بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عباد الله، لقد أظلنا شهر كريم؛ هو شهر شعبان، الذي أحاطه الله عز وجل بشهرين عظيمين، هما شهر رجب؛ الحرام، وشهر رمضان المبارك.
هل علينا مذكراً جميع المّسلمين بقرب شهر رمضان، فأهاج مشاعر الهداية والإيمان، وهتف بنا إلى الطاعة والعبادة والإحسان.
والمسلم يعلم أنه شهر من شهور السنة التي قال تعالى فيها: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا﴾، ولكنه يشعر أن لشهر شعبان مزية بل مذاق خاص، فيفرح بقدومه ويستبشر، لأجل الأهبة لشهر الصيام والقرآن والقيام.
شهر شعبان تقدمةٌ لشهر رمضان المبارك، وتمرينٌ للأمة الإسلامية على الصيام والقيام وصالح الأعمال؛ حتى يذوقوا لذَّة القرب من الله تعالى، ويستطعموا حلاوة الإيمان، فإذا أقبل عليهم رمضان أقبلوا عليه بهمَّة عالية، ونفس مشتاقة، وانكبُّوا على الطاعة والعبادة.
ولقد حَفَل هذا الشهر، بأحداث ووقائع عظيمة، غيرت مجرى التاريخ، ففي السنة الثانية للهجرة حولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، ومنذ ذلك اليوم والكعبة قبلة المسلمين أحياءً وأمواتا.
وفي هذا الشهر من السنة الثانية للهجرة، فُرض صيام شهر رمضان.
والأسرة المسلمة هي نواة المجتمع؛ ولا تزيدها مواسم الخير إلا إيمانًا وتزكية، ومن أبرز ما تعنى به الأسرة في شعبان استعدادها لرمضان بما يليق به ومن ذلكم:
التذكير بفضله؛ فقد كان النبي ﷺ يكثر من صيام شعبان توطئة لصيام أفضل الشهور رمضان قالت عائشة رضي الله عنها "ما رأيت النبي ﷺ في شهر أكثر منه صيامًا في شعبان". متفق عليه. فكان يصوم شعبان إلا قليلا، فيستفاد منه الأهبة والاستعداد بالصيام وقراءة القرآن كما هو صنيع السلف.
ومن أمارةِ التوفيق للطاعة الاستعداد لها بعبادة قبلها، فقد كان يقال: طوبى لمن أصلح نفسه قبل رمضان، وكان يقال: شهر شعبان شهر القراء. كما ذكر ذلك ابن رجب في اللطائف.
وشعبان هو بمثابة إنذار لمن عليه قضاء من رمضان أن يبادر بالقضاء خاصة للمرأة المسلمة قالت عائشة رضي الله عنها: " إن كان يكون علي صوم من رمضان، فلا أقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله ﷺ مني" رواه البخاري. يعني في خدمته، والقيام بشؤونه، إذا كان ﷺ حاضرا. وهذا يدل على عظم حق الزوج ومراعاته وحسن التبعل له.
فيا أخي المسلم بادر بقضاء ما عليك من رمضان المنصرم قبل دخول رمضان فدين الله أحق بالوفاء.
ومن المهم تهيئة البيت لاستقبال رمضان فالأسرة تعمل على تهيئة أولادها معنويا وبعدة وسائل بالحديث معهم عن فضل شهر رمضان، وتحفزهم لصيامه وتدارس أحكامه، تماما كما تتهيأ الأسرة لاستقبال ضيف عزيز عليهم يأتيهم بعد فراق ويفد بعد غياب.
وكذلك تدريب المميز ومن قارب البلوغ من البنين والبنات على الصوم وتشجيعهم على ذلك. قالت الربيع بنت معوذ " أَرْسَلَ النَّبيُّ ﷺ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إلى قُرَى الأنْصَارِ: مَن أصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَومِهِ، ومَن أصْبَحَ صَائِمًا، فَليَصُمْ. قالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، ونُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، ونَجْعَلُ لهمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أحَدُهُمْ علَى الطَّعَامِ، أعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حتَّى يَكونَ عِنْدَ الإفْطَارِ." رواه البخاري.
وضع خطة للاستفادة القصوى من رمضان، يشرف عليها الأبوان فينظم الوقت ويحرصا أن يتشارك معهم أولادهم في هذه الطاعات والخيرات.
والمرأة أكثر حاجة من غيرها للترتيب لرمضان مبكرا، حيث تزداد الأعباء المنزلية في رمضان، ومن ثم فإن حسن الإعداد والتخطيط خلال شعبان يوفر الكثير من الوقت والجهد خلال رمضان.
أخي المسلم اغتنم فراغك قبل شغلك فاحرص على إنهاء مشاغلك في شعبان، ليتسنى لك التفرّغ في رمضان، فالتخلّص منها الآن أحفظ لوقتك وأجمع لشعث قلبك.
مَضَى رَجَبٌ وَمَا أَحْسَنْتَ فِيهِ وَهَذَا شَهْرُ شَعْبَانَ المُبَارَكْ
فَيَا مَنْ ضَيَّعَ الأَوْقَاتَ جَهْلاً بِحُرْمَتِهَا أَفِقْ وَاحْذَرْ بَوَارَكْ
فَسَوْفَ تُفَارِقُ اللَّذَّاتِ قَسْرًا وَيُخْلِي المَوْتُ كُرْهًا مِنْكَ دَارَكْ
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الهديِ والبيان، أقول هذا القولَ، وأستغفِر الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلِّ ذنب فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد، فاتقوا الله عباد الله، ثمّ اعلموا أن الله جل وعلا أمرنا بأمر عظيم تزكو به حياتنا، وتسعد به أنفسنا، وتطمئن به قلوبنا، ألا وهو الإكثار من الصلاةِ والسلام على النبيِّ المختار. اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن بقية العشرة وأصحاب الشجرة وعن سائر الصحابة أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان وأصلح ولاة أمرهم يا حي ياقيوم، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا ونائبه لكل خير، اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ثبتنا على دينك وتب علينا، ربنا اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، واصلح ذرياتنا، واغفر لوالدينا وارحمهم، وارحم موتانا، واشف مرضانا، وفرج همومنا، واقض ديوننا برحمتك يا أرحم الراحمين، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ ، ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد