التعامل الأمثل مع الأخطاء الأسرية


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

الأسرة السعيدة هي ذلكم الكيان المستقل والمتفاهم والمتكاتف يعطف بعضهم على بعض ويحب بعضهم بعضا، فهم متماسكون قلبا وقالبا، متواصلون فيما بينهم، أخلاقهم طيبة في أقوالهم وأفعالهم، فهنيئا لهم ذلك حيث تكاتفوا على تحصيله، لكننا مع ذلك نقول الخطأ من طبيعة البشر فقد يحدث بينهم وهم كذلك شيء من الأخطاء المقصودة أو غير المقصودة، فلا بد من الحفاظ على هذا التماسك بينهم بأن يتعاملوا مع الخطأ التعامل الأمثل حتى لا يخسروا ما هم فيه من اجتماع وتفاهم، وسيكون لنا مع هذا التعامل الأمثل عشرون وقفة وهي على النحو التالي:

 الوقفة الأولى: ليعلم الجميع أنهم بشر يخطئون ويصيبون وليسوا معصومين، فإذا علم الإنسان ذلك تماما أيقن أن هذا الخطأ له ما يناسبه من التعامل، فلا يعطي المشكلة أكبر مما تستحق، بل يعلم أن الأخوة والقرابة هي أعظم من هذا الخطأ، لكن هذا يحصل إذا تجرد الإنسان من الهوى وتأزيز الشيطان.

الوقفة الثانية: لابد من الوقاية من حصول الأخطاء وذلك بالأسلوب التربوي مع الأولاد ونحوهم تعليما وتدريبا، فكيف نطلب من أولادنا عدم الخطأ ونحن لم نضع بين أيديهم تغذية راجعة في هذا الجانب ووقاية وثقافة؟ فالأمران مرتبطان فعدم الخطأ أو تقليله هو نتيجة لهذه التربية والتغذية الراجعة والوقائية.

الوقفة الثالثة: أهمية مناقشة الأقران عن آلية التعامل الحسنى مع الأخطاء العائلية والأسرية، وهذا من تلاقح الأفكار وتبادل الأدوار وقد يكون عند غيرك ما ليس عندك، فالتجارب الناجحة ميدان للأفكار الطيبة، مع تدعيم هذا بالقراءة الثقافية عن هذا الجانب.

الوقفة الرابعة: لا تبالغ في تكبير الخطأ ، فإنك تتعامل مع شيء من طبيعة البشر وهو الخطأ، فأنت تهدف إلى تصحيح الخطأ وليس إلى أخذ الثأر والعتاب الشديد فقد يكون التصحيح فيما هو أقل من ذلك بكثير.

الوقفة الخامسة: التغافل الذكي والإيجابي فيما يمكن التغافل عنه مطلب كبير، فإن بعض الأخطاء اليسيرة حقها التغافل وقد تكفيها الإشارة غير المباشرة في التصحيح لها، فإن وقفت عند كل دقيق وجليل من الأخطاء فقد تتعب أنت ويتعب غيرك، لكن اجعل تركيزك فيما لا يمكن تجاهله أو التغافل عنه.

الوقفة السادسة: من الأساليب المثالية في التوجيه لتعديل الأخطاء، رسالة الجوال الصوتية أو المقروءة فسيكون فيها تأمل كبير لدى المخطئ وقد لا يمكن ذلك في كل شيء، لكنها ناجحة فيما تمكن فيه تلك الرسالة، فتفكيره فيها بعد الاطلاع عليها هو أكثر الحل للخطأ.

الوقفة السابعة: من الضروري جدا أن يكون لدى المربي بعد في النظر في تصحيح الأخطاء، فهو في تصحيحه لا يقصد ذلك الخطأ بعينه بل يقصده وما يماثله من الأخطاء مما يجعله يتقن تصحيح الخطأ والتعامل معه.

الوقفة الثامنة: شدة الغضب وثورانه قد لا يساهم في التصحيح، بل هو وقتي وآني فقط، بل عندما يتأمل المربي أن هذا التصحيح تقعيد تربوي للمتربي فإنه يوجه بهدوء نسبي وشدة نسبية، كل في مكانه الصحيح وهو ما يطلق عليه عند أهل التربية بالحكمة فهو أجدى وأنفع من الغضب المؤقت الذي يزول بزوال الموقف وقد يؤثر سلبا على المتربي

 

الوقفة التاسعة: تجنب كثيرا الألفاظ النابية في تصحيح الأخطاء فإنها لا تغني ولا تسمن، كقولك يا غبي أو يا طفل أو تشبيهه بإحدى الحيوانات ونحو ذلك، فإن هذا قد يزيل نسبة ضئيلة مما في النفس لكنه يورث الأحقاد وسوء الخلق ولا يساهم في التصحيح، فإن الشيطان قد يجري بهذه الكلمة في نفس المخطئ فيحصل بعد ذلك ما لا تحمد عقباه.

الوقفة العاشرة: إذا اعترف المخطئ بالخطأ فإن هذه إيجابية، فاستثمر هذا الاعتراف في التصحيح واجعل ذلك ضمن توجيهك له ولا تهمله فإنه ينتظر منك وجهة نظرك حول اعترافه بخطئه.

الوقفة الحادية عشرة: رفع الصوت واللجاج في توجيه المخطئ وتصحيح فعله يقلل من النتيجة الإيجابية أو قد يعدمها، فالاحترام المتبادل هو بالكلام اللين والهين فإن الاحترام من خلال التوجيه علاج ووقاية، وقد تكون كلمات الاحترام كافية أحيانا في علاج كثير من الأخطاء عند بعض الناس وهذا التعامل فيه صعوبة لكن نتيجته طيبة ومثمرة

الوقفة الثانية عشرة: التهاجر من خلال حصول الأخطاء ليس حلا أوليا، بل هو خطوة متأخرة ومقيدة بقيود وضوابط فمن الخطأ أن يجعله البعض في غير محله، ونقول هذا لأن التهاجر انقطاع وقد يستمر ذلك الانقطاع من خلال تسويل الشيطان ثم يندم ذلك الموجه والمربي.

الوقفة الثالثة عشرة: لا تجعل توجيهك للمخطئ أمام الآخرين من الأولاد أو غيرهم فإن هذا يكسر نفسية ذلك المخطئ بل عليك باختيار الزمان والمكان المناسبين للتصحيح والتوجيه، فهو أدعى للقبول وأرجى للنتائج وأقرب للنفوس.

الوقفة الرابعة عشرة: التوجيه غير المباشر يفيد كثيرا وذلك عن طريق القريبين أو الجار أو القريب ونحوهم، فاجعل الآخرين يشاركونك فيما يمكن مشاركتهم فيه في الرأي والمشورة ومزاولة التصحيح والتوجيه مما يجعل المخطئ يسمع توجيها منك ومن غيرك وعندها يعرف الصواب.

الوقفة الخامسة عشرة: إن التماس الأعذار الممكنة لبعض الأخطاء الواقعة مطلب كبير فيما يمكن الالتماس فيه، فإن الإنسان جُبل على النسيان واختلاف وجهات النظر أو عدم العلم بهذا الفعل أنه خطأ أو غير ذلك من الأعذار فإن هذا المسلك من أخلاق ذوي المروءة والعقول السليمة فهم يدفعون بالتي هي أحسن، وبهذا تتقارب القلوب والأنفس ويزول كثير من الإشكالات المتوقع حدوثها ونماؤها.

الوقفة السادسة عشرة: الرفق في التعامل مع الأخطاء غاية في الأهمية، وهو مسلك وخلق نبوي كريم، فقد قال عليه الصلاة والسلام (ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه) وقال صلى الله عليه وسلم (من يحرم الرفق يحرم الخير كله) فاستراتيجية الرفق في تعديل الأخطاء غاية في الأهمية لأن المقصود التعديل والتصحيح والتصويب، وليس المقصود العيب والتعيير بهذا الخطأ، فالشدة والغلظة في التوجيه والإرشاد تقلل كثيرا من نتائجه ومخرجاته الطيبة.

الوقفة السابعة عشرة: جميل قبل تعديل الأخطاء أن تذكر محاسن في هذا المخطئ، فإن ذلك أدعى للقبول والإذعان والامتثال، وهذا منهج نبوي كريم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل) فكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه لا ينام من الليل إلا قليلا، فالتمهيد بذكر المحاسن مدخل للقبول.

 

 

الوقفة الثامنة عشرة: لابد أن يعلم المخطئ أننا نكره الخطأ لا المخطئ، ولنشعره بذلك بشكل واضح حتى لا يظن أننا نتحامل عليه أو نسوؤه بنفسه وإنما نكره الخطأ الحاصل، فلا بد أن تستقر هذه في نفس المرتكب للخطأ.

الوقفة التاسعة عشرة: عرّفه على القدوة الحسنة في التعامل والتصرفات، ليقتدي وليعلم الصواب من الخطأ، وأول ذلك الشمائل النبوية، فوجود جلسة تربوية متكررة في البيت تهتم بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم كفيلة بإذن الله تعالى أن تكون وقاية عن الوقوع في الأخطاء أو على أقل تقدير في التقليل من الأخطاء، وإذا حصل الخطأ يتم التذكير بتلك الجلسة وما فيها من الشمائل.

الوقفة العشرون: إذا كنا نهدف إلى تعديل الأخطاء وتصويبها، فلزاما علينا أن نشجع المخطئ عندما يعدل ذلك الخطأ ويستجيب للنصح فإن هذا التشجيع يقوي عنده عدم الرجوع إليه مرة أخرى، فالتشجيع والتحفيز مطلب كبير عند كل إيجابية، معشر الآباء والأمهات والمربين إن وجهات النظر قد تختلف وتتباين فعندما تشاهد الخطأ فتأكد أولا أنه خطأ ثم تأمل في طريقة التعديل والإنكار، فإن هذا أدعى لاقتناع الطرف الآخر بذلك والسبب في عدم الاقتناع أحيانا يرجع إلى سوء الطريقة في التغيير أو الإنكار أو الاستعجال وعدم التأني أو الألفاظ السيئة ونحو ذلك من الأسباب، وكل هذا ليس من مسالك المحتسبين والمعدلين والناصحين فإذا اجتمع التأكد من الخطأ مع الرفق مع اللفظ الحسن فإن هذا لا يكاد يفشل أبدا بإذن الله تبارك وتعالى.

اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا ونياتنا وذرياتنا يا رب العالمين

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply