد فأمْهلوهُ إلى أنْ يُيَسِّرَ اللهُ له رِزقًا فيدْفَعُ إليكم مالَكم، وإنْ تترُكوا رأسَ المالِ كُلَّه أو بَعْضَه وتَضَعوهُ عن المَدينِ فَهُو أفضلُ لكم، إنْ كنتمْ تعلمونَ فَضْلَ ذلك، وأنَّهُ خيرٌ لكم في الدنيا والآخرة" التفسير الميسر الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، الطبعة الثانية، سنة النشر: 2008 ص 47. ويقول صلى الله عليه وسلم:" مَنْ يَسَّرَ على مُعْسِرٍ يسَّرَ اللهُ عليه في الدُّنيا والآخرةِ" عباد الله: ولقد قامت حكومةُ المملكةِ العربيةِ السُّعودية – وفَّقَها اللهُ – بإيجادِ مَنَصَّةِ (إحسان) للعمل الخيري، ومن مَهامِّها: تَسهيلُ عمليةِ التَّبرُّعِ بأمانٍ وشَفافيةٍ من خِلالِ خِدْمةِ (تَيسَّرت) في قضاء ديونِ المُعسرينَ ممن صدرتْ بِحقِّهم أحكامٌ قضائية. ولا غرو في ذلك فبلادُنا – المملكة العربية السعودية - مُنذُ إنشائِها إلى عهد خادمِ الحرمين الشريفين الملكِ سلمانِ بنِ عبدِالعزيز، ووليِّ عهده الأمير محمد بن سلمان- حفظهما الله- عُرِفتْ بحِرْصِها على تقديم الدَّعْمِ لكلِّ من يحتاجُ إليه انْطلاقاً من القِيَمِ الإسلاميةِ التي قامتْ عليها ؛ لذا نَحُثُّ الجميعَ على المُساهمة بما تجودُ به النَّفسُ ولو باليسيرِ، وليُبْشِرْ كُلُّ مُتَصدِّقٍ بالأجر والخَلَفِ من الله، كما قال تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ{ الرحمن: 60.
فاتقوا الله عباد الله وصلوا وسلموا على مُحمد بنِ عبدالله كما أمركم اللهُ بذلك في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. اللهم صَلِّ على محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبى بكر وعمر وعثمان وعلي. وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين،، وأذلَّ الشركَ والمشركين. اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين. اللهم انصر دينك وكتابك وسُنةَ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وعبادَك المؤمنين. اللهم وفق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين الملكَ سلمانَ بنَ عبدِ العزيز لما تحب وترضى، وأعنه على البر والتقوى، وسدده في أقواله وأعماله. اللهم وفق ولي عهده الأمير محمد بن سلمان لما تحب وترضى وسدده في أقواله وأفعاله، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وإتباعِ سنةِ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - واجعلهم رأفةً ورحمةً على عبادك المؤمنين. اللهم وفق جنودنا ورجالَ أمننا وسدد رميَهم وانصرهم يا رب العالمين. اللهم اغفر لنا ولوالدِينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات؛ الأحياء منهم والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فاذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نِعَمِهِ يزِدْكم، ولَذِكْرُ اللهِ أكبَرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد