صفات البيت المتميز


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

إن من تمام نعمة الله تبارك وتعالى على عباده، تلك البيوت التي يأوون إليها، فالبيت هو سكنهم ومكان أكلهم وشربهم، ونومهم وراحتهم واجتماعهم جميعًا بأسرتهم وأولادهم، وإن شيئًا بهذه المكانة الرفيعة يجب أن يكون متميزًا من وجوه عديدة، وقبل أن أذكر جوانب التميز للبيت المسلم، أذكر الدوافع لطلب هذا التميز، وهي في عدة أمور؛ منها:

أولًا: عِظَم المسؤولية الملقاة على راعي هذا البيت، فالله عز وجل سائله عما استرعاه: أحفِظ أم ضيَّع.

 

ثانيًا: من الدوافع للحديث عن البيت المتميز، أن هذا التميز بإذن الله تعالى سبيل لوقاية النفس والأهل من عذاب الله عز وجل.

 

ثالثًا: أن البيت هو المكان الأكثر والأكبر لحفظ النفس، ومكثها وراحتها وسكونها.

 

رابعًا: من الدوافع للحديث عن البيت المتميز أن الاهتمام بالبيت هو من أكبر الوسائل لبناء المجتمع المسلم.

 

خامسا: أن هذا البيت هو المحضن الأول للتربية الأسرية والبناء الإيجابي.

 

فهذه الأمور هي من الدوافع للحديث عن جوانب التميز في البيت المسلم، وهذا الموضوع غايةُ في الأهمية؛ لأن ناتجَه مجتمعٌ صالح متماسك، تنتفي عنه المشاكل، وتكثُر فيه الإيجابيات بأنواعها.

 

وإن كان التميز يختلف من بيت إلى بيت، لكنني في هذه العُجالة سأذكر أكثر من خمسة عشر جانبًا؛ مما يتفق الناس جميعًا عليها، محاولًا تقييد وتحرير هذه الجوانب، وتنزيلها على أرض الواقع؛ لتكون النتيجة طيبة، والأمل الذي يحدونا مرئيًّا في مجتمعنا، محاولين - وفَّقكم الله تعالى وأسعدكم - نشر تلك الجوانب في حديثكم مع جلسائكم وفي جلساتكم؛ ليعم الخير والنفع بإذن الله تعالى.

 

وهذه الجوانب للبيت المتميز على النحو التالي:

الجانب الأول: هذا البيت قائم على عبادة الله عز وجل وحده لا شريك له؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء: 36]، وقال تعالى عن نبيه إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، فأعمالهم وألفاظهم وعباداتهم كلها لله تعالى، وعلى مراد الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، فلا تجد في هذا البيت عملًا بدعيًّا، ولا لفظًا شِركيًّا.

 

الجانب الثاني: هذا البيت قائم على العلم والمعرفة، فقوله تعالى: ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6]، هي أصل في تعليم أهل البيت ما يجب عليهم تعلمه وتربيتهم عليه، فمن وسائل وقايتهم تعليمهم، وفي غمرة المشاغل وكثرتها قد يغفل الأبوان عن هذا، فجميل جدًّا أن يكون هناك درس دوري لأهل البيت، يتعلم بعضهم من بعض، وليكن لأهل البيت مشاركة فعالة في إعداده والاستعداد له، ففي إحدى البيوت اتَّفق أهلُها على تحديد نصف ساعة يوميًّا، وحددوا غرفة تكون فيها حوامل المصاحف جاهزة وعليها المصاحف، فيقرؤون شيئًا من القرآن حفظًا أو تلاوةً، مع تعليق خفيف على بعض الآيات، مع ما يصاحب ذلك بعده مباشرة من مأكول أو مشروب خفيف، ويختم المجلس بسؤال اختباري للأولاد يُجاب عليه من الغد، وعليه جائزة خفيفة، فكسَب أهلُ البيت بذلك العمل وهذا البرنامج خيرًا عظيمًا تربويًّا وعلميًّا وسلوكيًّا واطمئنانًا، كيف لا والملائكة تحفهم، والسكينة تنزل عليهم، والرحمة تغشاهم، والله عز وجل يذكرهم، والله لو كان هذا يشترى بالآلاف لكان ثمنًا قليلًا عليه، فكيف وهو يسير سهل، ولكنه على من يسَّره الله تعالى عليه، فلنكن جميعًا أيها الإخوة والأخوات، وأولادنا منهم يا رعاكم الله.

 

الجانب الثالث من جوانب البيت المتميز: هذا البيت قائم على التعاون والتآزر، فيكون أهلُ البيت متعاونين فيما ينفعهم؛ تقول عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، وتقول رضي الله عنها: كان يكون في مهنة أهله.

 

فهذا جانب كبير من التعاون في تنفيذ الأعمال المنزلية، بخلاف بعض الأفراد الذي يرغب أن يُخدم في كل شيء، إلا ما ندر، فيسعد أهل البيت عندما يرى بعضهم نفسه متعاونًا مع البعض الآخر.

 

أرأيت كيف يسعد أهل البر والرحلات إذا كانوا متعاونين، فوجود هذا التعاون في بيوتنا من جميع الأوجه، هو تميز واضح لأهل هذا البيت.

 

الجانب الرابع: هذا البيت قائم على حسن العشرة بين الزوجين؛ قال عليه الصلاة والسلام: (استوصوا بالنساء خيرًا)، وقال تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]، وإن حسن العشرة هو أصل الاستقرار في هذه الأسرة، فإذا انقسم الزوجان انقسم أهل البيت، فتفرقوا وتشتتوا، وإن من أسس حسن العشرة التفاهم والتنازل والتغافل، وليكن ذلك بالأخلاق الطيبة، وإن كان ذلك شاقًّا أحيانًا على النفس، لكنه في نتيجته يدرأ الزوجان أضرارًا كبيرة وجسيمة.

 

الجانب الخامس: هذا البيت قائم على حسن التربية والرعاية، فالتربية ما يتعلق بعقولهم وأخلاقهم ودينهم، والرعاية ما يتعلق بمآكلهم وشربهم ولباسهم، ونحو ذلك، وقد يقوم البعض بالرعاية، ويظن أنه قام بالتربية، وليس الأمر كذلك، وهنا يكمن الخلل، فالقيام بهما جميعًا هو مظهر تميُّز للبيت وأهله.

 

الجانب السادس: هذا البيت قائم على العدل، وعدم الحَيف والظلم؛ قال تعالى: ﴿ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8]، وقال عليه الصلاة والسلام: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشِقُّه مائل)؛ صححه الألباني، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)؛ متفق عليه.

 

فالعدل بين الزوجات وبين الأولاد جانب كبير في دَرء كثير من المشاكل الصحية والأخلاقية والنفسية والأمنية وغيرها، ثم إذا حلَّ الظلم مكان العدل، يتفرق أهل البيت في قلوبهم، وإن اجتمعوا في قوالبهم، وإذا اشتبه عليك الأمر أخي الكريم أختي الكريمة في العدل وعدمه، فإياكم أن تعتدا برأيكما، بل اسألا أهل العلم والاختصاص؛ ليزداد كل منكما بصيرة وهدًى.

 

الجانب السابع: من جوانب البيت المتميز: هذا البيت قائم على تحمُّل المسؤولية، فلكل فرد من الأسرة مسؤوليته الخاصة به، وله ما يخصُّه في الشأن العام من البيت، وبهذا تتكامل الأدوار، ويعيش أهل البيت بروح الفريق الواحد.

 

وعلى الأبوين الكريمين التشجيع والتحفيز لتنفيذ تلك المسؤوليات لأولادهم؛ لأن هذا يتولد منه نشاط وقوة وثبات.

 

الجانب الثامن: هذا البيت قائم على التغافل والتغافر، واحتمال الأخطاء، فالخطأ من طبيعة البشر، فليسوا معصومين، وكما تغفل عن خطأ غيرك يغفُل غيرك عن خطئك، وبهذا تسير الحياة بسلام، أما التدقيق في الأقوال والأفعال والنيَّات، حتى أحيانًا في المتشابهات المحتملة، فهذا سيكون مؤداه التنازع والتفرق وعدم الاجتماع.

 

الجانب التاسع: من جوانب البيت المتميز: هذا البيت قائم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالخير كله يكمُن في هذا الجانب، فهو شامل للآخرة والأولى، فبقدر فعل المعروف والأمر به تسعد تلك الأسرة، وبقدر فعل المنكر وترك النهي عنه، تشقى تلك الأسرة، فتآمروا وتناهوا وُفِّقتم وبوركتم.

 

الجانب العاشر: هذا البيت قائم على ذكر الله تعالى، ففي كثير من بقاع هذا البيت يذكر الله عز وجل، فذاك عند دخوله، وهذا عند أكله وشربه، وهذه في مصلاها، وذاك في منامه، وهذا في خروجه، والآخر يتلو القرآن، وأحدهم يسبح، وأخرى تذكر أذكار الصباح والمساء، فقولوا لي بربكم: كيف يستطيع الشيطان ولوج مثل هذا البيت المتحصن بالذكر؟! ناهيك عن الذكر العام غير المقيد من عموم أفراد البيت، فأكثِروا من ذكر الله تعالى في بيوتكم، وانزعوا ما يضاد ذلك الذكر من أقوال وأفعال لا يحسُن ذكرُها، وعلِّموا ذلك صغاركم؛ لينشؤوا عليه كما نشأتهم أنتم.

 

الجانب الحادي عشر: هذا البيت لا يعرف الإسراف، سواء في المآكل أو المشارب، أو غيرها، فأفراده آخذون حاجتهم من غير سرف ولا مخيلة، فجميع حاجاتهم لا يعتريها نقص، لكن لا يصاحبها إسراف، وكم أرهقت عواتق بعض الأولياء، بسبب الإسراف في مركوب أو لباس، أو كرم مزعوم أو غيرها، وليُعلم أن هذه ليست مصدر عزة، إذا كان ذُل الدَّين يصاحبها في الليل والنهار، فالسلامة كما يقولون لا يعدلها شيء.

 

الجانب الثاني عشر: هذا البيت قائم على حسن الجوار؛ قال عليه الصلاة والسلام: (ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه)؛ متفق عليه، فجارك أحيانًا هو جنتك أو نارك، فاجعل جيرانك كلهم جنانًا محيطة بك بالإحسان إليهم، وتحمُّلهم والتغافل عنهم، وإكرامهم، فقد تسعد أو تشقى بسبب الجار.

 

الجانب الثالث عشر: من جوانب البيت المتميز: هذا البيت قائم على صلة الرحم، فأقرباؤك هم بمنزلة أسرتك، فالوصل لهم سعادة، وقطيعتهم شقاوة، بل إن العاقل الحصيف يسعى إلى جدولة معينة مع أقاربه، وصلًا وإحسانًا بزيارة أو مكالمة، أو مراسلة أو غيرها، هروبًا من الوعيد باللعنة والعمى والصمم، نتيجة القطيعة نعوذ بالله من ذلك.

 

الجانب الرابع عشر: هذا البيت قائم على الإحسان للآخرين، بنفقة المال على الفقراء والمساكين، أو مشاريع الخير، فهي صدقة مخلوفة بصحة أو صلاح أو إصلاح، أو غيرها من المنافع، فما أجمل أن يجعل أهل البيت صندوقًا يضعون فيه ما تجود به نفوسهم، ثم يُدفع إلى مستحقيه بشكل دوري، فما أعظمه من عمل غير مكلف ولا شاق!

 

الجانب السادس عشر: هذا البيت قائم على ترك ما يضاد التميز؛ كوجود الصور والصلبان والكلاب والمعازف، فإن هذه الأشياء تهدم جانبًا كبيرًا من التميز، إضافة إلى سلبياتها المتعددة في الدنيا والآخرة.

 

السابع عشر من جوانب البيت المتميز: هذا البيت قائمٌ على استيداع أهل البيت بعضهم لبعض، فإن الله تعالى إذا استودع شيئًا حفِظه؛ كقولهم: أستودع الله بيتي وذريتي ونفسي، ونحو ذلك.

 

الثامن عشر: هذا البيت قائم على الاهتمام بأمور الدين والسؤال عنها، وبحثها ومناقشتها؛ حتى تكون عباداتهم على بصيرة وهدى، وكم هو جميل أن يكون في جيبك دفتر صغير، لكتابة بعض النقاط التي تُشكل عليك هنا أو هناك، ثم تتحيَّن فرصة في اجتماع أو اتصال على أحد أهل العلم، فتسأل عن تلك الإشكالات، وهي طريقة مجربة وناجحة جدًّا، وهي من طلب العلم.

 

فهذه - أخي الكريم ويا أختي الكريمة - ثمانية عشر جانبًا للبيت المتميز رجائي النظر الجاد فيها، وتطبيقها لتَسْعَدَا وتُسعِدَا، ورجاء آخر: الدلالة عليها، فالدال على الخير كفاعله، وفَّقنا الله تعالى لكل خير، وجمع شملنا وشملَ المسلمين على الهدى والتقى.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply