فوائد من كتاب سألت أبي الإمام الألباني


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

من رحمة الله عز وجل بعباده أن علم الأنبياء لا يذهب بموتهم، بل هو باقي فهو إرثهم، فالأنبياء _ عليهم الصلاة والسلام _ لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، والعلماء هم ورثة الأنبياء في هذا الإرث، فينبغي للمسلمين أن يعرفوا مكانة العلماء، وأن يأخذوا عنهم العلم ما داموا أحياء، فالعلم يقبض بموتهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يقبضُ العلمَ، انتزعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبضُ العلمَ بقبضِ العلماءِ...)) الحديث، أخرجه الإمام البخاري. فالموفق السعيد من نهل من علمهم في حياتهم، فهم نور يستضيء به الناس في أمور دينهم ودنياهم.

من العلماء المتأخرين العلامة الألباني رحمه الله، فالشيخ له جهود كبيرة في نشر العلم، من أبرزها تميز السنة النبوية الصحيحة من الضعيفة، من خلال كتبه الكثيرة.

والشيخ رحمه الله تعالى، كتب عنه كثيرون من طلابه وغيرهم، وقد قامت ابنة الشيخ: سُكينة، حفظها الله، بإخراج كتاب عن والدها وسمته بـــــــــــ " سألت أبي الإمام العالم محمد بن ناصر الدين بن نوح الألباني". حيث قامت بسؤال والدها رحمه الله عن مسائل وأخرجتها في ذلك الكتاب.

وقد جاء في مقدمة الكتاب لابنة الشيخ، قولها:

** جمعتُ هذه الفتاوى أغلبها من دفاتري، وبعضها من أشرطة تسجيل خاصة بي، وأقلها من ذاكرتي، وأقل القليل من رسالة كتبتها ليفيدني _ رحمه الله _ عن صحة بعض الأحاديث.

** كنت _ بفضل الله _ أكتب غالب ما أسمعه من أبي ولو خلاصته، وكان القلم والدفتر صاحبيّ في لقاءاتي به، بل كان يقول لي _ أحيانًا _ إشارة أنه مستعد الآن لأسئلتي: أين كتابك ؟ عجبي كيف سماه كتابًا، وهو مجرد دفتر.

كما كنتُ أُسجلُ بعض مجالس هذه الأسئلة بمسجلتي الصغيرة.

** هذا المنشور هو بعض أسئلتي، ومن مجالات التبعيض: أني لم ودعه كثيرًا مما سألتُه إياه عن درجة بعض الأحاديث، خشية الإطالة بما قد يستغني خاصة الآن بعد طبع المزيد من كُتُبه وتحقيقاته.

** البعض القليل من هذه الأسئلة، كان من أحد الأهل أو المعارف، وأنا حاضرة حال السؤال والجواب.

** هذه الأسئلة هي جمع لما سألته _ رحمه الله _ على مدى نحو عشر سنوات.

** ليعذر القارئُ في الكتابة التعثر، وفي الإصدار التأخر، فأسئلتي لما سألته إياها، ولما سجلت بعضها، ولما كتبتُ بعضها الآخر، ولما خططت تيك الرسالة، لم يكن في نيتي أن تُنشر ألبتة، ولم يخطر ذا ببالي قطّ، بكل ما تعنيه كلمتا ألبتة وقطّ ! ولم يجُل هذا في خلدي يومًا، حتى ذكرت ذلك _ عرضًا _ لبعض الصديقات وذلك بعد وفاته ببعض سنين، فكان اللوم على عدم النشر، والوصف بأنه ضنّ بعلمه ! ولو لم يكن إلا كلمة من كلماته.

** توصيات لأخواتي بنات العلماء:

لا تُقصّرن في الكتابة تقصيري، ولا تُطلن زمن إخراج العلوم تطويلي.

والكتاب فيه العديد من الفوائد الكثيرة، والمتنوعة، اخترت بعضًا منها، أسأل الله الكريم أن ينفع الجميع بها.

 

مواقف من حياة الشيخ

إيقاظ الشيخ لأهل بيته لصلاة الفجر

تقول ابنته حفظها الله: أذكر إيقاظه لأهل البيت لصلاة الفجر.

حرص الشيخ على اتخاذ سترة للصلاة:

كان رحمه الله حريصًا جدًا على اتخاذ سترة للصلاة، ولم يكن يكتفي بوجود شيء ما أمامه، بل لا بد أن يكون الشيء متصلًا بالأرض، بمعنى لو كانت السترة كرسيًا، فإنه يتجه نحو قائمة الكرسي، لا الفراغ بين القوائم.

الحرص على إلقاء السلام عند كل دخول وخروج:

كان الوالد رحمه الله، حريصًا على إلقاء السلام عند كل دخول وخروج، موصيًا بذلك كل من في البيت، وفي حكم ذلك: الاتصال الهاتفي، فيحرص على إلقاء السلام في إنهاء المكالمة، وينبه عليه، كما يحرص على ذلك في افتتاح المكالمة.

دعاء الشيخ لمن سترت وجهها:

بلغتني حسانة _ وفقها الله _ ترضي والدنا _ رحمه الله _ عنها، لما رآها ساترة لوجهها، وهم خارجون من البيت.

التصدق بخاتم ذهب:

حكت لي أمي _ حفظها الله _ أنها خلال عملها في تنظيف الدجاج _ الذي تولت هي ذبحه _ ذات يوم، وجدت في أمعاء دجاجةٍ خاتمًا من ذهب، فأخبرت أبي _ رحمه الله _ بذلك، فأخذه وباعه، وتصدق بثمنه، وحصل هذا مرة أخرى بقطعة ذهب (تعليقة ) فكان التصرف نفسه.

 

شراء الشيخ كتابه ممن استعاره منه:

حدثتني أمي _ حفظها الله _ عن أبي _ رحمه الله _ أنه قال: اشتريت أحد الكتب مرتين ! واختصار القصة أنه اشترى كتابًا فأودعه رفوف مكتبة بيته، ثم أعاره أحدهم، ولم يُرجع إليه الكتاب، ولما طالبه أنكره، ثم رآه بيده بعد مدة، فذكره به فجحد، مع أن أبي أعطاه علامات علّم عليها في كتابه، إذ قال الرجل المستعير: هكذا اشتريته !، وأخيرا انتهى الأمر إلى أن اشترى أبي كتابه من هذا المستعير !.

الشيخ يأبى أن يقبل أحد يده:

معلوم أن الوالد _ رحمه الله _ إباؤه أن يُقبّل أحد يده، والذي سأضيفه أن هذا معنا أيضًا، ذريته ! رحمه الله.

جواب لا يعجب الشيخ:

أخبرني عبد المصور [ ابن الشيخ ] أن الوالد _ رحمه الله _ كان لا يعجبه جواب الرجل إذا سُئل عن حال عياله الصغار: " يسلَّمون عليك، ويقبلون يديك " ونحوها، ويرى أن في هذا مبالغة وكذبًا.

تفرغ الشيخ للعبادة في مرضه:

الآن تفرغت لعبادات أكثر مما مضى من عمري: التسبيح والتحميد، قالها أبي مبتسمًا، ونحن حوله في جلسة عائلية، مع نسمات ليلية صيفية في شرفة بيته، وكان ذلك في آخر عامٍ من عمره لما منعه المرض من دخول مكتبته الحبيبة، وحيل بينه وبين الانكباب على الكتب، فوجد في الوقت بحبوبة اغتنمها في ذكر ربه جل جلاله، أسأل الله الرحمن الرحيم أن يرحمه، وأن يتقبل منه عِلمه وعمله، آمين.

 

فوائد تربوية

سعة صدر الشيخ لأسئلة ابنته:

تقول ابنته حفظها الله: جزى الله أبي خيرًا، صبرًا على أسئلتي الصغيرة، فلا أذكر أنه أذال من أسئلتي سؤالًا، أو أنه ذم استشكالًا، بل كلُّ ما عرضته عليه من الخطير واليسير، كان عنده محل عناية، وقمينًا بالرعاية والهداية، فجزاه الله أطيب الجزاء، بل بعض إجابته لي كانت في أيام مرضه الأخير، وهو مُستلقٍ على السرير، على شقه الأيمن أو الأيسر، وأنا جاثية أرضًا، وجهي مقابل وجهه، رحمه الله من وجه حبيب.

وتقول: كنّا جلوس حوله يومًا ومضى وقت بعد راحة الطعام فقال لي ما عندك أسئلة ؟ وأنا ما كنت قد حضّرت، فأخذتُ أقلّب في أوراق دفتري، أبحث عن سؤال ليس عليه علامة تمّ الجواب في غمرة ذلك قال أبي: التاجر إذا أفلس ،رجع لأوراقه القديمة

لكني أبشركم وجدت أسئلة تنتظر فكّ وثاقها، وأخذ يجيبني عليه، رحمه الله، وبحبوحة الجنة حباه.

وتقول: اتصلت به يومًا لأسأله، وصدرت ذلك بقولي: لديّ أسئلة، إذا كان عندك وقتك يا أبت. فقال لي: ولو لم يكن عندي وقت، أُوجد لكِ وقتًا.

رحمه الله، وجزاه خير الجزاء.

توجيه الشيخ لابنته أن تكتب بخط كبير:

تقول ابنته حفظها الله: رآني وأنا أكتب جوابه عن أحد أسئلتي بخطي الصغير، فقال: كان معلمنا لما يرانا نكتب كتابتك هذه يقول: " لا تقرمط الخط قرمطة " يعني: لا تصغره، لأنه سيأتيك زمان _ إن شاء الله يكون عمرك مباركًا _ ستضعين نظارة مكبرة جدًا، لقراءة هذا الخط المقرمط.

 

ملاطفة الشيخ لابنته أثناء إجابته على أسئلتها:

** يقول الشيخ رحمه الله لابنته: يابي.

[قالت ابنة الشيخ في الحاشية: "يابي"، أي، يا أبي، كلمة شامية يخاطب بها الأب ابنته أو أبنه، والعكس.]

** تقول ابنته في موقف: ضحك أبي هنا، رحمه الله.

وتقول في ثاني: ضحك رحمه الله.

وتقول في ثالث: ضحك _ أيضًا _ثم قال:...

** يقول الشيخ لابنته: جوابك، يا بنيتي.

ويقول لها في رسالة مكتوبة: إلي ابنتي الكريمة....

تأكد الشيخ من فهم ابنته:

يقول الشيخ لابنته: مفهوم إلى هنا ؟

اختلاف إجابة ابنته حسب فهمها:

ففي مواقف تقول: مفهوم يا أبتِ مفهوم،.... تماما يا أبت، وضح لي تمامًا.

وفي ثانية تقول: نعم، الآن فهمت. نعم مفهوم يا أبتِ.

وفي ثالثة تقول: لم أفهم يا أبتِ،....لا أعرف، يا أُبه.

وفي رابعة: مفهوم يا أبي، ولكني عندي تعليق يسير على قولكم.

مخاطبة ابنه الشيخ لوالدها بعبارات جميلة:

تخاطب ابنة الشيخ والدها رحمه الله في رسالة مكتوبة فتقول: والدي الحبيب، حفظك ربي ورعاك، وبارك في حثيث خطاك، وبلغك في الدارين مناك.

 

تعجب ابنة الشيخ من كلام لوالدها:

تقول ابنته حفظها الله: استدل مرة خلال كلامه بأحاديث نبوية، منها حديث لم يسبق أن ورد على سمعي، فقلتُ مستغربة: وهل هذا الحديث صحيح ؟! فضحك وقال: أم ماذا ؟!

وتقول في موقف آخر: معقول ؟!

ويجيب الشيخ رحمه الله: معقول....

دعاء الشيخ لابنته:

يقول الشيخ لابنته: يا بنيتي!، الله يهديكِ.

أمور تعلمتها ابنة الشيخ حفظها الله من والدها رحمه الله

** العناية بتحسين تلاوة القرآن الكريم، وإن إبحار الطالب في علم الحديث ينعكس على تلاوته بالجودة، وفصاحة الحروف، وإتقان أحكام الترتيل.

** الحرص على الصلاة جماعة، وكان يفضل لنا _ نحن نساء بيته _ أن نصلي جماعة بإمامة إحدانا، عن أن نصلى فرادى.

** منه تعلمت الحرصَ على سنة الاستعاذة الأكمل (أعوذ بالله الشيطان الرجيم، من حمزه، ونفخه، ونفثه.)

** سنة البدء باليمين في الضيافة، وفي توزيع ما يُعطى الجلوس: أهلًا أو ضيوفًا، كبيرًا كان الأيمن أو صغيرًا، ذكرًا أو أنثى.

** وكان رحمه الله يحث على الستر والحشمة حتى للصغيرات، في سن الطفولة، ومن دقائق ذلك حثّهُ على لبس السراويل الطويل تحت الثوب، وإن كان طويلًا، وذلك للصغيرات والكبيرات، ولو داخل المنزل بين العائلة.

** لباس المرأة أمام المحارم والنساء المسلمات ينبغي أن يكون فضفاضًا بلا حزام، فالثوب الذي يحيط بخصر المرأة ضيقًا، أو كان فضفاضًا، ولكن معه حزام يشد على خصر المرأة لا يجوز، وذلك أن الذي يجوز كشفه هو مواضع الزينة، ومواضع الوضوء، والخصر لا من هذا ولا من ذاك، والاستدلال بقصة " ذات النطاقين " لا يستقيم، لأنها كانت قبل نزول آيات الزينة والحجاب، ولأن وصف النطاق الذي ذكره العلماء مختلف عما تفعله النساء اليوم من شدّ الوسط المحجّم لما فوقه، ولما تحته

** وتعلمت منه _ رحمه الله _ ثم من الأسرة تبعًا له، الحرص على اجتناب شراء أو لبس الملابس التي عليها صورة ذي روح، مطبوعة أو مطرزة أو غيره، وهذا أكثر ما يكون منتشرًا في ملابس الأطفال، من المنتوجات الجاهزة.

** الحرص على طمس صور ذوات الأرواح فلم تكن لتظهر في بيته حتى التي تدخل للحاجة أو الضرورة.

وختامًا فيوجد في بيوت بعض المسلمين كنوز تتمثل في علماء يبذلون أعمارهم لتعليم الناس العلم، ينبغي لأقرب الناس إليهم من أبناء وأحفاد وغيرهم أن يستفيدوا من علومهم، وأن يكتبوها، وأن لا يفرطوا في ذلك، تقول ابنة الشيخ حفظها الله: ولئن كان هذا الكتاب نقطة من بحر أبي رحمه الله، وشعور الأسف على التفريط في تدوين آلاف القطرات لا ينفك عني، فإني أُعزي النفس بأن لعله مجرد محفز لكتب الأخوات بنات العلماء، تشجيعًا لهن على نشر علوم أفاضل الآباء.

فلعل أبناء وبنات وأحفاد وأقارب العلماء يقومون بتدوين سيرهم، فهم ألصق الناس بهم، مما يجعلهم يطلعون على أمور لا يطلع عليها ممن يكتب سير العلماء من غيرهم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply