تثقيف الأسرة بالأحكام الشرعية


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

لقد حثَّ الإسلام على التفقه في الدين؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من يردِ اللهُ به خيرًا يفقهْهُ في الدين))، وإذا كان هذا عامًّا لجميع الأمة، فإن الأسرة - وهي الدائرة الخاصة - يجب أن يكون لها الاهتمام الأكبر في هذا الجانب، وكما يهتم الأبوان الكريمان بالرعاية لأولادهم فيما يتعلق بمأكلهم ومشاربهم وملابسهم ونحو ذلك، فإنه يجب الاهتمام أكثر بالشطر الثاني وهو التربية فيما يخص أفكارهم وعقولهم وتثقيفهم؛ فبالتربية والرعاية تتكامل الأدوار وتكتمل النتائج وتتميز المخرجات، وحيث إن أهم ما يجب أن يتلقاه الأولاد في ذلك الميدان هو ما يتعلق بأحكام دينهم وعباداتهم؛ فسيكون الطرح في هذا الجانب المهم في حياتنا من خلال خمس عشرة وقفة على النحو الآتي:

الوقفة الأولى: إن رسم المنهج للأسرة في تثقيفها من الناحية الشرعية هو من الأهمية بمكان، لماذا؟ لأن الأحكام الشرعية يحتاجونها طوال يومهم وليلتهم بحمد الله تعالى؛ فهم بين صلاة وقراءة قرآن، وبِرٍّ وإحسان، وصيام وصدقة، وتعامل مع الآخرين، وسلام وذكر، وطلبِ علمٍ وصِلةٍ، وغير ذلك من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى، وانطلاقًا من هذا يجب أن يكون الأولاد لديهم وقود من الثقافة الشرعية حتى تصحَّ أعمالهم، ولا شك أنهم يستقون هذه الثقافة من عدة سُبُلٍ، لكن قد يكون من أهمها ما يتدارسونه مع ذويهم وفيما بينهم في مثل ذلك البرنامج.

 

الوقفة الثانية: الأبوان الكريمان وهما يُشرفان على هذا البرنامج لا بد أن يتصفا بمواصفات مهمة؛ ومنها: الصبر والهمة والحوار، وبُعْدُ النظر وعدم استعجال النتائج، مع التشجيع والتعزيز، فإن تلك المواصفات هي مؤشرات بإذن الله تعالى على نجاح هذا البرنامج.

 

الوقفة الثالثة: من الضرورة بمكان استشارة الأولاد في رسم هذا البرنامج؛ ليعلموا أن لهم فيه بصمة فيتفاعلون معه نظريًّا وعمليًّا، وقد يكون لديهم من الجديد والمفيد ما يكون سُلَّمًا للنجاح والتميز.

 

الوقفة الرابعة: ترغيب الأولاد بمثل هذه المجالس الطيبة من نواحٍ عديدة؛ فمن الناحية الشرعية في: غشيان الرحمة، ونزول السكينة، وتنزل الملائكة، وذكر الله تعالى لهم فيمن عنده، وأيضًا من الناحية الفكرية بأن تلك المجالس هي وقود لأفكارهم وعقولهم بأن تكون مميِّزة بين الجيد وغيره مما يسمعونه ويقرؤونه، أيضًا كذلك من الناحية المادية فيمكن أن يكون شيئًا من المكافآت التشجيعية أو ما يصحب ذلك المجلس في آخره من مأكولات أو مشروبات، يكون ترغيبًا في الاستمرار فيه ونحو ذلك من النواحي المهمة في ذلك الجانب.

 

الوقفة الخامسة: رسم المنهج لتلك المجالس، ويكون على مستوى تلك الأسرة العلمي والإدراكي والتربوي، ولكن مما يُقترح في رسم البرنامج ما يلي:

في جانب العقيدة: يُقترح "الأصول الثلاثة وشرحها"، و"القواعد الأربع" للإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، وأيضًا في الفقه: "آداب المشي إلى الصلاة"، و"عمدة الفقه"، وأيضًا في التفسير: كتاب "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، للشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله، وأيضًا في موضوع الإيمانيات: كتاب "أربعون مجلسًا في التربية الإيمانية"، وهو من تقديم الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي إمام وخطيب المسجد النبوي، وهو من إعداد اللجنة العلمية بمكتب الدعوة في جنوب بريدة، ويتوفر الكتاب في المكتب وعلى الشبكة العنكبوتية، وأيضًا في الآداب والأخلاق: كتاب "الآداب" للشيخ فؤاد الشلهوب، وأيضًا في السيرة: كتاب "الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم"، وأيضًا كتاب "الرحيق المختوم" للمباركفوري؛ فهو كتاب سلس ومتميز، وقد حاز هذا الكتاب على المركز الأول في المسابقة الدولية، إلى غير ذلك من الفنون العلمية.

 

الوقفة السادسة: جميل أن يكون لدى أفراد الأسرة جدولةٌ للقراءة الفردية الثقافية، وكل بحسب قوته ونشاطه، ومن المهم في هذا التدرج من الأدنى إلى الأعلى في القراءة، فلو قرأ في كل يوم صفحتين من كتاب، فسيكون قرأ في السنة أربعة عشر كتابًا، كل كتاب خمسون صفحة، وهذا لا شك أنه زادٌ علميٌّ لا بأس به، ثم ينطلق إلى الأكثر في الصفحات المقروءة، فهذه القراءة فيها من توسيع المدارك، والتأصيل الفكري، وحسن التصور، والعمق في التفكير - ما يجعل الإنسان يحرص عليها له ولغيره، ويتم التفريق في المقروء بين الصغار والكبار من حيث الكمية والتخصص، ومن الممكن أن تكون هذه القراءة تحت إشراف شخص متمكن إذا لم يتوفر هذا داخل البيت.

 

الوقفة السابعة: مما يساعد على تثقيفهم وجودُ مكتبة مصغرة داخل المنزل؛ حتى يزاولوا القراءة عن قرب، ويشاهدوا تلك الكتب في دخولهم وخروجهم؛ فتكون الكتب جزءًا من حياتهم.

 

الوقفة الثامنة: متابعتهم في دراستهم الصباحية النظامية، فهم يتلقَّون فيها علومًا كثيرة جمة ومهمة؛ ففَهْمُهم لها مما يساعد على تعليمهم وتثقيفهم.

 

الوقفة التاسعة: على الأبوين الكريمين الاهتمام بأن يجمع هؤلاء الأولاد بين العلم والعمل في مناهجهم العلمية؛ فالعلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلَّا ارتحل.

 

الوقفة العاشرة: لا نقلل من المناقشات الجانبية في الذهاب والإياب، والمشاوير الخاصة والعامة والسفريات؛ فإنها تكشف كثيرًا من الأشياء وتعطيك شيئًا كثيرًا من النتائج؛ فيجب أن تكون موضع اهتمامنا.

 

الوقفة الحادية عشرة: يجب مراعاة الفروق الفردية بين الأولاد؛ فالبارزون يكون لهم ما يناسبهم تشجيعًا وتعزيزًا، ولعل غيرهم يلحق بهم، وأما غير البارزين فيكون لهم على مستواهم ما يناسبهم أيًّا كانوا، فمراعاة الفروق الفردية في التربية واجبةٌ مع مراعاة عدم جرح المشاعر لغير البارزين بالطريقة المناسبة.

 

الوقفة الثانية عشرة: تشجيعهم على الحِلَقِ القرآنية المسائية للأبناء والبنات؛ ففيها من الخير العظيم ما يكون رافدًا مهمًّا في التربية والتأصيل العلمي.

 

الوقفة الثالثة عشرة: من الوسائل في تعليمهم طرح سؤال يومي أو شبه يومي، فيُعلق السؤال لهم في أول اليوم وتُجمع الإجابات في وقت آخر، ثم تُفرز تلك الإجابات، ويُشرح الجواب الصحيح، ويكون على هذا المنشط تكريمٌ فوري أو في نهاية الشهر بالطريقة التي يرونها من جمع النقاط أو غيرها، ويمكن أن يكون هذا المنشط تحت عنوان (من الفارس؟).

 

الوقفة الرابعة عشرة: يجب أن تكون البدايات قوية ومشجعة؛ لأن البدايات لها دورها الفعال في نجاح البرامج، ومن لم يكن له بداية محرقة، قد لا يكون له نهاية مشرقة.

 

الوقفة الخامسة عشرة: يمكن لأهل البيت أن يضعوا صندوقًا معينًا تُوضع فيه الأسئلة والإشكاليات الشرعية، ثم يُفتح بشكل دوري، فيُسأل أهل العلم عن تلك الأسئلة، ويتم طرحها في إحدى جلسات الأسرة مع المناقشة فيها؛ فإن هذا لا شك أنه يُثري كثيرًا وهو ناجح ومثمر.

 

الوقفة السادسة عشرة: على الجميع الاهتمام بهذا المنشط العلمي والتربوي كثيرًا؛ لأن هذا قد يمتد إلى الأحفاد وأحفادهم، فيكون صدقة جارية للمؤسسين لهذا البرنامج، ومن المهم جدًّا الاستفسار من أهل العلم والتربية عن إجراءات ومجريات هذا المنشط؛ ليتم التصويب والتعديل والتسديد.

 

أيها الآباء والأمهات والأبناء والبنات الكرام، هذه خمس عشرة وقفة في إنشاء ورسم هذا المنهج، وما عندكم أكثر وأعظم، فجدِّدوا نشاطكم وابدؤوا وناقشوا، وقد يوجد في البدايات بعض العقبات، لكنها تُناقش وتُطرح ثم تُذلل وتزول بإذن الله تعالى، واجعلوا ذلك المنهج مشروع حياة لكم فهو غاية في الأهمية، علمًا بأن بعض الأسر قد أبدعت في هذا، ورسمت على أرض الواقع مخرجات جميلة ورائعة وسائدة، وأعود إلى ما ذكرته في أول الحلقة بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من يُرد الله به خيرًا يفقهه في الدين))، فعملكم ونشاطكم دليل على أن الله أراد بكم الخير، وقد يكون هذا البرنامج مِفتاحًا لبرامج أخرى ينطلق بها الأولاد في حياتهم.

 

وفق الله الجميع لكل خير، وجنَّبنا كل شر، وألهمنا الصواب والرشاد، ورزقنا الهدى والتقى والسداد.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply