بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أبناء الإنسان قطعة منه، غالين عنده، يبذل الغالي والنفيس من أجلهم فيجوع ليشبعوا، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: دخلت امرأة معها ابنتان لها فسألت، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة، فأعطيتُها إيَّاها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئًا، ثم قامت فخرجتْ.[متفق عليه]قال العلامة العثيمين رحمه الله: هذا الحديث فيه عجائب؛ منها: الرحمة العظيمة في هذه المرأة، فإنها إن قسمت التمرة أثلاثًا ضعُف نصيب كل واحدة، وإن أعطتها واحدةً دون الأخرى، صار في ذلك جَوْرٌ، فما بقي إلَّا أن تُؤثِرَ ابنتيها على نفسها، وتشقَّ التمرة بينهما نصفين، وهذا شيء عجيب!.
ولذا تجد أن الوالدين يبذلان كل ما في وسعهما من أجل أبنائهم، من خلال وسائل متعددة، منها: النصيحة لهم، فينصحان لهم حتى يسعدوا في الدنيا والآخرة، وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنصح الناس لأبنائهم ،فعن عكرمة بن خالد أن سعدًا بن أبي وقَّاص رضي الله عنه، قال لابنه حين حضره الموت: "يا بني، إنك لن تلقى أحدًا هو أنصح لك مني". [الطبراني في الكبير].
ومن نصحهم لأبنائهم: وصاياهم لهم ببعض الأمور التي تنفعهم في دنياهم وآخرتهم، وهذه الوصايا فيها خير كثير، ينبغي الاستفادة منها، وقد يسّر الله الكريم فجمعت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع الجميع بها.
• الوصية بمحبة الله عز وجل والخوف منه:
لما حضرت العباس بن المطلب رضي الله عنه الوفاة، بعث إلى ابنه عبدالله. فقال له: يا بني، إني موصيك بحب الله عز وجل، وحب طاعته، وخوف الله وخوف معصيته، فإنك إذا أحببت الله وطاعته، نفعك كل أحد، وإذا خفت الله ومعصيته، لم تضر أحدًا، وإذا كنت كذلك لم تكره الموت متى أتاك.[فضائل الصحابة للإمام أحمد]
وصية عظيمة من العباس لابنه رضي الله عنهما، حيث أوصاه بمحبة الله جل جلاله، وكل المسلمين يُحبون الله عز وجل لكنهم يتفاوتون في تلك المحبة، وأكثرهم إيمانًا أشدهم محبة لله، قال الله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165] ومحبة الله جل جلاله إذا وفِّق العبد لها لا يعادلها شيء، ولا تماثلها لذة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إذا وجد محبة الله وجدها أحلى من كل محبة.
ولمحبة الله جل جلاله أسباب كثيرة، منها:
تقوى الله بفعل الطاعات واجتناب المعاصي والمنكرات:
قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 4].
إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم بتصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهي عنه وزجر:
قال عز وجل: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾[آل عمران: 31]
التوبة من جميع الذنوب والمعاصي:
قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ﴾ [البقرة: 222].
العدل مع كل أحد في الأقوال والأفعال والأحكام:
قال الله عز وجل: ﴿ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الحجرات: 9]
وكما أوصاه بمحبة الله عز وجل، فقد أوصاه بالخوف منه جل جلاله، والخوف من الله أصل كل خير، وما فارق الخوفُ قلبًا إلا خرب، فهو سراج القلب الذي يبصر به الخير من الشر، والنفع من الضر، وهو النار المحرقة للشهوات، وإذا حلَّ الخوف من الله الجليل في قلب العبد الضعيف، فسوف يتخلص بتوفيق الله له من أسر الشهوة، التي ملكت عليه نفسه، وأبعدته عن ربه. فالخوف من الله جل جلاله بداية اليقظة، وكم أيقظ الخوف من الله أناسًا عاشوا طول أعمارهم معرضين عن طاعة الله، منتهكين لحرماته! فكان توقُّد الخوف من الله في قلوبهم بداية يقظتهم، ومفتاح سعادتهم.
الكثيرون يقولون: أنهم يخافون الله؛ لكن العبرة بالأفعال وليس بالأقوال، فالخائف حقًا من الله من كف نفسه عن المعاصي، ولزم الطاعات، وقد قيل: ليس الخائف من بكى وعصر عينيه؛ وإنما الخائف من ترك ما يُعذب عليه.
إنَّ مما يعين على استشعار الخوف من الله جل جلاله أمور:
منها: شهود عظمته سبحانه تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67]، ومن شهد قلبه ذلك حقًّا أوجب له الخوف والخشية من الله.
ومنها: معرفة أن عقوبة الله للعاصين شديدة؛ قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾ [البروج: 12]، وأن أخذه للظالمين شديد؛ قال الله جل وعلا: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ﴾[هود: 102، 103]، فليحذر العبد من عذاب الله وعقابه؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾ [آل عمران: 28]، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي يُخوِّفكم عقابه.
• الوصية بالإيمان بالقضاء والقدر:
قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه لأبنه: يا بني، إنك لن تجد طعم حقيقية الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطاك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فقال: رب وماذا أكتب ؟ قال: اكتب مقادير كُل شيء حتى تقوم الساعة) يا بني، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مات على غير هذا فليس مني)
[سنن أبي داود، كتاب السنة، باب القدر]
وصيته معناها: الإيمان بالقضاء والقدر، قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: معنى الإيمان بالقضاء والقدر، أن تعلم أنه لن يصيبك إلا ما كتبه الله عليك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكم ليصيبك. فإذا أصابتك مصيبة مما تكره، فإنك تعلم أن هذا مكتوب في اللوح المحفوظ، ولا بد أن يقع، فتتسلى بذلك عن الجزع والسخط، وتؤمن بالله عز وجل، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، لو حرصت على طلب شيء وبذلت كل وسعك وجهدك فلن تحصل عليه، فإذا فعلت السبب وبذلت كل شيء ولم تحصل عليه، فإنك تسلم وتؤمن بالقضاء والقدر، ولا تنزعج ويكون عندك هواجس وهموم...إذا عملت هذا هان عليك الأمر.
قال العلامة السعدي رحمه الله: من فوائد الإيمان بالقضاء والقدر: أنه يوجب للعبد سكون القلب وطمأنينته وقوته وشجاعته لعلمه أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه. وأنه يسلى العبد على المصائب ويوجب له الصبر والتسليم والقناعة بما رزقه الله. قال تعالى: ﴿ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّـهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التغابن:11] قال بعض السلف: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويُسلم.
• الوصية بعدم قبول حديث رسول صلى الله عليه وسلم إلا من ثقة:
لما حضرت عقبة بن عامر رضي الله عنه الوفاة، قال لولده: يا بني، إني أنهاكم عن ثلاث...فاحتفظوا بها: لا تقبلوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من ثقة.[الطبراني في الكبير]
طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام واجبة، ولا تحصل طاعة الله عز وجل إلا بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: ﴿ مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه ﴾ [النساء:80] وتكون طاعته باتباع سنته، ومتى صح الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وجب العمل به وعدم معارضته بعقل، أو ذوق، أو رأي فلان، أو غيره
وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجد فيها الصحيح والضعيف، فيجب الأخذ بالحديث الصحيح، وترك الحديث الضعيف الذي يراه بعض العلماء من المصائب التي نزلت بالمسلمين، يقول العلامة الألباني رحمه الله يقول: من المصائب العظمى التي نزلت بالمسلمين منذ العصور الأولى انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة بينهم.
والأحاديث الضعيفة قد شاعت في عصرنا، يقول الشيخ عبدالكريم بن عبدالله الخضير: الأحاديث الضعيفة غزت كثيرًا من الكتب التي يكتبها بعض المعاصرين عن الإسلام، كما شاعت على ألسنة العديد من الخطباء والوعاظ والمتحدثين."
وقد ساعد على انتشارها وجود أجهزة الاتصالات ومواقع التواصل، فبعض الناس ما أن يصله حديث إلا وسارع بشره رغبة في الخير دون أن يتأكد منه أهو صحيح أم ضعيف، واحمد لله فقد بذل العلماء وأئمة الحديث جهودًا جبارة في تميز الصحيح من الضعيف، فليتأكد من الحديث أنه صحيح، ثم يعمل به، وينشره.
• الوصية بإحسان الوضوء:
عن عكرمة بن خالد أن سعدًا بن أبي وقَّاص رضي الله عنه، قال لابنه حين حضره الموت: يا بني....إذا أردْتَ أن تصلي فأحسِنْ وضوءك. [الطبراني في الكبير]
أوصاه رضي الله عنه بإحسان الوضوء، أي إتمام غسل جميع الأعضاء، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلًا توضأ فترك موضع ظُفر على قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ارجع فأحسن وضوءك) [أخرجه مسلم] قال العلامة العثيمين رحمه الله: هذا الحديث يدل على أنه لا بد من إتمام غسل الأعضاء.
وإسباع الوضوء له فضائل، منها ما ورد في الحديث من فتح أبواب الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحدٍ يتوضأ فيسبغُ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبد الله ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخُلُ من أيها شاء) [أخرجه مسلم] قال الإمام النووي رحمه الله: أي: يتمه ويكمله، فيوصله مواضعه على الوجه المسنون.
قال العلامة العثيمين رحمه الله: ومعنى فتح أبواب الجنة الثمانية: أنه تيسير له أعمال هذه الأبواب فتيسر له الصلاة والصيام، والصدقة والجهاد، وغير ذلك من الأبواب
ومنها: ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء عند المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة ...) قال القاضي عياض رحمه الله: محو الخطايا كناية عن غفرانها، ويحتمل محوها من كتاب الحفظة، ويكون دليلًا على غفرانها، ورفع الدرجات إعلاء المنازل في الجنة. وقوله: (إسباغ الوضوء على المكاره) أي: ايعابُه، والمكاره من شدة ألم جسم ونحوه.
• الوصية بالخشوع في الصلاة
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه لابنه: يا بني، إذا صليت صلاة، فصل صلاة مودع، لا تظن أنك تعود إليها أبدًا.[الزهد، للإمام أحمد بن حنبل]
ومن صلى صلاة مودع صلى الصلاة بخشوع، والخشوع في الصلاة يكون بحضور القلب وسكون الجوارح، قال العلامة السعدي رحمه الله: الخشوع في الصلاة هو: حضور القلب بين يدى الله تعالى، مستحضرًا لقربه، فيسكن لذلك قلبه، وتطمئن نفسه، وتسكن حركاته ويقل التفاته، متأدبًا بين يدي ربه، مستحضرًا جميع ما يقوله ويفعله في صلاته، من أول صلاته إلى آخرها، فتنتفى بذلك الوساوس والأفكار الرديئة، وهذا روح الصلاة، والمقصود منها.
قال العلامة العثيمين رحمه الله: أما ما يعين على الخشوع، فهو أن الإنسان يُفرغُ قلبه إذا أقبل على الصلاة تفريغًا كاملًا، ويشعرُ بأنه واقف بين يدي الله عز وجل، وأن الله عز وجل يعلم ما في قلبه، كما يعلم تحرُّكاته في بدنه، ليس كالملوك؛ إذ يُمكن أن تقف أمام ملك الدنيا مُتأدبًا بظاهرك وقلبك في كُلِّ مكان وهو لا يعلم، لكن الله عز وجل يعلم ظاهرك وباطنك، فاستحضر أنك بين يدي الله، وإذا قُلت: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[الفاتحة: 2]استحضر أن الله يجيبك فمن أكبر العون على الخشوع ما يلي
أولًا: أن يعتقد الإنسانُ أنه واقف بين يدي ربه.
ثانيًا: أن يعتقد أن الخشوع من كمال الصلاة، وأن الإنسان ربما ينصرف من صلاته، وما كُتِب له منها إلا نصفها أو ربعها أو عشرها
ثالثًا: أن يعتقد كثرة الثواب بالخشوع
ومن صلى بخشوع كان لصلاته تأثير عليه، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ليس من كانت الصلاة ربيعًا لقلبه، وحياةً له وراحةً، وقرةً لعينه، وجلاءً لحزنه، وذهابًا لهمِّه وغمِّه، ومَفزعًا له يلجأ إليه في نوائبه ونوازله كمن هي سُحت لقلبه، وقيد لجوارحه، وتكليف له، وثِقَلٌ عليه، فهي كبيرة على هذا، وقرة عين وراحة لذلك؛ قال تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة45، 46]
فإنما كبرت على غير هؤلاء لخلوِّ قلوبهم من محبة الله تعالى وتكبيره وتعظيمه والخشوع له، وقلة رغبتهم فيه، فإن حضور العبد في الصلاة، وخشوعه فيها، وتكميله لها، واستفراغه وسعه في إقامتها وإتمامها على قدر رغبته في الله. وليس حظ القلب العامر بمحبة الله وخشيته والرغبة فيه وإجلاله وتعظيمه من الصلاة، كحظ القلب الخالي الخراب من ذلك، فإذا وقف الاثنان بين يدي الله في الصلاة، وقف هذا بقلبٍ مُخبتٍ له، خاشع له، قريب منه، قد امتلأت أرجاؤه بالهيبة، فاجتمع همُّه على الله، وقرَّت عينه به، وأحسَّه بقُربه من الله قربًا لا نظير له، ففرَّغ قلبه له، وأقبل عليه بكُليته.
قال العلامة العثيمين رحمه الله: كثير من المصلين إذا صلوا، إنما يصلونها - نسأل الله لنا ولهم العفو والعافية - كعمل روتيني...فلا تكاد تجد عندهم خضوعًا، ولا خشوعًا، ولا ذُلًّا بين يدي الله عز وجل، ولا استحضارًا لما يقولون في صلاتهم، ولا استحضارًا لما يفعلون، فلهذا يخرجون من الصلاة لم يستفيدوا منها شيئًا، لم يحصل لقلوبهم نور، ولم يحصل لإيمانهم زيادة، ولم يحصل منهم انتهاء عن الفحشاء والمنكر، كل ذلك لأنهم يصلون صلاة جسد بلا روح، ولو أنهم أعطوا الصلاة حقَّها من الخشوع، وحضور القلب،...وشعور الإنسان بأنه واقف بين يدي ربه - لكان أحبَّ الصلاة وألِفها.
• الوصية بالتحلي بمكارم الأخلاق
** قال سعيد بن العاص رضي الله عنه: يا بني، إن المكارم لو كانت سهلة يسيرة لسابقكم إليها اللئام، ولكنها كريهة مرة، لا يصبر عليها إلا من عرف فضلها، ورجا ثوابها. [مكارم الأخلاق، للحافظ ابن أبي الدنيا ]
أوصى الصحابي سعيد بن العاص رضي الله عنه ابنه: بمكارم الأخلاق، ومن رزقه الله عز وجل ابنًا جامعًا لمكارم الأخلاق فقد رحمه، قال العلامة السعدي رحمه الله: من رحمة الله بعبده أن يرزقه ولدًا صالحًا، جامعًا لمكارم الأخلاق، ومحامد الشيم.
مكارم الأخلاق كثيرة، يجمعها ما جاء في قوله عز وجل: ﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ﴾ [النحل:90] قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: قالت العلماء: إنها أجمع آية للبر والفضل ومكارم الأخلاق.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع الله عز وجل له مكارم الأخلاق، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وإنك لعلى خُلُق عظيم ﴾ [القلم:4] وقد جمع الله له مكارم الأخلاق في قوله: ﴿ خُذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ﴾ [الأعراف:199]
ومن مكارم الأخلاق، ما ذكره الإمام ابن حبان رحمه الله في كتابه " روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" فقد قال: وأول تمكن المرء من مكارم الأخلاق هو لزوم العقل:
إن المكارم أبـواب مصنفة فالعقلُ أولُها والصـمتُ ثانيها
والعلمُ ثالثها والحلمُ رابـعها والجودُ خامسها والصدقُ ساديها
والصبر سابعها والشكر ثامنها واللين تاسعها والصدق عاشيها
ومن مكارم الأخلاق التي أوصى بها الصحابة أبنائهم:
القناعة:
قال سعد بن أبي وقاص لابنه عمر، رضي الله عنهما: يا بني، إذا طلبت الغنى فاطلُبه بالقناعة، فإن لم تكن لك قناعة فليس يغنيك مال.[عيون الأخبار، ابن قتيبة]
وقال لابنه حين حضره الموت: "يا بني،...إيَّاك والطمع؛ فإنه فقر حاضرٌ، وعليك باليأس؛ فإنه الغنى. [أخرجه الطبراني في الكبير].
حفظ الأسرار، وحفظ اللسان:
قال العباس بن عبدالمطلب لابنه عبدالله رضي الله عنهما: يا بني، إن أمير المؤمنين، يعنى عمر بن الخطاب، يدنيك، فاحفظ عني ثلاثًا: لا تُفشين له سرًا، ولا تغتابن عنده أحدًا، ولا يطلعن منك على كذبة.[الآداب الشرعية، الإمام ابن مفلح المقدسي]
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: يا بني املك عليك لسانك[الزهد للإمام أحمد]
الصبر على ما يكره الإنسان:
أوصى عمرو بن حبيب بنيه فقال: أي بني، من يصبر على ما يكره، يُدرك ما يحب. [الزهد، للإمام أحمد]
تجنب المزاح:
قال سعيد بن العاص لابنه: يا بني، لا تمازح الشريف، فيحقد عليك، ولا تمازح الدنيء فيجترئ عليك. [تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي]
ومن تحلى بمكارم الأخلاق لم يحتج أن يعتذر عن قول أو عمل، وهذا ما وصى به الصحابة أبنائهم، فعن عكرمة بن خالد أن سعدًا بن أبي وقَّاص رضي الله عنه، قال لابنه: يا بني....إياك وما يُعتذَر منه من العمل والقول.[الطبراني في الكبير].
• الوصية بتهوين ما أهمّهم وأحزنهم:
قالت أم رومان لابنتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، في حادثة الإفك: يا بنية هوِّني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يُحبها، ولها ضرائر، إلا أكثرن عليها؛ [متفق عليه]
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وهذا الكلام من فطنة أمها وحُسن تأنِّيها في تربيتها بما لا مزيد عليه، فإنها علمت أن ذلك يَعظُم عليها، فهوَّنت عليها الأمر بإعلامها بأنها لم تنفرد بذلك؛ لأن المرء يتأسى بغيره فيما يقع له، وأدمجت في ذلك ما تُطيِّب به خاطرها من أنها فائقة في الجمال والحظوة، وذلك مما يعجب المرأة أن توصَف به."
فمن نزل به أمر أهمّه وأحزنه، فعليه أن يهون الأمر عليه، وأن يطمئن، وأن يسكن روعه، فالإسلام بأحكامه وتشريعاته يراعي إدخال السرور على المسلم، وبعده عن الأحزان، قال الله عز وجل: ﴿ تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّـهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ﴾ [الأحزاب:51] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَحْزَنَّ ﴾ أي: لا يدخلهن الحزن والغم مما مضى
وقال الله عز وجل: ﴿ وَلا يَحزُنكَ قَولُهُم إِنَّ العِزَّةَ لِلَّـهِ جَميعًا هُوَ السَّميعُ العَليمُ﴾ [يونس:65] قال الإمام ابن عطية الأندلسي رحمه الله: هذه آية تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى ولا يحزنك يا محمد ويهمك قولهم.
وقال الإمام لشوكاني: قوله: : ﴿ وَلا يَحزُنكَ قَولُهُم ﴾ نهي للنبي صلى الله عليه وسلم عن الحزن من قول الكفار المتضمن للطعن فيه وتكذيبه والقدح في دينه
• الوصية بترك الاستدانة:
لما حضرت عقبة بن عامر رضي الله عنه الوفاة، قال لولده: يا بني، إني أنهاكم عن ثلاث...فاحتفظوا بها: لا تدينوا، ولو لبستم العباء[الطبراني في الكبير]
وصية عظيمة من الصحابي عقبة بن عامر رضي الله عنه، لبنيه باجتناب الدَّين، ولو اضطروا إلى لبس " العباء" وهو نوع من اللباس مفتوح من الإمام، فالدّين له آفات، والإنسان في سلامة وعافية وراحة، ما دام لم يحمل نفسه الديون، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله منه، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في صلاته: ( اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم ) فقال قائل : ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المأثم والمغرم قال: ( إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف) [متفق عليه] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: يحتمل أن يراد بالاستعاذة من الدين الاستعاذة من الاحتياج إليه، حتى لا يقع في هذه الغوائل، أو من عدم القدرة على وفائه حتى لا تبقى تبعته.
فالحذر من الدَّين فقد يستدين العبد ثم لا يستطيع الوفاء، فخطر الدّين عظيم، فعن ابن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( القتل في سبيل الله يُكفر كل خطيئة إلا الدَّين ) [أخرجه مسلم]
ومن اضطر للدَّين، فليستعن بالله على قضائه، وهذا ما أوصى به عبدالله بن الزبير رضي الله عنه، ابنه قال: دعاني الزبير...فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بني، إن عجزت عن شيء منه، فاستعن عليه مولاي، قال: فوالله ما دريت ما أراد حتى قلتُ: يا أبَتِ، من مولاك؟ قال: الله، قال: فوالله ما وقعت في كربةٍ من دينه إلا قلتُ: يا مولى الزبير اقْضِ عنه دَيْنَه فيقضيه. [أخرجه البخاري].
• الوصية بالصبر على جور الأئمة:
قال عمرو بن العاص لابنه رضي الله عنهما: يا بني احفظ عني ما أُوصيك به:...إمام ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم.[الآداب الشرعية، الإمام ابن مفلح المقدسي]
وصية عظيمة من الصحابي عمرو بن العاص لابنه، رضي الله عنهما، بالصبر على ظلم الأئمة، وإن ذلك خير من الفتنة التي إذا قامت دامت. لذا لا بد من الصبر.
ومن منهج أهل السنة والجماعة: أنهم لا يرون الخروج على ولاة المسلمين وإن ظلموا، قال الإمام الطحاوي في العقيدة الطحاوية: ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا، وإن جاروا. قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: هذه مسألة عظيمة، فمن أصول أهل السنة والجماعة: أنهم لا يرون الخروج على ولاة المسلمين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾[النساء:59] وقال عليه الصلاة والسلام: (من يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني.) فلا يجوز الخروج عليهم، ولو كانوا فساقًا لأنهم انعقدت بيعتهم، وثبتت ولايتهم.
وفي الخروج على الأئمة الكثير من المفاسد التي ذكرها أهل العلم: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان، إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: فنهى عن قتال الأمراء والخروج على الأئمة وإن ظلموا وجاروا، ما أقاموا الصلاة سدًا لذريعة الفساد العظيم، والشر الكبير بقتالهم، كما هو الواقع، فإنه حصل بسبب قتالهم والخروج عليهم من الشرور أضعاف ما هم عليه، والأمة في بقايا تلك الشرور إلى الآن.
وقال العلامة العثيمين رحمه الله: تدبروا التاريخ من أوله إلى آخره، وانظروا ماذا حصل من الفتن والبلاء وتمزق الأُمة بسبب الخروج على الأئمة، فالأمةُ الإسلاميةُ كانت تحت رايةٍ واحدة، وتمزقت بالخروج بعضها على بعض حتى تفرقت الأمة...اقرءوا التاريخ في الماضي...ماذا حصل في القيام على الحكام من البلاء والشرِّ واستحلال الدماء، وانتهاك الأعراض المسلمة، واستحلال الدماء والأموال.
وقال رحمه الله: اقرأ التاريخ من حين حصل الاختلاف على الأئمة إلى يومنا هذا تجد الشرور والفساد كله في الخروج على ولاة الأمور، ماذا حصل من قتل عثمان رضي الله عنه؟ ومن قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟ ومن...قُتل من بقية الخلفاء؟ حصل الشر والفساد حتى أولئك السفهاء الذين خرجوا على ولاتهم، واستحلوا كراسيهم وسمّوها ثورة وما أشبه ذلك، ما ذا حصل منهم ؟ هل أصلحوا على الوضع؟ أبدًا، بل إن المتأمل يجد أن الوضع الذي كان في السابق خير مما هو عليه الآن. كل ذلك بسبب الخروج عن طاعة الله ورسوله فلو أن هؤلاء أطاعوا الله ورسوله في الصبر على ولاة الأمور، وطاعتهم في غير معصية الله، لرأوا خيرًا كثيرًا.
وقال: الإنسان يجب عليه أن يتأمل قبل أن يقدم ما هي النتيجة وما هي الفائدة، والأحداث تشهد أن أولئك الذين خرجوا على أئمتهم بُحجة أنهم يريدون أن ينتصروا للإسلام وأن أئمتهم على الضلال والكفر نرى أن الحال تنعكس وتكون أسوأ بكثير مما سبق. وتأملوا الآن كل البلاد التي حصلت فيها ثورات يتمنى شعوبها الآن أنهم كانوا على الحال الأولى السابقة يتمنون هذا بكل قلوبهم ولكن هذا لا يحصل.
وقال رحمه الله: علينا أن نفكر وننظر إلى كل البلاد التي حصلت فيها الثورة ما ازدادت بعد الثورة إلا شرًا في دينها ودُنياها.
• الوصية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على ما يجد من أذى:
أوصى عمرو بن حبيب بنيه فقال: أي بني إذا أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر، فليوطن نفسه قبل ذلك على الأذى، وليوقن بالثواب من الله عز وجل، فإنه من يوقن بالثواب من الله عز وجل لا يجد مس الأذى.[الزهد، للإمام أحمد]
للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منزلة كبيرة في دين الإسلام، وهو فرض كفاية، يقول الله تعالى: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون﴾ [آل عمران:104] وقال تعالى: ﴿ كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر﴾ [آل عمران:110]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والجلوس في الطرقات) قالوا: ما لنا بدّ، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: (فإذا أبيتم إلا ذلك، فأعطوا الطريق حقها) قالوا: وما حق الطريق ؟ قال: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) قال الإمام النووي رحمه الله: القيام بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، أجمع العلماء على أنه فرض كفاية، فإن خاف من ذلك على نفسه، أو ماله، أو على غيره، سقط الانكار بيده، ولسانه، ووجبت كراهته بقلبه
وإذا عطل الأمر بالمعروف استشرى الفساد، قال الإمام ابن حزم رحمه الله: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لو طوى بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، وخربت البلاد، وهلك العباد، فإنا لله وإنا إليه راجعون، إذ قد اندرس من هذا القطب عمله وعلمه، وانمحق بالكلية حقيقته ورسمه، فاستولت على القلوب مداهنة الخلق وانمحت عنها مراقبة الخالق، واسترسل الناس في اتباع الهوى والشهوات
ومما يحفظ به الله عز وجل العباد أن تصيبهم المصائب المتنوعة: قيامهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، روى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه قال في خطبة خطبها: أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية وتؤولونها على خلاف تأويلها، ﴿يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم﴾ [المائدة:105] وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من قوم عملوا بالمعاصي، وفيهم من يقدر أن ينكر عليهم، فلم يفعل إلا يوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم سلطانًا ظالمًا، لا يجل كبيركم، ولا يرحم صغيركم، ويدعو عليه خياركم فلا يستجاب لهم، وتستنصرون فلا تنصرون، وتستغفرون فلا يغفر لكم.
وقال بلال بن سعيد: إن المعصية إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها، فإذا أعلنت ولم تغير أضرت العامة.
لقد أوصى الصحابي عمرو بن حبيب رضي الله عنه بنيه بالصبر على الأذى عند قيامهم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، قال الله عز وجل: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور﴾ [لقمان:17] نقل عن سيد العباد بعد الصحابة أويس القرني أنه قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدعا للمؤمن صديقًا نأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنًا ويجدون على ذلك أعوانًا من الفاسقين حتى والله لقد رموني بالعظائم وأيم الله لا أدع أقوم فيهم بحقه.
ومن تركه وهو قادر عليه فهو من ميت الأحياء، سئل حذيفة رضي الله عنه عن ميت الأحياء، فقال: الذي لا ينكر المنكر بيده، ولا بلسانه، ولا بقلبه.
• الوصية بالحذر من مجالسة رفاق السوء:
أوصى عمرو بن حبيب بنيه فقال: أي بني، إياكم ومجالسة السفهاء، فإن مجالستهم داء.[الزهد، للإمام أحمد]
من أخطر الأشياء على الأبناء: رفاق السوء الذين يزينون لهم كل شر وفساد، ولذا حذر الصحابي عمرو بن حبيب رضي الله عنه، بنيه من مجالستهم، وأن ذلك داء.
وقد أوصى العلماء الآباء بحفظ أبنائهم من رفاق السوء، قال الإمام الغزالي رحمه الله: ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا فلأن يصونه عن نار الآخرة أولى، وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قرناء السوء....وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء.
والانبساط إلى الناس قد يجلب للإنسان رفاق السوء، قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة، والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء، فكن بين المنقبض والمنبسط. وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: فأما ما تؤثره كثرة الخلطة، فامتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم حتى يسودَّ، ويوجب له تشتتًا وتفرقًا، وهمًا وغمًا وضعفًا، وحملًا لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء،...هذا وكم جلبت خلطة الناس من نقمة، ودفعت من نعمة، وأنزلت من محنة، وعطَّلت من منحة، وأحلت من رزية، وأوقعت في بلية، وهل آفة الناس إلا الناس، وهل كان على أبي طالب عند الوفاة أضرُّ من قرناء السوء؟
لم يزالوا به حتى حالوا بينه وبين كلمةٍ واحدةٍ توجب له سعادة الأبد.
فليحرص العبد على الجلساء الصالحين، فإن لم يجدهم فالوحدة خير له، قال أبو ذر رضي الله عنه: الوحدة خير من جليس السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة.
• الوصية بعدم الاشتغال بالشعر الذي يلهي ويشغل:
لما حضرت عقبة بن عامر رضي الله عنه الوفاة، قال لولده: يا بني، إني أنهاكم عن ثلاث...فاحتفظوا بها: لا تكتبوا شعرًا، فتشغلوا به قلوبكم عن القرآن.[الطبراني في الكبير]
الشعر كلامه حسنه حسن، وقبيحه قبيح، فينبغي الحذر من القبيح منه فهو من تلبيس الشيطان على الإنسان، قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: الشعراء...تراهم يهيمون في كل واد من الكذب والقذف والهجاء...والإقرار بالفواحش...وترى خلقًا من الشعراء وأهل الأدب لا يتحاشون عن...الذب في المدح خارجًا عن الحد.
وإنشاء الشعر إذا لم يكن فيه كلام مستكره فمباح، لكن الانشغال به مذموم، فوقت المسلم ثمين فينبغي ألا يشغله إلا بكل نافع قال الإمام الغزالي رحمه الله: سئل بعضهم عن شيء من الشعر فقال: اجعل مكان هذا ذكرًا فإن ذكر الله خير من الشعر.
والانشغال بإنشاء الشعر والاستماع إليه قد يشغل الإنسان عما هو أنفع له، وبعض السلف كان يعاقب على هذا، فعن محمد بن نافع قال: أقبلنا مع هرم بن حيان من خرسان، حتى إذا كنا في بعض الطريق تمثلت ليلة سحر ببيت من الشعر، قال: فرفع هرم عليَّ السوط فجلدني جلدة على الظهر التويت منها. وقال لي: أفي هذه الساعة التي ينزل فيها الرحمن، ويستجاب فيها الدعاء، تتمثل بالشعر.
فلا ينبغي أن يأخذ الشعر المباح جزءًا كبيرًا من وقت المسلم، قال العلامة السعدي رحمه الله: الذي لا ينبغي كون الإنسان يتصدر لعمل الشعر، ويأخذ جزءًا كبيرًا من وقته وقلبه، أما إذا عرض له أحيانًا البيتان والثلاثة ونحوهما في بعض المواضيع الحسنة أو المباحة، فلا محذور في ذلك، وما زال أهل العلم على هذا، والذم لا يتناول هذا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد