التصوف والاستشراق


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

يلقى التصوف عناية بالغة من الاستشراق، في دراسته وتحقيق تراثه وإبراز أعلامه الكبار، وتقديمهم كنماذج مثالية للإسلام الحقيقي، وكان من أبرز المعتنين بالتصوف وخصوصًا التصوف الحلاجي: لويس ماسينيون، الضابط الفرنسي الذي رافق الحملة الفرنسية على سوريا وفلسطين، ثم صار مستشرقًا متفرغًا.

كان ماسينيون يرى أن أفضل طريقة لتفكيك الإسلام "القبيح"= إسلام الفقهاء وعلماء العقيدة، بتقديم الإسلام "الجميل"، إسلام الحلاج الذي ينطوي في جوهره على مبادئ "الدين الحق"=الدين المسيحي، وأنه بمثابة "حصان طروادة"، الذي يمكن من خلاله إدخال المسلمين إلى المسيحية دون أن يشعروا بذلك.

وقد كنت زرت قبل مدة زمنية بعيدة أحد أكبر معاهد الدراسات اللاهوتية للـ"الإكليروس"، ووجدتهم يدرسون مدة ثمان سنين قبل التخرج، منها ست سنين عن الإسلام، واطلعوني على بعض مناهجهم، فوجدت أهم أعلام الإسلام التي تقدم لهم: الحلاج، ورابعة العدوية، وابن عربي، والغزالي، وأعلام كثر للصوفية.

وقد أدركت حينها أن اختيارهم لم يكن عبثًا، بل لهدف ثنائي مزدوج: تثبيت وتعميق إيمان الدارسين بدينهم، وذلك حين يرون أن أعظم أعلام الإسلام لا يقررون إلا أصول الإيمان المسيحي: الحلول والاتحاد والعشق الإلهي، ويستخدمون العبارات والمصطلحات ذات الصبغة المسيحية، وحينها سيدركون أنهم الأصل.

‏وقد صرح لويس ماسينيون مرارًا بمثل ذلك في رسائله الخاصة لبعض آباء الكنيسة المشرقية، وأن خير وسيلة تجاه المسلمين هي أن يفهموا ويتذوقوا حقائق المسيحية من خلال النكهة الصوفية، كالحلاج مثلاً، بألفاظها ومسوحها وقشرتها الإسلامية، كخطوة أولى فعالة نحو الحقيقة المطلقة والكاملة والخالصة!

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply