المزاج التربوي في العلم


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

يكاد يتفق الجميع أن أوساطنا العلمية بها من التشوهات الأخلاقية ما لا يصلحه إلا بعثُ نبي، وهذا الأمر منشؤه تغيير منزلة الأخلاق وجعلها وحدة منفصلة عن العلم.

الأخلاق روح العلم؛ كلام جميل، ولكن كيف تكون روحه ونحن نتحدث عن الأخلاق في دروس منفصلة، وننحي الجسد عن الروح.

نحن نتحدث عن "قيم الخلاف" بحديث حالم خارج منظومة العلم، شيءٌ إضافي للتزيين، نكثر من ذكر أمثلة على مواقف حصلت دون أن نعرف المسألة التي اختلفوا بها لنرى متى يسوغ الخلاف، ومتى يحرم، محصولنا عن الخلاف وأخلاقياته حزمة إنشائيات نحفظها، لا تصمد حين تهب معارك الأفكار.

أحب أن ننصف دون أن نقدم بسطرين أن" هذا من باب الإنصاف ولن يمنعنا الخلاف من ذكر محاسن خصومنا"؛ هذا النفَس التربوي أفسد مزاج العلم.

أنصف دون إشعار القارئ أنك ستأتي باستثناء، بعضنا إذا ترحّم على خصمه شعر بأنه مثال أخلاقي لا يجارى؛ فيسبق ترحمه بتأصيل الإنصاف، ويلحقه بأننا نترحم لأننا متخلقون بقيم العلم.

انظر إلى الإمام ابن عبدالهادي صاحب المحرر، ساق حديثًا، ثم خرجه قائلًا:

"رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وابن حبان، والنسائي، والترمذي وصححه. وقال بعض المصنفين الحذاق: (رَواهُ مُسلم) وهو وهم. [1]

كان يقصد بقوله "بعض المصنفين الحذاق": المجد ابن تيمية صاحب المنتقى.

هكذا؛ تطبيق لأخلاق النقد، دون طنطنة، ولا تسييل للمعرفة بحيث تتحول إلى إنشائيات تربوية.

تخيل لو كان ابن عبدالهادي معاصرًا؛ سيذلنا بكلمة "الحذاق" التي جاد بها على خصمه، وسيلوح للناس أنه فاضل يعامل الآخرين بالحسنى؛ تذكرت في هذا المقام مجلسًا كنت فيه، اتّصل والد أحد الحاضرين عليه ففتح المكبر، وبدأ يردّ بتكلف، وكلمات غير معتادة من صنوف الترحيب، وسكت المجلس انتظارًا لفراغه، لما انتهى قال: هكذا نعامل والدينا، من الذي قال أننا حين حصلنا الدكتوراة نسينا البر!

منشأ الغلط هنا أنا نرى الإنصاف فضلًا، وعدم تجريح الخصوم منة نجود بها عليهم، ولو كنا نراه حقًا واجبًا لا منّة لنا فيه لأجريناه في الكلام بكل سلاسة وفطرية، حقٌ أديناه، وانتهى.

وصلنا لمرحلة نمنّ بديهيات التعاطي العلمي من نقل كلام المخالف كما هو، وعدم بخسه حقه، والبعد عن الفجور في الخصومة؛ إنجازات عظيمة عندنا أننا نؤدي ما نزعم عند التنظير أنه حقّه، يا للبؤس.

دَرّس الفقه وحين تعرض لمسألة خلافها معتبر كن متزنًا؛ هذا يكفي، لست بحاجة لسلسلة تربوية عن فقه الخلاف حينها؛ لأن "كثرة" إفراد هذه الواجبات الأخلاقية بدروس تربوية يرسخ الانفصال بين العلم والأخلاق دون أن نشعر.

مشوار طويل من إصلاح منظومة العلم الشرعي أول خطواته: أن نتخفف من الحديث "حول" العلم، ونتحدث "في" العلم مباشرة، أرني أخلاق العلم ولا تحدثني عنها.

الأخلاق روح العلم، والروح لا تكون خارج الجسد إلا في حال الموت.

————

تنبيه: حديثي عن "الأخلاق" و "البديهيات" و"الفطرة" هنا بمعناها الأولي الذي تنصرف إليه الأذهان، دون حمولات دلالية أخرى.

[1] المحرر(1/ 163)

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply