صور مشرقة إيمانية داخل أسرنا


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: (إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة) وهذه الجنة في الدنيا التي يقصدها رحمه الله هي الأعمال والأقوال الصالحة التي تُقرب إلى الله تعالى وتطمئن النفس وتشرحها، فكم هو جميل أن يطرح الأبوان داخل الأسرة هذا المعنى تشويقا للأولاد أن يتشبثوا ويتمسكوا بتلك الأعمال الصالحة.

ويقول ابن قيم رحمه الله (الأعمال الصالحة فتوحات يفتحها الله على من يشاء من عباده) نسأل الله تعالى أن نكون منهم. ويقول خالد بن معدان (إذا فُتح أحدكم باب خير ليستثمره فإنه لا يعلم متى يغلق دونه).

فعندما ينشأ الأولاد على هذه المعاني وأمثالها فإنها تسودهم الطمأنينة والراحة، فلا بد للأبوين الكريمين في جلساتهم الأسرية أن يتطرقوا لشيء من هذا، وللأعمال الصالحة مفاتيح وأسباب، ما احوجنا إلى طرقها مع أولادنا والتفاعل معها. ومن تلك المفاتيح: الدعاء والصبر والحزم والجو الأسري الصالح و كذلك التخطيط ومجالسة الصالحين وتذكر ثواب الأعمال والقراءة عنها ومزاولتها، وغيرها كثير، كل هذه مفاتيح للأعمال الصالحة.

إن أسرنا تزخر بحمد الله تعالى بأعمال صالحة متنوعة ومتشكلة وهذا مما يثلج الصدر ويشرح النفس، وسأذكر  صورا عديدة من ذلك هي من داخل الأسر ولمعاصرين أحياء من بيننا يعيشون معنا نسأل الله لنا ولهم الثبات والقبول والمزيد.

والغرض من ذكر هذه الصور حتى يتشجع الجميع صغارا وكبارا على الاقتداء وحتى ترتفع المعنويات ونحرص جميعا على تطبيع تلك الأعمال الصالحة والصور المشرقة على أنفسنا وأولادنا.

فيا أيها الآباء والأمهات أنتم قدوة ولديكم من الأعمال الصالحة نصيب كبير، حاولوا تدريب أولادكم عليها لتكون تلك الأعمال سلوكا لهم في حياتهم ولكم أجر الدلالة عليها، وهذه الصور هي من مجتمعنا فهو مليء بحمد الله تعالى بالصالحين والعابدين، وسأذكر هذه الصور على النحو التالي:

 

 الصورة الأولى: كثرة صيام التطوع، فمنهم من يحافظ على ثلاثة أيام من كل شهر، ومنهم من يصوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، ومنهم من يصوم يوما ويفطر يوما، إضافة إلى صيام الست من شوال وعشر ذي الحجة وعاشوراء ونحوها، فيا بشراهم عندما يُباعد بينهم وبين النار سبعين خريفا في كل يوم، كما ورد في الحديث الصحيح، ويا بشراهم بالفرحة عند لقاء ربهم، ويا بشراهم عندما يكون ذلك لهم كصيام الدهر ويقول قائلهم أنا أرتاح في صيامي أكثر من فطري، فهل سنلحق بهم؟.

 

الصورة الثانية: كثرة حفظت القرآن من الآباء والأمهات والبنين والبنات، إنهم بعشرات الآلاف، بل قد يوجد هذا العدد في منطقة واحدة أو بلد واحد من مملكتنا المباركة.

فيا ترى كم قرأوا من حرف وكم سيقرأون خلال حياتهم؟ ويا ترى كيف كان أنفسهم والقرآن جليسهم؟ ويا ترى كم حثهم القرآن على أعمال صالحة وأبعدهم عن أعمال سيئة؟ ويا بشرى والديهم عند لبس التاج يوم القيامة، وإذا كان هذا جزاء الوالد فكيف يكون جزاء الحافظ؟ ويا بشراهم عندما يشفع لهم القرآن عند عرصات القيامة/ فهل سنلحق بهم؟.

 

الصورة الثالثة: المبادرون لصلاة الجمعة، فثلة مباركة بحزم وعزم على إحياء سنة التبكير إلى الجمعة ليدرك الساعة الأولى، بل إن بعضهم يصلي صلاة الفجر في الجامع الذي سيصلي فيه الجمعة وهم كثير وكثير بحمد الله تعالى، رجال كبار يتكئون على عصيهم، وشباب صغار مع آبائهم يأتي أحدهم مشيا على قدميه ليدرك فضيلة الخطى إلى الجمعة، ووُجد من يتسابقون إلى الجمعة قبل الفجر، وذلك فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء.

فيا ترى ماذا يريد هؤلاء؟ إنه بإمكانهم أن يناموا ويأتون متأخرين ولكنهم أدركوا كم سيقرؤون وكم ستدعو لهم الملائكة، وكم سيدركون من الفضل في التبكير إلى الجمعة، وكم سيصلون من النوافل، وكم ستطمئن نفوسهم، وكم سيسبحون ويهللون، وكم سيدعون ويذكرون الله تعالى.

طابت نفوسهم بما أعطاهم مولاهم من هذا الجزاء العظيم والثواب الجزيل.

إلى غير ذلك من المصالح العظيمة فهل سنلحق بهم؟

 

الصورة الرابعة: قوم من الله تعالى عليهم بكثرة قراءة القرآن، وكان القرآن أنيسهم فكانوا يختمون في كل ثلاثة أيام وربما بعضهم في كل يومين وكان بعضهم يختم في كل يوم ختمة، بل إن بعضهم ختم في شهر رمضان ستين ختمة، فإذا علمنا أن في الختمة الواحدة أكثر من ثلاثة ملايين حسنة والله يضاعف لمن يشاء فكم الأجور التي ستجري لهؤلاء.

إن هؤلاء ليسوا بدعًا من البشر، هم مشغولون ولكنهم وُفّقوا لترتيب أوقاتهم مع الحزم والعزم ففازوا بهذا الفضل العظيم وهم كثير بحمد الله تعالى داخل الأسر من رجال ونساء من صغار وكبار فهل سنلحق بهم؟

 

الصورة الخامسة: كثيرون بحمد الله تعالى أولئك الذين يجلسون بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس وترتفع، سواء من الرجال في مساجدهم أو النساء في بيوتهن من الصغار أو الكبار، كما ثبت في صحيح مسلم أنه كان عليه الصلاة والسلام يجلس في مصلاه بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، فهؤلاء استفتحوا يومهم بتلك العبادة العظيمة فقرأوا وذكروا الله تعالى واستغفروا ودعت لهم الملائكة بالمغفرة والرحمة واطمأنت نفوسهم، فما أعظمه من اطمئنان وانشراح وهو من أسباب الطمأنينة في تلك الأسر التي اتخذت هذا منهجا لها فهل سنلحق بهم؟

 

الصورة السادسة: رجال كل صلواتهم في الصف الأول، فمضت عليهم عشرات السنين لم يروا ظهور الرجال، لأنهم في الصف الأول، فأدركوا تلك الفضيلة مع انشغالهم وارتباطاتهم، لكن كانت الصلاة من أول وقتها تحدوهم ويترقبونها وعندما يسمعون الداعي لا يعرفون إلا الصلاة، فهنيئا لأولئك القوم ما أسعدهم، فهل سنلحق بهم؟

 

الصورة السابعة: رجال في كل صلواتهم يدركون التكبيرة الأولى مع الإمام، وذلك في سنين طويلة تعد بالعشرات بلا مبالغة من السنين لا يعرفون قضاء شيء من الركعات بعد سلام الإمام، حيث مضت عليهم تلك السنين كثيرة وهم يدركون الصلاة من أولها فيا سعادتهم فهل سنلحق بهم؟

 

الصورة الثامنة: كثرة هؤلاء الداعين والمبتهجين عصر يوم الجمعة حيث ساعة الإجابة فهؤلاء في مساجدهم والنساء في بيوتهن وكل في مكانه داع ومتضرع، يسأل الله من خيري الدنيا والآخرة، اقتطعوا وقت العصر من ذلك اليوم العظيم يوم الجمعة وقد استحضروا جميع حاجياتهم ليطلبوها من ربهم، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن تلك الساعة (التمسوها آخر ساعة بعد العصر) فهل سنلحق بهم؟

 

الصورة التاسعة: من الصور المشرقة داخل أسرنا إيمانيا قيام الليل، وهؤلاء بحمد الله تعالى كثير وكثير، هم داخل الأسر وهم متفاوتون فمنهم من يصلي ساعات طويلة من الليل قد تصل إلى أربع ساعات، ومنهم المستقل من يصلي نصف ساعة أو نحوها، فهؤلاء خلوا بربهم في تلك اللحظات رافعين اكف الضراعة طالبين النجاة والسعادة قضوا هذا الوقت ساجدين راكعين مسبحين ومستغفرين فما أسعد نفوسهم واطهر قلوبهم ووالله إن لذاتهم لا تعادلها لذة نوم النائمين فهنيئا لبعض الأسر التي استيقظت وأيقظت صغارها وصلوا جميعا فهل سنلحق بهم؟

 

الصورة العاشرة: ظهور الاعتكاف خلال العشر الأخير من رمضان بكثرة كاثرة ولله الحمد من الرجال والنساء والصغار والكبار، تلاوة وعبادة وذكرا وصلاة وصيامًا وروحانية عجيبة لا يتذوقها إلا من عمل بها، فهل سنلحق بهم؟

 

 الصورة الحادية عشرة: من الصور المشرقة الإيمانية في أسرنا أن في أسرنا أناسا كانوا مضرب المثل في صلة الرحم ولله الحمد، فحددوا أوقاتا للصلاة ترتيبا وتنسيقا، فزار القريب واتصل على البعيد كل ذلك هروبا من عاقبة القطيعة وهي اللعنة والصمم والعمى نعوذ بالله من ذلك، فكانوا موفقين مباركين، فهل سنلحق بهم؟

 

 الصورة الثانية عشرة: في أسرنا رجال ينتظرون الصلوات المتتالية في المسجد، فيمضي على بعضهم وقتان وثلاثة وربما أربعة وهو في المسجد رباط في سبيل الله، هنيئا لهؤلاء دعوات الملائكة لهم ومباهاة الله بهم وقراءاتهم وتطوعاتهم وأذكارهم وطمأنينتهم وانشراحهم فهل سنلحق بهم؟

 

 الصورة الثالثة عشرة: من الصور المشرقة في أسرنا إيمانيا أن في أسرنا رجالا ونساء هم كثيرون في الذكر لله تعالى، فيذكرون الله تعالى قياما وقعودا وعلى جنوبهم مما يُعد بمئات الآلاف من الذكر في شتى أنواعه، محتسبين ذلك غرسا لهم في الجنان فهنيئا لهم شهادة تلك البقاع لهم بهذه الأذكار التي يرفضونها في ذهابهم وإيابهم وجلوسهم وقيامهم، وعلى عموم أحوالهم فهل سنلحق بهم؟

 

الصورة الرابعة عشرة: في داخل أسرنا صور مشرقة في بر الوالدين، فعرف ذلك البار أن الوالد أوسط أبواب الجنة، فكان لا يقدم عليه شيئا من حاجياته بل إن نظره واهتمامه مُنصب على أبويه رعاية وإشفاقا وخدمة واستكانة ودعاء لهم، فهل سنلحق بهم؟

 

 الصورة الخامسة عشرة: داخل أسرنا أناس احتسبوا في نفع الآخرين فخصصوا شيئا من أموالهم للقرض الحسن للمحتاج فكسبوا مصالح عديدة، منها قضاء الحاجة وكسبوا أيضا الصدقة فمن أقرض مرتين كمن تصدق مرة وكسبوا دعوات عظيمة رُفعت لهم وغير ذلك من المصالح فهل سنلحق بهم؟

 

 الصورة السادسة عشرة: داخل أسرنا أناس يتصدقون كل يوم سواء بالقليل أو الكثير كسبا لدعوات الملائكة لهم بالخُلف، وتقربا إلى الله تعالى ورجاء أن يكونوا تحت ظل العرش فهل سنلحق بهم؟

 

الصورة السابعة عشرة: أناس نذروا أنفسهم في الصدقات فاقتطعوا نسبة من رواتبهم الشهرية للصدقات، ومنهم من جعل راتبه أثلاثًا مثلثة للصدقة فيأكل ثلثه ويتصدق بثلثه ويدخر ثلثه، فيها بشراهم فهل سنلحق بهم؟

 

الصورة الثامنة عشرة: أناس نذروا أنفسهم لقضاء حاجات الآخرين، وتلذذوا بذلك لأنهم يعلمون أن هذا من الإحسان وأن جزاء الإحسان معية الله له ورحمته به وحبه له وجزاؤه له بالإحسان، فكانوا يبحثون عنها قبل أن تأتيهم، فيابشراهم، فهل سنلحق بهم؟

 

 الصورة التاسعة عشرة: أناس نذروا أنفسهم لإصلاح ذات البين، فكان نشاطهم فيها عجيبا، فما يعلمون من شيء في هذا إلا وسارعوا إليه يبتغون الأجر العظيم المذكور في سورة النساء، فهل سنلحق بهم؟

 

 الصورة العشرون: أناس لا يمضي على أحدهم يوم أو يومان إلا وزار مريضا أو أخًا له في الله يبتغون خُرفة الجنة وجناها، وهو عمل عظيم تصلي الملائكة على صاحبه وتدعو له، فهل سنلحق بهم؟

 

 فهذه الصور وغيرها كثير وكثير بحمد الله لم يتسع المقام لذكرها هي موجودة داخل الأسر، ومن بحث عنها وجدها فاجعل لك نصيبا وافرا من هذا، فهذا دأب الصالحين فالحق بهم فهو خير وتوفيق وتسديد من رب العالمين، أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا منهم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply