أم قرب أولادها


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

الأم هي ذلكم المحضن الكبير والدفء والشفقة والتربية الواسعة وهي المغذية والمعالجة والمسلية وهي المربية والحاضنة وهي الوالدة والمستشارة الناصحة وهي المعلمة والراعية والكاسية وهي أوسط أبواب الجنة وهي الحانية والمشفقة وهي السعيدة إذا سعِد أولادها وهي المريضة إذا مرِض أبناؤها

هذه هي الأم، فما مكانتها التربوية لأولادها؟ هذا ما سنعرفه بإذن الله تبارك وتعالى من خلال عشرين وقفة، أرجو من الأمهات الكريمات وضع النقاط على الحروف من خلال تلك الوقفات عمليا، وأن تكون تلك الأم المباركة هي سلسلة الصحابيات ونساء المؤمنين الأوائل، فاعلمي أن عليكِ أمانة عجزت عنها السماوات والأرض والجبال بينما تحملتيها أنت فاستعيني بالله تبارك وتعالى على تأديتها.

 

الوقفة الأولى: الأم في حياة الأولاد وتوجيههم هي من أهم المحاضن التربوية، لأنها تخالطهم أكثر من غيرها، وتزول الكلفة بينهم وبينها، مما يجعل التوجيهات التربوية بأنواعها لا يحول دونها حائل، فمن هنا كان الحديث عن الأم أولا لتكون هي القاعدة التربوية لهم والمشرفة عليهم والموجهة الناصحة لهم.

 

الوقفة الثانية: أيتها الأم الكريمة، يلزمك معرفة الرعاية اللازمة للأولاد والمنهجية أمام الله تبارك وتعالى عندما يسألك عن رعايتك لهم وفهم وذلك حق الفهم وتنزيله على أرض الواقع كما أراد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا حصل هذا بتمامه تصححت المفاهيم وصلُح الأولاد وفزتي ببرهم وفلاحهم.

 

الوقفة الثالثة: اقرأي عن أمهات المؤمنين والنساء الصالحات ومربيات الأجيال عبر التاريخ حتى تتعرفي على عملك الحقيقي الذي أنيط بك، أما اجتهادك فتشكرين عليه لكن قد تصيبين وتخطئين ولكن بالاطلاع على كتيبات من السيرة يعطيك تغذية راجعة فيما هو من صميم عملك، وهو تربية تلك الناشئة فإذا تساهلت في هذا فقد تساهلت في أبرز أعمالك وواجباتك.

 

الوقفة الرابعة: اجعل أولادك مشروعك في الحياة، فخططي وفكري وناقشي غيرك وحاوريه حول التربية الصحيحة لتقومي بعمل اللازم فإذا أنشأت ثلة من الأولاد تربوا على يديك تلك التربية الصالحة، فقد قمتي بواجبك وهنيئا لك في كونهم الصدقة الجارية لك، فاجعلي هذا هو شغلك الشاغل فهم من آثار تلك التي يكتبها الله لك.

 

الوقفة الخامسة: أكثري من الدعاء لهم خصوصا في أوقات الإجابة، فلربما فشلت التربية ونجح الدعاء، فلا تسأمي وتملي وكرري وألحّي وأيقني بالإجابة ولو بعد حين، فأنت على خير عظيم فدعوتك هي إحدى الدعوات المستجابات.

 

الوقفة السادسة: إن من أهم مسئولياتك تلقين أطفالك حال صغارهم العقيدة الصحيحة كقولك (من ربك وما دينك ومن نبيك) ونحو ذلك من أساسيات الاعتقاد حتى يأخذها ويحفظها ويتربى على معرفتها ويتلفظ بها ولو لم يفهمها في حينها فإنه سيفهمها لاحقا بإذن الله تبارك وتعالى، فأرضعيه تلك العقيدة حتى ينشأ صالحا مصلحا بإذن الله عز وجل.

 

الوقفة السابعة: تأكدي أيتها الأم المباركة أن مرحلة الطفولة هي تكوين لشخصية المستقبل فاهتمي بها كامل الاهتمام فهي مستودع المستقبل ومخزنه، ومن الخطأ أن نحتقر الطفل ونقول بأنه لا يفهم ما يتم به توجيهه، أو أنه لا يستوعب ذلك، بل هو يسجل ما يحدث سلبا أو إيجابا ثم يستعرضه لاحقا، وحاوريه عما وجهتيه به فستجدين، عند جهينة الخبر اليقين.

 

الوقفة الثامنة: حاولي عزيزتي الأم المباركة أن تستثمري أولادك في تحفيزهم الأذكار اليومية في الدخول والخروج والمأكل والمشرب والنوم والصباح والمساء، إضافة إلى الأعمال الفاضلة اليسيرة، كصلاة الضحى، والوتر، ونحوهما، فهذا كله صدقة جارية لك وربما تسلسل إلى أولادهم في الزمن القادم فبرمجي تلك النصوص النبوية في كل أسبوع يحفظ ذكرا أو يعمل عملا فاضلا، وتتابعينه فيه، فهنيئا لك ويا باشراك حينها.

 

الوقفة التاسعة: لابد للأم الكريمة أن تستثمر المواقف مع أطفالها سلبا أو إيجابا بالتوجيه المناسب وبالأسلوب المناسب، حتى يتعرف على الصواب من الخطأ، أما العتاب السيئ أو ضياع فرص التوجيه بتركها فهي خسارة كبيرة على الأم المباركة، فلو تم توجيهه في كثير من المواقف لصار شخصية كريمة محترمة متربية.

 

الوقفة العاشرة: لتعلم الأم وكذلك الأب أن صلاحهما هو من أوسع الطرق لصلاح الذرية والعكس بالعكس، إلا أن يشاء الله تعالى، فاحرصا جُزيتما الجنة على أن تكون قدوة صالحة لهم فهم من آثاركم المكتوبة لكم عند الله عز وجل.

 

الوقفة الحادية عشرة: على الأمهات الكريمات تشجيع وتحفيز الأولاد على إيجابياتهم القولية والفعلية، لأن كل تشجيع يُولد ويولد إيجابية أخرى، وهكذا تتوالى الإيجابيات، فلا بد أن يكون أن يكون التشجيع منهجا ثابتا كما كان النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، حيث قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (نِعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل) فاستذكري ذلك دائما مع أولادك، وفقك الله.

 

الوقفة الثانية عشرة: على الأم الفاضلة تعليم بناتها الأحكام الشرعية للدورة الشهرية وتبدأ في وقت مبكر بمقدمات واضحة من حيث التعامل الشرعي مع ذلك الحدث، لأن بعض البنات قد يحصل معها هذا ولا تتحدث به وقتا قد يطول، فكان لزاما على الأم المباركة أن تتقدم هي بهذا.

 

الوقفة الثالثة عشرة: يجب على الأم أن تحذر الكذب عموما ومع الصغار خصوصا لأنهم سيقتدون، وإذا سمعوا ذلك الكذب قد يكون سجية لهم ويصعب تعديلهم، بل إذا سمعت منهم كذبا ووجهتهم وأرشدتهم.

 

الوقفة الرابعة عشرة: يكثر أحيانا الخلاف مع الأولاد عامة ومع الصغار خاصة فلتحذر الأم الكريمة لكثرة احتكاكها بهم أن تدعو عليهم، فإن هذا الدعاء هو إحدى الدعوات المستجابات ثم يحصل ما لا تُحمد عقباه، والشواهد على هذا كثيرة ومتوفرة وذلك بسبب موجة غضب سريعة فالتعامل مع الغضب ليس بالدعاء، وعلى الأم أن تدرك العواقب قبل أن تحل ما لا تُحمد عقباه.

 

الوقفة الخامسة عشرة: من الآداب التي ينبغي للأم تعويد أطفالها عليه الأخذ والعطاء والأكل باليمين والتسمية والحمد عند الطعام والحمد والتتشميت عند العطاس والشكر عند الإنجاز والسلام عند الدخول واجتناب الملابس المصاحبة للصور ذوات الأرواح أو الكتابات السيئة ونحو ذلك من الآداب، حتى ينشأ الطفل متأدبًا بآداب الإسلام ومتمسكا بها.

 

الوقفة السادسة عشرة: إن حديث الأمهات لأولادهن عن مستقبلهم الاجتماعي والوظيفي ونحو ذلك مهم جدا، لأن هذا مما يرسخ في ذهن الطفل الإعداد والاستعداد لذلك فليكرر مرارا.

 

الوقفة السابعة عشرة: على الأم المباركة ترسيخ مفاهيم التربوية عند الأطفال وذلك بالأسلوب المناسب لهم، وهذا مما يُدعم القيم الإيجابية لديهم ويجعلهم محصنين من السلبيات، شريطة ألا يروا من أمهم ما يخالف تلك المفاهيم، فالاحترام والأدب والطاعة وضبط الألفاظ والحفاظ على الممتلكات ونحو ذلك هي مفاهيم تربوية تُغرس هي وأمثالها في نفوس الأولاد.

 

الوقفة الثامنة عشرة: من المهم على الأم والأب أن يجعلوا عمل الخير أحيانا أمام أولادهم ليقتدوا بهم، فالقدوة هي باب كبير في التربية ومن أيسر السبل إليها فهي الدعوة الصامتة، فلنتعمد أحيانا ذلك حتى يتربى أولادنا بأكثر من أسلوب على الخير وليجعلوه شعارا لهم، فكم تربى الناس بعضهم على أيدي البعض الآخر من خلال الاقتداء.

 

الوقفة التاسعة عشرة: تأكد أيتها الأم المباركة أن توجيهات كل أولادك لم تذهب أدراج الرياح، حتى ولو لم يُلقوا لها بالا، بل حتى ولو سخروا منها، حتى قالت إحدى الأمهات: كنت حريصة على تواجدي على توجيه ابنتي وهي تسخر مني أحيانا لكنها لما كبرت قالت بأن توجيهاتكي لي لا ألقي لها بالا لكن إذا حصل الموقف تذكرتها وطبقتها، وهذه البنت الآن هي داعية وحافظة لكتاب الله تعالى.

 

الوقفة العشرون: أيتها الأم الكريمة لا تنشغلي بزخارف الحياة وبهرجتها عن العمل المناط بك، فستكوني مضيعة لما كُلفت به، مقابل المحافظة على ما لم تكلف به فإن هذه الذرية هم رعيتك، وستُسألين عنهم، والسؤال عظيم في وقت جسيم لا تنفع فيه الحجج الواهية ولا يمكن فيه الرجوع لتصحيح المسار، فتفقدي ما كُلفت به الآن ليسهل عليك الجواب غدا، وما قيل عن الأم في كثير من هذه الوقفات هو منطبق على الابن المبارك الكريم، فليعمل الجميع على نجاة نفسه بصلاحه وصلاح من تحت يده، فالأمر جد خطير والتسويف هو رأس أموال المفاليس، فاستيقظوا ما دمتم في زمن الإمكان.

 

 أسأل الله تبارك وتعالى للجميع صلاح النية والذرية

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply