بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
تتوالى المناسبات المتنوعة الاجتماعية والشرعية والتعليمية وغيرها على الأسر؛ مما يجعل تلك الأسر يحصل في جدولتها شيء من التغيير حسب تلك المناسبة، فيتعيَّن على الأسرة عمومًا وعلى الوالدين على سبيل الخصوص - التعرف عن كثبٍ عن آلية التعامل مع هذا الموسم من كل جوانبه؛ حتى تنجح تلك الأسرة في تجاوزه بنجاح وتفوُّق، ومن تلك المواسم، موسم الاختبارات، فالأسر مستنفرة بأبنائها وبناتها فيما هم مقبلون عليه من هذه الامتحانات، الكل متعاون ومتكاتف كل فيما يخصه، وعلى المدرسة أن تكون هي اليد الأخرى للطلاب والطالبات تربية وتعليمًا وتيسيرًا وتسهيلًا، وتهيئة نفسية وتربوية؛ ليتجاوز أبناؤنا وبناتنا هذا الموسم بنجاح وتفوُّق بإذن الله تعالى، ولنا مع هذا الموسم خمس وعشرون وقفة سريعة عما يجب الانتباه له والوقوف عليه، والتعامل معه في ذلك.
الوقفة الأولى: التهيئة النفسية لأولادنا في هذا الموسم تحتمها الضرورة، ويفرضها الواقع، فهي مفتاح التحصيل والنجاح، فعلى الوالدين الكريمين مراعاة ذلك كثيرًا مع أولادهم.
الوقفة الثانية: إن التحفيز والتشجيع اللفظي لا يستهلك من الوالدين أو المعلمين والمعلمات شيئًا من الجهد، فهو كلمات يلفظونها، لكنها تبني عند أبنائنا وبناتنا الشيء الكثير والكبير في تقوية عزائمهم وشحذ هِممهم، فابنوا وفَّقكم الله مع أولادكم وطلابكم جسورًا من التشجيع ولو كانت الإيجابيات قليلة، فالتشجيع يولد المزيد من التفاعل الإيجابي.
الوقفة الثالثة: على الوالدين والمعلمين والمعلمات مشاركة طلابهم وأولادهم في التخطيط الجيد للمذاكرة كمًّا وكيفًا وزمانًا ومكانًا، فهم بحاجة ماسة للتوجيه؛ ليكسبوا أوقاتهم ويستثمروها في ظل توجيهاتهم المباركة.
الوقفة الرابعة: أولادنا كيف يذاكرون؟ ومع مَن يذاكرون؟ وأين يذاكرون؟ هذه النقاط وأمثالها على الوالدين الكريمين أن يعرفاها تمامًا؛ حتى يحافظوا على تربيتهم السابقة؛ بحيث لا يخدشها شيء، فالاحتواء والتبين مطلب كبير في المجال التربوي، بل إن بعض الآباء قد يستثمر وقته في مشاركة أولاده في مكانهم خلال مذاكرتهم فيما يَخصه هو ثقافيًّا وتربويًّا.
الوقفة الخامسة: على الوالدين الكريمين عدم إشغال الأولاد بظروف غير لازمة خلال تلك الفترة، لتجتمع أذهانهم وأفكارهم على مذاكرتهم، فتلك الفترة تتغير فيها البرامج الأسرية.
الوقفة السادسة: كم هو جميل جدًّا تعويد أولادنا بما يشرح صدورهم من الأذكار النبوية الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام، كدعاء الخروج والدخول، والصباح والمساء، والمنام، ونحوها، فتطمئن نفوسهم وتنشرح صدورهم.
الوقفة السابعة: الكلام الطيب والابتسامة التي يغادر فيها أولادنا من البيوت، ويجدونها أيضًا في مدارسهم من أساتذتهم أثناء اختباراتهم، هي دافع كبير وتهيئة نفسية للنجاح.
الوقفة الثامنة: أخي الطالب والطالبة، الغش حيلة العاجزين، فهو معصية الله تبارك وتعالى الذي يراكم، وبيده نجاحكما وإخفاقكما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن غشَّنا فليس منا)؛ [رواه مسلم].فأبعِدا أخي وأختي الكريمين عن ذلك وكونا على قدر المسؤولية.
الوقفة التاسعة: على الطالب والطالبة الكريمين أن يفعلا أسبابًا أخرى للنجاح غير المذاكرة، ومن ذلك:
دعاء الخروج من المنزل بأن يقول: بسم الله، توكَّلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فيُقال لمن قال ذلك: هُديت ووُقيت وكُفيت؛ كما ورد في الحديث الحسن.
وكذلك البسملة وهي استعانة عند الإجابة، وكذلك الشكر لله تبارك وتعالى عند النهاية، فهذه من عوامل النجاح.
الوقفة العاشرة: على المعلمين الكرام الأفاضل أن يتعاملوا مع الطلاب في ذلك الموسم بالشفقة والمحبة والتهيئة، فإن الطالب قد يكون ذهنه استحوذ عليه ملابسات المذاكرة والامتحان، فقد يحصُل منه بعض الهفوات، فليكن التعامل معه بالاحتواء والتوجيه المصاحب للرفق وتحقيق المصلحة.
الوقفة الحادية عشرة: على الوالدين الكريمين عدم المشاكسة مع الأولاد صبيحة الامتحانات لأخطاء قد تحصل منهم، وعليهم احتواء المواقف وتأجيل العتاب ما أمكن، فما أحوج الطالبة والطالب إلى ذلك.
الوقفة الثانية عشرة: هذا الامتحان في الدنيا بصيغة السؤال والجواب والنجاح والإخفاق يُذكر بالسؤال الأخروي، من ربك وما دينك ومن نبيك وسؤاله عن علمه وعمله وعمره وشبابه وماله فليستعد لهذا وذاك.
الوقفة الثالثة عشرة: النية الصالحة في التحصيل العلمي مهمة جدًّا، فما بين الصحة والفساد في النية إلا ما يقع في القلب من قصد الأجر والعبادة مع العمل بالعلم الذي هو برهانه ودليله.
الوقفة الرابعة عشرة: الدعاء من الوالدين لأولادهم، ومن الأولاد أيضًا لأنفسهم غاية في الأهمية، فهو من وسائل تحقيق المراد وتحصيل الأهداف، فما أسهله وأعظم أثره، فهو سؤال من بيده مقاليد الأمور، كقولهم: اللهم يا مفهم سليمان فهِّمني، ويا معلم إبراهيم علِّمني، وكقولهم أيضًا: اللهم إني أسألك الصواب والسداد في الإجابة ونحو ذلك.
الوقفة الخامسة عشرة: الحمد والشكر لله تبارك وتعالى عند حصول الإصابة في الإجابة، وعند حصول العون والسداد، أمرٌ مهم، فبالشكر تزيد النعم ويحصل الرضا، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7].
الوقفة السادسة عشرة: إذا وُفقت أخي الطالب، وأختي الطالبة، فلا تستهزئا بأحد لم يُوفق، فإن البلاء موكل بالمنطق، ولكن احمدَا واشكرا الله تعالى، وأرشدا ذلك المخفق إلى الصواب الذي هُديتهما إليه.
الوقفة السابعة عشرة: على المعلمين الأفاضل في فترة الملاحظة أن يستثمروا وقتهم بالذكر، فهو فرصة عظيمة وخير من السكوت، فإنهم سيحصلون على خير عظيم.
الوقفة الثامنة عشرة: عندما ينتهي الطالب من الامتحان، ولم يؤذن له بالخروج، فعليه باستثمار ذلك بذكر الله تعالى، فهو أَولى من سكوته وخموله.
الوقفة التاسعة عشرة: أين يذهب أولادنا بعد الاختبارات في اليوم نفسه، لا بد من اليقظة في تلك النقطة، فالمسؤولون من التربويين وغيرهم يشكون من تلك اللحظات، فليهتمَّ أولياء الأمور أشدَّ الاهتمام بهذه اللحظات التي تلي امتحان اليوم نفسه، فهي كفيلة -لا قدر الله- بإفساد الولد إن أُهملت وتكون بإصلاحه إن استُثْمِرت.
الوقفة العشرون: قد يكون البعض يزكي أولاده من ذلك، فلا يهتم كثيرًا، ولكنه عندما يحصل ما لا تُحمد عقباه، لا تنفع تلك التزكية، فبذل الأسباب مطلب كبير للحفاظ على أولادنا.
الوقفة الحادية والعشرون: على الطلاب والطالبات المحافظة على الكتب بعد الامتحان، فهي تحتوي على ذكر الله تعالى، فلتوضع في المكان المناسب لها باحترام وتقدير.
الوقفة الثانية والعشرون: على الطلاب والطالبات احتساب الأجر في مساعدة زملائهم فيما يُشكل عليهم، وهذا من الإحسان الذي يؤجرون عليه.
الوقفة الثانية والعشرون: على المعلمين والمعلمات والطلاب والطالبات - الحذر من غيبة أحد كان له موقف معين في الامتحان أو قبله أو بعده، فلا يجوز استباحة عرضه بهذا الخلل الذي ابتُلي به، ولكن ليُمسك الجميع حفاظًا على حسناتهم.
الوقفة الثالثة والعشرون: على الطلاب والطالبات استثمار هذه الأيام في المراجعة والمناقشة عما يُشكل عليهم مع معلميهم، فهي لحظات وأوقات مهمة في الاستذكار والمذاكرة.
الوقفة الرابعة والعشرون: وقوع الطالب أو الطالبة في الغش خطأ جسيم وكبير، والتعامل معه يجب أن يكون إيجابياًّ وتربويًّا، وضمن النظام المتبع، مع مصاحبة ذلك للجلسة الإرشادية التي يجب أن يتلقاها الطالب أو الطالبة من إدارة مدرسته حيال هذا الشأن؛ بناءً وتصويبًا وتصحيحًا للمفاهيم.
الوقفة الخامسة والعشرون: على الآباء ألا يُسرفوا في تكريم أبنائهم وبناتهم من خلال نجاحهم، بل عليهم تعويدهم بأن كسبهم هو لهم، فلا يناسب تربويًّا أن يكون سجية للولد أنه كلما أنجز كوفئ، وليكن إنجازه سجيَّة له، لكن إن كوفئ فلتكن مكافأته معقولة وميسرة، لا كما يفعله بعض الآباء من الإسراف في تلك المكافآت بما يُثقل كواهلهم من جهة، ولا يبني في الولد كبير الأثر من جهة أخرى، ولكل ما يناسبه من المكافآت.
معاشر الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات، هؤلاء أبنائكم وبناتكم هم أمانة في أعناقكم، كلٌّ بحسبه من المسؤولية وعليه كِفله من السؤال عنها، فاستشعروا ذلك دائمًا تفلحوا وتربحوا، وكلِّلوا ذلك بالواقع العملي المستمر، فهؤلاء هم من آثاركم التي تُكتب لكم دنيا وأخرى، وهم صدقاتكم الجارية، فهم من كسبكم، ويُرجى لكم مثل ما يعملون من الخير، فاستثمروا ذلك المتجر الرابح والمعين الصافي بتربيتكم لهم وتعليمهم، وملاحظتهم والاهتمام بهم، فمن وفَّى وُفِّي له، ومن بخس فلا يلومن إلا نفسه؛ حيث ضيَّع وقت الغرس، فندم وقت الحصاد، وعند الصباح يُحمد القوم السرى.
وفَّق الله الجميع لكل خير، وأصلح لنا جميعا النية والذرية، وفتح علينا جميعًا من فضله وكرمه وعلمه، وعفوه وعافيته ما تقر به أعيننا، ويرضى به عنا وآنسنا بقربه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد