من أسباب السعادة في البيوت


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

من تمام نعمة الله تبارك وتعالى على عباده تلك البيوت التي يأوون إليها، فهي سكنهم ومكان أكلهم وشربهم ونومهم وراحتهم واجتماعهم، وإن شيئًا بهذه المكانة الرفيعة يجب أن تُبذل الأسباب ليكون سعيدًا، والناس لا شك أنهم ينشدون تلك السعادة؛ لكي يستقروا ويهنؤوا، وثمة أسباب عديدة تحصل من خلالها السعادة والراحة والطمأنينة، وهذه الأسباب هي في متناول الجميع، يسيرة في تنفيذها عظيمة في تأثيرها ومخرجاتها، فآثارها ظهرت على بيوت، فاطمأنَّت وسكنت، وخلَت منها بيوت، فتخلخلت وتفككت، وسيكون الحديث عن عشرين سببًا كلها تؤدي إلى السعادة والإسعاد والاطمئنان بإذن الله تعالى، إذا تم تطبيقها واقعيًّا وليس شكليًّا، وهي على النحو التالي:

السبب الأول: ذكر الله تبارك وتعالى عند دخول البيت، فسمِّ الله تبارك وتعالى عند دخولك وهي كلمة يسيرة على الصغار والكبار، لكن يتذكرها الموفَّقون في وقت دخولهم، وعند ذلك يقول الشيطان: لا مبيت لكم؛ كما ورد في صحيح السنة، وإن الشيطان هو أصل التعاسة والمشاكل والشقاء، وهل يعجِز عن هذه التسمية أحد؟ لكنه النسيان والذهول، وعلاجه بإذن الله تعالى الإكثار والتعاهد والتذكير.

 

السبب الثاني: السلام على أهل البيت، فإنها بركة وضمان؛ يقول عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة كلهم ضامنٌ على الله)، وذكر منهم: (ورجل دخل بيته بسلام)؛ صححه الألماني، ومعنى ضامن: أي بحفظ الله تعالى ورعايته، وعلينا بإكمال السلام إلى البركة؛ لأنها دعوات عظيمة بالسلامة والرحمة والبركة، وهي من أركان السعادة في حين أن بعض الأسر لا تعرف للسلام طريقًا في دخولها ولا خروجها، وعليهم علاج ذلك ولو بالدُّربة والتدريج؛ حتى يكون سجية لهم، فما أعظمه من دعاء!

 

السبب الثالث لسعادة البيوت: صلاة النوافل في البيت؛ قال عليه الصلاة والسلام: (فإن الله جاعل له من صلاته في بيته خيرًا)، وكلمة (خيرًا) نكرة، فهي عامة وفضل الله تعالى واسع، وإن مما يسعد أهل البيت رؤية بعضهم لبعض في صلاة تلك النوافل، واقتداء الصغار بالكبار، ونزول الطمأنينة، وشهود الملائكة، وهذا من الخير المذكور في الحديث.

 

السبب الرابع: التفاهم بين أهل البيت وعدم الخلاف والجدل، فيجتهدون أن تكون كلمتهم واحدة، فيجتمعون في الرأي وعلى المأكل وفي المجلس، وإذا بدأ الخلاف بينهم قطعوه، فلهذا تأثيره الكبير على سلوكياتهم ونفوسهم، واجتماع قلوبهم، ويتنازل بعضهم لبعض، فيتنازل الصغار لرأي الكبار، ويتنازل الجميع لرأي الوالدين ونحو ذلك.

 

السبب الخامس: شُكر بعضهم لبعض على الإنجاز ودعاؤه له، فيكون ذلك بين الزوجين ومن الآباء والأمهات لأولادهم، ومن الأولاد لوالديهم، فيكون أهل البيت يسمعون تلك الكلمة تجلجل في جنباته عند إنجازهم وإحسانهم، وقد جُبلت الأنفس على أنها إذا عملت شكرت وحمدت، فيتولد من ذلك موجبات أخرى للشكر.

 

السبب السادس من أسباب سعادة البيوت: التفاهم بين الزوجين فيما يخصهما، فتبقى المشكلة والحل فيما بينهما من دون نشر ذلك بين الأولاد، لأن سريان تلك المشاكل إلى الأولاد مما يجعل الحزبية في داخل تلك الأسرة ويقلل السكينة والطمأنينة، خصوصا إذا كان الأولاد لا يقدمون ولا يؤخرون في تلك المشاكل شيئا، وهذا يحتاج إلى بُعد نظر وتعقل من الزوجين الكريمين.

 

السبب السابع: العدل بين الأولاد في العطايا، فإن الجَور في تفضيل أحد، بلا موجب واضح قد يجعل الضغينة في قلوب الآخرين يتفرقون بسبب ذلك، فليتَّق اللهَ الوالدان في السر والعلن في العدل؛ طلبًا لرضا الله تبارك وتعالى، وطلبًا للاستقرار والطمأنينة والسعادة.

 

السبب الثامن: التغافل الإيجابي والذكي عن بعض الزلات، فلا يقف الوالدان عند كل دقيق وجليل في التصرفات واللفظات، ولكنه يَمزج هذا التغافل بالجانب التربوي لتصحيح الأخطاء والمفاهيم، لكنك لا تتغافل عن أمور تخالف الشرع، لكن عالِجها بالأسلوب المناسب وضمن الزمان والمكان المناسبين.

 

السبب التاسع لسعادة البيوت: وجود درس تربوي خفيف لأهل البيت يتعلمون من خلاله، فهو ملتقى علمي وتربوي، فينهلون من خلاله المفاهيم والقيم الإيجابية، وله مخرجاته الطيبة التي لا تحصى، فمنها تصحيح المفاهيم، وزرع القيم، وزوال الجهل، وحصول العلم، ونزول السكينة، وغشيان الرحمة، ودخول الملائكة البيت، وأن الله تعالى يذكرهم فيمن عنده في الملأ الأعلى، والطمأنينة، والراحة، والارتياح، كل هذا وأمثاله في جلسة ذكر لأهل هذا البيت، فليسارع الوالدان الكريمان في تفعيل هذا، فهما الرابحان أكثر من غيرهما، وربما تسلسل في أولادهم وأحفادهم، فكان صدقة جارية لهم.

 

السبب العاشر لإسعاد البيوت: الجلسة المفتوحة لأهل البيت يتجاذبون فيها الأحاديث الودية ونحوها، فهي مما يسعدهم؛ حيث اجتمعوا، فترابطت نفوسهم وقلوبهم، فسعِد بعضهم ببعض.

 

السبب الحادي عشر: قراءة القرآن في البيت؛ حيث إن لكلام الله تعالى تأثيرًا عجيبًا، فهو طارد للشياطين، وسبب لتنزل الملائكة الكرام، ولذلك يقول أبو هريرة رضي الله عنه: (إن البيت الذي يقرأ فيه القرآن ويُذكر الله تعالى فيه، يتسع بأهله ويكثر خيره، وتدخله الملائكة، وتخرج منه الشياطين)، فجميل أن يكون لأهل البيت برنامج في هذا السبب وتفعيله.

 

السبب الحادي عشر لإسعاد البيوت: المحافظة على الأذكار الصباحية والمسائية والأذكار في أحوال اليوم والليلة؛ كأذكار المأكل والمشرب والملبس، والدخول والخروج، والنوم واليقظة، ونحو ذلك، فلهذه الأذكار تأثير في سعادة أهل البيت وطُمأنينتهم وسكينتهم.

 

السبب الثاني عشر: عدم وجود المحرمات في البيت؛ كالصلبان والصور والكلاب والموسيقا، فهذه ونحوها مما يجلب الشياطين ويُبعد الملائكة، فكيف يسعد بيت بأهله وهذه حاله، فلنحذر تلك الأشياء، فهي لا تزيد البيت إلا شقاوة ونقصًا؛ حيث وردت الأدلة الكثيرة على تحريمها.

 

السبب الثالث عشر: أن يكون أهل البيت متعاونين فيما بينهم، ومتكاتفين في تدبير شؤونهم فالتعاون يُشعر بالسعادة والترابط والاجتماع.

 

السبب الرابع عشر: قراءة سورة البقرة في البيت، فهي بركة وسعادة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة لا يقربه شيطان)؛ رواه مسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: (اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البَطلة)؛ رواه مسلم، فلنتعاهد تلك السورة الكريمة في بيوتنا ولو بالتناوب بين أهل البيت في قراءتها.

 

السبب الخامس عشر: عدم الجفاف العاطفي بين أهل البيت؛ فإذا كانوا يعطف بعضهم على بعض، ويتودد بعضهم إلى بعض، سعدوا، أما إذا جف هذا التودد، وحصَل نوع من التباعد والتنافر، فقد يختلفون ويفترقون.

 

السبب السادس عشر: التشجيع والتحفيز من بعضهم لبعض، فهو غاية في الإنجاز وإسعاد النفوس، وقد يكون التشجيع بالكلمة أو بالدعوة أو بالمكافأة، ونحو ذلك، فله أثره في التماسك والترابط.

 

السبب السابع عشر لإسعاد البيوت: التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر بين أهل البيت، وهذا من أكبر سبل السعادة؛ حيث يزول المنكر ويبقى المعروف، فسيكون هذا البيت مأوًى للملائكة فيا سعادتهم حينئذ بهذا المكسب العظيم.

 

السبب الثامن عشر: عدم التشاحن والتقاطع والتهاجر، فإن هذه الأخلاق السلبية تضاد السعادة الأسرية، وتقض مضجع أفرادها، وتجعلهم أحزابًا وجماعات، ومن الجميل أن يسارع رجال الأسرة في الإصلاح ولا يتركون الأمر كأنه لا يَعنيهم، بل هم جميعًا كالجسد الواحد.

 

السبب التاسع عشر: حسن التربية للأولاد وإحياء القدوة الحسنة من الوالدين إلى أولادهم، فمن حسن التربية أن يَمتثل الكبار؛ ليحذو حَذوهم الصغار، فالأبناء قد يأخذون القليل من أقوالك، لكن يأخذون الكثير من أفعالك.

 

السبب العشرون: الدعاء بأن تكون تلك الأسرة سعيدة، فالكل يدعو من الوالدين والأولاد، فالكل يعنيه الأمر، وجميل أن يُلقَّنَ الأولادُ الصغار دعوات تَحمل نفس المعنى ليدعو به، فهم صحائفهم بيضاءُ نقية، وهم قريبون من الإجابة، وفي سؤال سريع لأب في أسرة تغمرها السعادة والطمأنينة عن سبب ذلك، قال مجيبًا على هذا السؤال بأنه مطبق لكثير من تلك الأسباب السالفة، فيا معاشر الآباء والأمهات، أسعِدوا أنفسكم وأهليكم بما سمعتم، فهو خير في الدنيا والآخرة، وأنتم الرابحون الأوائل، فإذا سَعِدَ البيت جاء البر والطاعة والأخلاق الحسنة والخير العظيم، بخلاف من تساهل وترك الحبل على الغارب، فهو الخاسر الأول.

 

فهذه عشرون سببًا للسعادة، حاوِلوا جميعًا تطبيقَها ولو بالتدريج، فستجدون الخير العظيم بإذن الله تبارك وتعالى، أسعدكم الله، وجعَلكم موفَّقين، مباركين أينما كنتم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply