الأسرة ووسائل التواصل


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

إن من نعمة الله تبارك وتعالى على عباده أن جعل لهم ما يخدمهم في كثير من شؤونهم الخاصة والعامة، وذلك كالوسائل الحديثة، سواء في المركوب أو المسكون أو في الطب أو في سائر المتطلبات الخدمية التي تريح الإنسان من عناء التعب والمشقة، ومن تلك الوسائل ما يعرف بوسائل التواصل، حيث إن الله تبارك وتعالى يهيئ لعباده من الوسائل ما يستدعي استحضار نعمة الله تبارك وتعالى على عباده، وسيكون الحديث عن وسائل التواصل في خلال خمس وعشرين همسة:

 

 الهمسة الأولى: إن هذه الوسائل فيه من المصالح ما الله به عليم، فيقضي الإنسان كثيرا من حاجياته الدينية والدنيوية من خلالها، كصلة الرحم والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليعرف ما عليه أصحابه وأقاربه من أحوال طيبة ويتواصلوا فيها مع المرضى ويقضي من خلالها كثيرا من الحاجات التي تقتصر عليه كثيرا من المسافات، فهي بحق من هذا الجانب نعمة عظيمة تستحق الشكر والحمد لله رب العالمين.

 

الهمسة الثانية: هذه الوسائل بأنواعها وأشكالها هي سلاح ذو حدين، فيها الخير العظيم وفيها الشر العميم، والعاقل الحصيف يعرف كيف يتعامل مع هذين الأمرين بحدود أمر الشرع وأحكامه، فكما هي نعمة من جهة، فهي مع سوء الاستعمال نقمة من جهة أخرى، ويتعين على مستعملها أن يعرف ذلك قبل أن تزل به القدم فيندم حين لا ينفع الندم.

 

الهمسة الثالثة: إن هذه الوسائل تشترك فيها جميع الجوارح، فاليد تُمسك والأنا بل وتكتب والعين تبصر والأذن تسمع والعقل يفهم والقدم تمشي إليها ومنها واللسان يتحدث فيها، فكل تلك الجوارح شاهدة له أو عليه حسب فعله وقوله فيها، فليحذر الجميع من ذلك فهو أمر كبير وعظيم.

 

الهمسة الرابعة: إن هذه الوسائل غيبتها غيبة، ونميمتها نميمة، وكذبها كذب، وهذا وهكذا في الجانب الإيجابي خيرها خير وصدقها صدق وبرها بر وأجرها عظيم فلينتبه، أولئك الذين يسمعون ويرون ويرسلون من غير تمييز بين الخير والشر فيها.

 

الهمسة الخامسة: ورد في الحديث العظيم في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صحيح البخاري، حيث جاءه ملكان فانطلقا به فمر على أقوام يعذبون ومنهم رجل يشرشر شدقه إلى قفاه وعينه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه، فقال من هذا فقيل له هذا الرجل يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق...إلى آخر الحديث.

فهذه الوسائل هي من هذا النوع من العمل السيئ فإن بعض الناس قد يكذب الكذبة ويرسلها فترسلها الناس حتى تبلغ الآفاق، فليحذر الرجال والنساء من ذلك أشد الحذر.

 

الهمسة السادسة: هذه الوسائل هي طريقة سهلة في إنكار المنكر، فعندما تراه أو تسمعه فما هي إلا أحرف تكتبها أو كلمات تقولها في رسائل مكتوبة أو صوتية وليكن ذلك بالحسنى، فقد نرى أو نسمع مثلا في مجموعات الواتس وغيرها ما يكون منكرا، فعليك ألا تكون جسرا لعبوره وإنما أوقفه عندك وأنكر على صاحبه وليكن إنكارك بالحسنى مع دعواتك له بالهداية.

 

الهمسة السابعة: إن الوقت الذي تمضيه في هذه الوسائل أنت مسؤول عنه، فاجتهد في قصره على الخير حتى يكون شاهدا لك، أما إن كان على الشر فهو شاهد عليك فانتبه لهذا أو ذاك.

 

الهمسة الثامنة: ليتقي الله تعالى أولئك المغردون بما لا يرضي الله تبارك وتعالى فإنه يقرأ لهم الآلاف بل الملايين فاجعلوهم في سجل حسناتكم وإياكم أن يكونوا في سجل سيئاتكم، فإن الخير والشر كلاهما ينمو ويزداد وينتشر وستحاسبون عليهما جميعا لكم أو عليكم فاختاروا ما ترغبون أن تلقوا الله تبارك وتعالى عليه.

 

الهمسة التاسعة: إياك وإياكِ ونشر الأحاديث الموضوعة والضعيفة، فاسألوا عما تريدون نشره خصوصا ما يتعلق بالأحكام أو النصوص النبوية، فإنكم بذلك تتحدثون بلسان الشرع، فاحذروا ذلك.

 

الهمسة العاشرة: إياك وإياكِ ونشر الشائعات التي لا حقيقة لها، فلا تكونوا جسرا لها تعبر من خلالكم بل كونوا مدفن لها ومنتهاها، فإن فيها من الفساد ما يكون فتكا بالعباد والبلاد.

 

الهمسة الحادية عشرة: إن إغلاق كالمقطع مما يرد عليك مما يحرُم النظر إليه أو استماعه دليل على صدق إيمانك وقوة يقينك، وهذه من خشية الله تعالى بالغيب، فكن كذلك وكل منكرا على من أرسل إليك ذلك لتسلم أنت ويسلم هو من هذا الشر.

 

الهمسة الثانية عشرة: إياك وكثرة استخدام الجوال حال السير في سيارتك، لأن الجوال يأخذ باللب والشعور والتركيز والحضور، فإذا خضعت له ببصرك وسمعك وعقلك فما الذي بقي لقيادتك؟ وهنا تحصل الحوادث الأليمة التي يكون ناتجها الوفيات والأمراض المزمنة والخسائر الكبيرة، وإن كنت مضطرا للمكالمة أو المراسلة، فقف وافعل كل شأنك ثم سر على بركة الله تعالى لتسلم ويسلم غيرك.

 

الهمسة الثالثة عشرة: دع الجوال تماما إن كنت بحضرة والديك أو أحدهما، فهما أولى من غيرهما، ولعل الوقت معهما يصفي لهما فقط، وأما جوالك فسوف تجده في أوقات أخرى كثيرة، ونأسف كثيرا لمن يزور والديه ويجعل تصفح رسائله عندهما، فيسرق وقتهما فهو معهما بقالبه خارجا عنهما بقلبه.

 

الهمسة الرابعة عشرة: إن من أركان الشكر الثلاثة استخدام النعمة في طاعة المنعم عز وجل، أما إذا استخدم الجوال في مقاطع لا يحل النظر إليها أو الاستماع إليها فهو ضد الشكر، فيكون جواله وبال عليه وسيسأل عن هذا كله يوم القيامة.

 

الهمسة الخامسة عشرة: على الآباء والأمهات ألا يجعلوا جوالا هدية للصغار من خلال نجاحهم، فالأطفال ليسوا على مستوى ذلك العطاء، فتربيتهم مهمة وضياعهم خسارة وإنما يُعطون ما يناسبهم، أما إذا أعطوهم تلك الوسائل فسيرون ما لا تُحمد عقباه إلا أن يشاء الله، فعلى الوالدين أن يؤخرا ذلك ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

 

الهمسة السادسة عشرة: من الاستثمار الإيجابي في الأسري في بعض تلك الوسائل وضع مجموعات واتسابية للأقارب أو الجيران ونقل الخيرات الإيجابية فيما بينهم وتواصلهم والمساهمة في حل المشاكل والتشاور في الترتيب لقاءاتهم وإسداء الخير لهم، فهذا خير عظيم لمن استثمره وحافظ عليه من الخروقات السلبية.

 

الهمسة السابعة عشرة: هذه الوسائل داخل الأسر هي فتنة وسلاح ذو حدين فناجح موفق مسدد وآخر مخفق مخذول، فحاول أن تكون أسرتك من الصنف الموفق وذلك بالتوعية الدورية شفهيا أو بالمراسلة ونحوها، أما التساهل والتنازل والتسويف فهو يجعل الأسرة على مستوى متدني من حيث لا يشعرون.

 

الهمسة الثامنة عشرة: من الممكن أن يُستحدث لدى الأسرة بكاملها على مستواها العام تطبيقات وبرامج إيجابية وتربوية، تساهم في رفع المستوى التربوي للأسرة وذلك كما يلي:

 تتبع المناسبات الشرعية كرمضان وعشر ذي الحجة وغيرها، فتُرسل عليها الرسائل لاستثمارها ومعرفة فضلها.

أيضا مسابقات لأبناء الأقارب على هيئة السؤال والجواب، ويسمى السؤال الأسبوعي ويُعد بعناية ويكون هذا السؤال محل مناقشة في قروبات الأسرة للتوعية والتربية وأيضا كذلك وضع برامج خاصة تناسب بعض أفراد الأسرة من الأقارب، مثل القراءة الثقافية أو حفظ شيء من القرآن أو حفظ شيء من السنة أو بحوث مسائل شرعية سواء على مستوى الرجال أو النساء.

أيضا كذلك مما يُقترح استحداث قروب نسائي للعائلة يُرسل فيه ما يهم المرأة في دينها وتربيتها لأولادها ونحو ذلك.

وإلى غير ذلك من البرامج التربوية والدعوية.

 

الهمسة التاسعة عشرة: أحيانا يكون في وسائل التواصل الأسرية ما لا يحسن إرساله فعلى المشرفين على تلك المجموعات ملاحظة ذلك والتنبيه عليه حتى يتحقق الهدف المنشود من تلك الوسائل.

 

الخامسة العشرون: من الجميل جدا أن تكون نغمات التنبيه في تلك الوسائل لا توصف بالعزف والموسيقى وإنما يُختار لها نغمات مباحة، ففي الحلال ما يُغني عن الحرام، وبالمناسبة نعتب على هؤلاء الذين آذوا المصلين في مساجدهم وأثناء صلاتهم في عزف جوالاتهم، فيا ليتهم أغلقوها أو صمتوها، فعلى الأسرة أن تتعاون على حل تلك المشكلة سواء داخل المسجد أو خارجه.

 

الهمسة الحادية والعشرون: لا ينبغي أن تكون الأوقات واحدة في استعمال الوسائل، فلنجعل لها أوقاتنا التي نسترخي فيها، حفاظا على الأوقات العزيزة التي تُعتبر ذروة فيستفاد منها في أشياء مهمة.

 

الهمسة الثانية والعشرون: إن استثمار ما يسمى بالحالة في الواتس دعويا وتربويا مهم جدا، ففيه خير عظيم ودعوة وتربية.

 

الهمسة الثالثة والعشرون: يُقترح فتح جروبات في المجتمع تُعنى بالحديث عن الأسرة ومشكلاتها وحلولها ونحو ذلك فيكون الطرح متخصصا بهذا المجال لتكون نافذة لحل المشاكل الأسرية وطرح الإيجابية لتنفيذها والسلبية لتلافيها في بعض المجالات الأسرية.

 

الهمسة الرابعة والعشرون: أهمية التوعية الأسرية بين الفينة والأخرى في الجلسات الأسرية البيتية عن تلك الوسائل والتذكير بالثواب والعقاب في التعامل معها.

 

الهمسة الخامسة والعشرون: مما يُلاحظ على بعض أبنائنا في مساجدنا وربما الكبار أحيانا، يُسارعون بعد صلاتهم مباشرة إلى فتح جوالاتهم وتصفحها وربما نسوا أذكار صلاتهم وانغمسوا في هذا التصفح، فصلاتهم وأذكارهم أولى من هذه الوسائل.

 نسأل الله تعالى أن يوفقنا لكل خير وأن يجنبنا كل شر.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply