قضايا اجتماعية


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

يحسن كثير من إخواني الظنّ فيبحثون عن مشورة اجتماعية لمشكلة معينة، حين أجيب أني لا أحسن هذا الباب تبدو علائم التعجب في الظهور.

باب الاستشارات الاجتماعية بابٌ خطير لا أعلم سر التهاون فيه، ولا أستسيغ هذا التقحم والجزم في مواطن الاحتمال ودون حتى أدنى استفصال؛ بعض من تصدر لهذا الملف لا تبرأ الذمة باستفتائه في أمور الأسرة والخيارات الحياتية؛ وليس الجميع.

رُوي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "من تطبَّب ولم يُعلم منه طِبٌ فهو ضامن [1] "

والحديث مع ما فيه من مغامز إسنادية إلا أن العمل عليه عند الفقهاء؛ فمن ادعى علمه بشيء وهو خليّ منه وأتلف فهو ضامن للأثر الحاصل دنيا وآخرة.

هذا الأمر يدفعني للتفكر؛ الكلمة في الإسلام لها وزنها، ندخل في دين الله بكلمة، ويخرج منه البعيد بكلمة، نرتبط بكلمة، ينفصل آخرون بكلمة، هذه المسؤولية اللفظية توجب على الإنسان يقظة في منطوقه.

 

تخيل معي أن أبناء أقاربك اجتمعوا وكانوا يرسمون، أتوا عندك وجعلوك حكمًا في أجمل رسمة أو أجمل خط؛ كلنا نتهاون في الأمر؛ اسمع ما يقوله الشيخ تقي الدين ابن تيمية -رحمه الله- عن هذه الحالة وينقلها عن الصحابة:

"فالقاضي اسم لكل من حكم بين اثنين، سواء سمي خليفة أو نائبًا أو واليًا، أو كان منصوبًا ليقضي بالشرع، أو نائبًا له، حتى من يحكم بين الصبيان في الخطوط إذا تخايروا. هكذا ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ظاهر" [2]

سماهم قضاة، ولو كانوا في مجال تحكيم مسابقة لأطفال.

وبتركيب الأمرين؛ كل من ادعى معرفة بشيء ولم يكن كذلك فهو ضامن لما أفسد، حتى ولو كان أمرًا نتهاون هينًا كالحكم بين خطوط الصبيان.

فعلى المستشار في هذه المواقع مسؤولية عظيمة، وهو مفتٍ يجري عليه ما يجري على المفتي من نصوص التحذير من التهاون من القول بلا علم؛ وكم من كلمة خببت بين اثنين، أو أفسدت بيوتًا وملأتها بالضغائن، أو جرّأت قومًا على محارم ما كانوا يستحلونها.

وإني أقول لكل كريم حسن الظن بأخيه؛ أني لا أحسن هذه الأمور، ومقامي فيها أن أتعلم لا أُعلم، فلا دراستي في هذا المجال، ولا سني يسمح بادعاء خبرات في هذا الباب، فهو ملف لا أحسنه؛ وليتني ألزم ما أدعي معرفته -وهو قليل- ويتوفاني الله متعلمًا أعترف بنقصي في أكثر أبواب العلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 [1] أخرجه أبـو داود 4576، وابن ماجه 3466، والنّسائي ( 4845، 4846) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وفي إسناده: الوليد بن مسلم، وابن جريج، وحسنه بعض المتأخرين؛ ولابن القيم كلام حسن في شرح الحديث انظره في زاد المعاد (4/ 127) وما بعدها.

[2] السياسة الشرعية لابن تيمية، ت: د/ علي العمران، ص19

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply