الأم في بيتها


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

إن النساء شقائق الرجال وهن مخرجات الأجيال، وكم من عظيم كانت وراءه امرأة عظيمة، فالأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل -رحمهم الله-، كل منهم ذُكر في سيرته أنه نشأ في أول نشأته باهتمام بالغ من أمه توجيها وتعليما وتربية، وهكذا يجب أن تكون الأمهات، ومن ورائهن من الرجال رعاية وحماية ونفقة وإحاطة، فالمرأة لها ثقلها في البيت، سواءً كانت أمًا أو بنتًا أو زوجة أو غير ذلك، وسيكون الحديث عن المرأة في بيتها ضمن عشرين وقفة أعتقد جازمًا أننا جميعا بحاجة ماسة إلى معرفتها ومزاولتها وتفعيلها وهي على النحو التالي:

 

الوقفة الأولى: المرأة هي عمود البيت وأساسه وقِوامه بعد الله تبارك وتعالى، لها قدراتها العالية في تربيتها وتعليمها ورعايتها، بل وتغذيتها لأولادها وشفقتها عليهم ونحو ذلك، وإذا كانت بهذه المكانة فلا شك أن لها وعليها حقوقًا عظيمة يجب مراعاتها منها ولها، فجميل أن تلاحظ الأم الكريمة هذا بعناية وتعرف مخرجاتها فيما يخص التربية والتعليم والسلوك، آمرةً وناهيةً وموجهة، وهي حيال ذلك متفائلة بنتائج طيبة ولو بعد حين، فإن هذا يزيدها إصرارًا وثباتًا على الإيجابية.

 

الوقفة الثانية: إن المرأة لها منزلتها العظيمة في الإسلام، فهي أم يجب برها، وخالة بمنزلة الأم، أو أخت يجب وصلها، أو عمة لها قدرها ومنزلتها، أو بنت يجب رعايتها، فكل جهة من هذه الجهات في قرابة المرأة لها أحكامها الشرعية التي يتعين التعرف عليها عن قرب، وتفعيلها على أرض الواقع من من غير حيف، فلو تم هذا لآتينا كل ذي حق حقه.

 

الوقفة الثالثة: المرأة كأم هي الملاذ بعد الله تبارك وتعالى للأولاد شفقة عليهم ورأفة بهم، تحمل وتضع وتُرضع وتعمل على الرعاية بكل محبة ورحمة، وتُعلم وتربي، بل وتنسى نفسها حيال أولادها، بل وتعمل وهذا لهم برغبة ومن غير سأم، كل هذا ونحوه بما أودعه الله تعالى في قلبها من الرحمة بأولادها والشفقة عليهم، فهل تفكر الأولاد في هذا ورد الجميل مقابل الجميل؟

قال الله تبارك وتعالى (أن اشكر لي ولوالديك) فيا أيها الأولاد الكرام تفكروا في هذا كثيرا لعلكم تفلحون.

 

الوقفة الرابعة: الأم في بيتها لا تكتفي بالمأكل والمشرب ونحوها مما يحتاجه الأولاد في دنياهم، بل تتعدى وظيفتها إلى أن تكون مدرسةً في بيتها، في توجيهها حين يُخطئون، وفي تشجيعهم حين يُصيبون وإرشادهم إلى المحاسن من الأقوال والأفعال ودلالتهم على الخير ولتحتسب الأجر في ذلك، فالأولاد مشروع تربوي كبير لهذه الأم رعاية وعناية، وهم بهذا صدقة جارية لها فهي بهذا العمل قامت مقام الدعاة الكبار، فلو أن كل أم أتقنت آلية تنفيذ هذا المشروع لصلُح المجتمع قاطبة، وهكذا كان يفعل أمهات الأئمة الأعلام والقادة الكبار عبر التاريخ.

 

الوقفة الخامسة: الأم في بيتها قدوة لبناتها في ملابسها وحجابها وكلامها وحشمتها حيث إنهن ينظرن لها كمربية ومعلمة، وفي الغالب الأعم تكون البنات على أخلاق أمهاتهن، فلتتق الله تعالى الأمهات في فلذات الأكباد، ولتستثمر ذلك في دلالتهن على الخير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) رواه مسلم.

فيا أيتها الأمهات لا تخدشن أخلاق بناتكن بتصرف سيئ وحاشاكن من ذلك، ولتكن الأم مع بناتها يتآمرن بالمعروف ويتناهين عن المنكر، لينجو الجميع دنيا وأخرى.

 

الوقفة السادسة: على الأم تعليم بناتها الخدمة المنزلية بشكل جيد لتلافي مشكلاتها في قيامها بالخدمة لزوجها بعد زواجها، فظهرت بعض البنات بعد زواجهن لا يعرفن الخدمة الكافية مما يُعرف بشؤون البيت والمآكل ونحوها من مسئوليات البيت المتنوعة، فلا يناسب أن تتعلم تلك الفتاة هذه الأشياء في بيت زوجها وتحت إشرافه بل الأصل أن تكون تعلمت قبل زواجها وفي بيت أهلها وبإشراف أمها، مما جعل الإشكال أحيانا يسود نسبيا على تلك الأسرة الجديدة.

 

الوقفة السابعة: لتهنأ تلك الأم بالبرنامج النبوي في دخولها الجنة ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا صامت المرأة شهرها وأطاعت زوجها وصلت فرضها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبوابها شئت) فاحرصي أيتها الأم المباركة على تلك الخصال فهي من أسباب دخول الجنة، وعلميها لبناتك ليفلح الجميع.

 

الوقفة الثامنة: على النساء في البيوت وبإشراف الأمهات أن يتعاون الجميع على إحياء القيم الإيجابية مما يخص الجانب النسوي من الحشمة والستر والعفاف والحياء والبُعد عن الرجال والقرار في البيوت وغير ذلك مما هو سبب نجاحهن وسعادتهن دنيا وأخرى.

 

الوقفة التاسعة: على الأم في بيتها أن تحتوي الخلاف مع زوجها ولا تُظهره لأولاده وأن تتنازل وتتغافل فيما يمكن التنازل فيه والتغافل عنه بقدر الإمكان، وذلك مقابل بقاء العشرة الزوجية واستمرار تلك الأسرة يسودها الألفة والمحبة، وهكذا للزوج يقال فيما يخصه من التنازل والتغافل فيما يمكن التغافل عنه، أما إذا صار الزوجان متقابلان في الخصومات واللجاجات، فإن الأسرة لا تستقر ولا تطمئن وتنخر فيها المشاكل وتتسع دائرة الخلاف وحينها يصعب الحل.

 

الوقفة العاشرة: أيتها الأم المباركة أكثري من ذكر الله تعالى خلال عملك في بيتك، فإن العمل والذكر لا يتعارضان واجعلي ذلك سلوكا لك ولبناتك فتحصدن الحسنات من أوسع أبوابها، من حيث لا تشعرون وسيطمئن أهل البيت بذكر الله تعالى ولن يكون للشيطان مكان إذا زاحمه ذكر الله عز وجل، قال عليه الصلاة والسلام: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس) أكثري من هذه الكلمات الأربع ونحوها فهي خير عظيم وثواب جزيل ويمكنك أن تقوليها 100 مرة في 5 دقائق.

 

الوقفة الحادية عشرة: عليكِ أيتها الأم المباركة بوزن الكلام تماما مع الزوج، فإن الكلمة لها تأثيرها البالغ سلبا وإيجابا، وكم من المشاكل سببها كلمة وكم من الاطمئنان والهدوء سببه كلمة، فعليك بمراعاة ذلك ولا يستجلينكِ الشيطان فإنه عدو لكم جميعا، وعلى الزوج مثل ما على الزوجة ليسعد الجميع.

 

الوقفة الثانية عشرة: كم هو جميل أن تجعل الأم لبناتها حلقة تربوية يتعلمن على يديها ما يهمهن من أمور دينهن ودنياهن في طهارتهن وصلاتهن وسائر عبادتهن، ومما يخص دنياهن خلقا ومعاملة، وهذا له أثر كبير وعجيب حين يستمر، فله مخرجاته الطيبة، فالأم بهذا كانت مدرسة كما كانت أمهات الأئمة الأعلام عليهم رحمة الله.

 

الوقفة الثالثة عشرة: على الأم عند خروجها من بيتها أن يكون ذلك للحاجة اللازمة، ولتكن متسترة محتشمة ولتحذر عند خروجها إلى السوق لحاجتها من التطيب ومن معسول الكلام مع الباعة فإن الشيطان حريص على كل ما يخدش ذلك الستر وتلك الحشمة فالحذر الحذر لك ولبناتك .

 

الوقفة الرابعة عشرة: حاولي أيتها الأم الكريمة أن تضعي لبناتك برنامجا مناسبا لتعزيز القيم الإيجابية التي تخص المرأة على جميع مراحلها، بنتا وزوجة وأما، فإنها بأشد الحاجة إلى ذلك، حيث تفتقد بعض الزوجات حديثي الزواج قدرا كبيرا من هذا، وقد يكون هذا سببا من أسباب الفراق والطلاق، فاحرصي على مناقشة ذلك وتفعيله وقاية وبناءا.

 

الوقفة الخامسة عشرة: إن هناك دعاة إلى الشر وإلى هتك الستر والحشمة فاحذري هؤلاء فإنهم لا يريدون بك الخير ولا تتساهلي في ذلك فإن الشر يجر بعضه بعضا فكوني الحصان الرزان.

 

الوقفة السادسة عشرة: عليكِ أيتها الأم الكريمة بالتعامل الأمثل مع وسائل التواصل وتوعية بناتك بذلك، فإنه سلاح ذو حدين فلها مخرجاتها الطيبة ولها الخسائر الفادحة، فكانت التوعية الدورية في ذلك أمر لازم.

 

الوقفة السابعة عشرة: لتعلم البنات والأبناء الكرام أن الأم والأب أوسط أبواب الجنة، فليحفظوا هذا الباب بالبر فإنهم رابحون في أنفسهم وفي أولادهم، وأما إن ضيعوه بالعقوق فهم الخاسرون، وعندما يسود التفاهم والتغافل في تلك الأسرة فإنهم ساعون إلى البر والخير والإحسان بإذن الله تعالى.

 

الوقفة الثامنة عشرة: إن شفقة الأم الزائدة على الأولاد من خلال تحركاتهم وذهابهم وإيابهم له مخرجاته السلبية فعليها الاعتدال في ذلك مع بذل أسباب الوقاية والبناء فيهم حتى يكونوا صالحين وناجحين في معاملاتهم مع الآخرين.

 

الوقفة التاسعة عشرة: على الأم والأب أن يُكثرا من الدعاء لأولادهم بالصلاح والإصلاح والخير عامة فإن دعاءهم لهم قريب من الإجابة.

 

الوقفة العشرون: الأم راعية في بيتها ومسئولة عن رعيتها فلتحذر الأم المباركة أن تتساهل في أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر فإنهم سيتعلقون بها يوم القيامة، وإنها مسؤولة عنهم فليستحضر هذا الآباء والأمهات كل حين وآن، ومن الرعاية: تعليم بناتها أحكام الشرع في صلاتهن وطهارتهن والعبادات الواجبة على قدر استطاعتها عن طريق القراءة أو المناقشة والمجالسة أو إلحاقهن بالدور النسائية أو عقد درس علمي شرعي للأولاد يتعلمون من خلاله، ففي هذا خير عظيم من تحصيل العلم وحلول الرحمة وغشيان السكينة ونزول الملائكة وذكر الله تعالى لهم في من عنده.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply