بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن تكوين الأسرة قائم على الزوجين الكريمين، فهما ركنا الأسرة وعمادها بعد الله تبارك وتعالى، ونظراً لما لهما من الأثر والتأثير في جمع الشمل وتكوين الأسرة وتربيتها ودلالتها على الخير كان لزاماً علينا أن نقف مع الزوجين الجديدين مهنئين ومباركين وموجهين، فلعل شيئاً مما سيذكر يكون لبنة بناء في هذه الحياة الزوجية أو يكون حاجزاً بإذن الله تعالى عن فراق أو طلاق لا قدر الله، وسأقف معهما عشرين وقفة أسأل الله تعالى أن ينفع بها.
الوقفة الأولى: أقول لكل عروسين وزوجين، بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما بخير وجعل حياتكما سعيدة ورزقكما الذرية الصالحة المصلحة، وهنيئا لكما بكما، وأهدي لكما تلك الوقفات السريعة لعلها أن تكون زاداً في مسيرتكما بارك الله لكما وعليكما.
الوقفة الثانية: من الجميل جداً أن يشارك الزوجان في الدورات المقامة لحديثي الزواج والمقبلين عليه فإن تلك الدورات تعطي قواعد يسير عليها الزوجان في تلك الحياة الجديدة فيسمعان ويناقشان ما أشكل عليهما فهي غاية في الأهمية في هذا الباب.
الوقفة الثالثة: إنكما بزواجكما دخلتما بنكا يسمى بنك الزواج، فاجعلا رصيدكما من المحبة في ازدياد دائماً بحيث يكون الإيداع أكثر من السحب، فالكلمة الطيبة والخلق الحسن إيداع في هذا الرصيد، وضد ذلك سحب، فحاولا كثرة الإيداع في هذا الحساب.
الوقفة الرابعة: إن معرفة كلٍّ من الزوجين لطبيعة الآخر مطلب مهم، وهذه المعرفة قد تحتاج إلى شيء من الوقت، فلا يحكم كل منكما على الآخر في الأيام الأولى سلباً أو إيجاباً، ولكن التريث والتأني مهم في معرفة تلك الطبيعة وحينها تتوافق القلوب والنفوس ويحسن التعامل ويجتمع الشمل بإذن الله تعالى، وذلك بخلاف من يحكم على صاحبه من دون تأمل ولا تأني فقد لا يحالفه الحظ.
الوقفة الخامسة: إن الاحترام المتبادل بين الزوجين هو مفتاح لسلسلة الإيجابيات وقد يخدش هذا التعامل شيء من الأخطاء أو التجاوزات ونحو ذلك فلا بد من تجاوزها وعدم الوقوف عندها وذلك لتسير الحياة بشكل سوي، فمن أراد حياة زوجية من دون أخطاء أو ملاحظات فهو قد يطلب المحال، فلا بد من التعامل الأمثل مع تلك الملاحظات، ومن أبرز عوامل هذا التعامل الأمثل التغافل فيما يمكن التغافل فيه بين الزوجين، فليسا معصومين، فليعذر كل منهما الآخر فالخطأ من طبيعة البشر.
الوقفة السادسة: إن الكلمة الطيبة صدقة وإن الابتسامة صدقة فأكثرا من هذه الصدقات وأمثالها كل منكما على الآخر فبها وأمثالها تتوثق العرى والتواصل بإذن الله تبارك وتعالى، فهي خير وربح دنيوي وأخروي، فما أجملها متكررة في هذا البيت الجديد.
الوقفة السابعة: إن المشاعر الطيبة والإحساس الايجابية موجود بين الزوجين الجديدين، فمن المناسب جدا أن يبوح كل منهما للآخر عن إحساسه الطيب ومشاعره تجاه صاحبه لتتوثق العرى وتتقارب القلوب خصوصاً في أول هذه الحياة الزوجية، وإن كنا بحاجة إلى هذا في كل وقت لكننا في تلك الحياة الجديدة أحوج إليها من غيرها.
الوقفة الثامنة: إن بعض الأزواج حديثي الزواج قد يحكم بفشل الزواج في الأشهر الأولى وهذا خلل في التقييم ونقص في التقويم، وربما كان هذا الحكم بسبب مشكلة صغيرة يمكن حلها بعد مناقشتها والنظر فيها.
فيا أخي ويا أختي لا تستعجلا في اتخاذ القرار فكلاكما جديد على صاحبه والناس لهم طباع قد لا تُفهم وتعرف بوقت يسير فقد ينهار بيت الزوجية بمعول الحمق والحماقة، وقد يقتل هذا البيت بالسكين العناد، فارفعا أنفسكم عن هاتين الصفتين الحمق والعناد وما مثلهما، وفقكما الله لكل خير.
الوقفة التاسعة: عند ملاحظة كل منهما على الآخر شيئا لا يرتضيه فليعالج بالتي هي أحسن، وذلك في المكان المناسب والزمن المناسب والأسلوب المناسب، ولا تخرج مشاكلكما عنكما فأنتما حريان بالحل والعلاج بإذن الله تعالى إذا التزمتم بالمناسب من المكان والزمان والأسلوب وتحررتما عن الحماقة والعناد، وصار عند كل منكما روية وتأني.
الوقفة العاشرة: الزواج الناجح ليس هو الذي يخلو من المشاكل فإن المشاكل تعتري كل بيت فلم يخلو بيت النبوة من ذلك، ولكن النجاح هو في التعامل الأمثل مع المشاكل الزوجية فاقرءا بورك فيكم عن ذلك ليكون رصيداً لكم في آلية التعامل مع المشكلة.
الوقفة الحادية عشرة: الدعاء غاية في الأهمية بأن يكون التوفيق حليفكما، فأكثرا منه في أوقات الإجابة فهو من أهم الأسباب في استجلاب الخير والتوفيق حيث إن كل شيء بيد الله تبارك وتعالى.
الوقفة الثانية عشرة: إن من الضرورة بمكان أن تتوافقا ولا تختلفا، وذلك يكون بالتفاهم وعدم الاستعجال فإن الخلاف شر ويجر بعضه بعضا، ولا بد أحيانا من التنازل من طرف لآخر لتسير الحياة على خير، أما إذا حصل الخلاف واستمسك كل برأيه حصل ما لا تحمد عقباه فالحكمة في التعامل أصل من الأصول التربوية.
الوقفة الثالثة عشرة: لابد من إدارة ميزانية المنزل الجديد إدارة مناسبة وصحيحة، فلا تُغرق وتُسرف في جانب وتشح في جانب آخر، كما أن الوارد إليها يجب أن يتوازن مع الصادر منها تقريبا حتى تكون الأمور في أماكنها الصحيحة أما الإغراق في الديون على سبيل النوافل يمكن تأجيلها فليس هذا من الحكمة.
الوقفة الرابعة عشرة: في أي تصرف يحصل في هذا المنزل الجديد مما لا يناسب يجب أن يحاط ببعد النظر وعدم الاستعجال باتخاذ قرار معين، فلا يتخذ أحد منكما قراراً وهو غير متزن كحالة غضب أو قلق أو نحوهما، فإن القرار له ما بعده والندم قد لا ينفع في غير وقته، فبعد النظر والتأني والحكمة هي صفات يجب أن يتصف بها كلا الزوجين الجديدين أكثر من غيرهما.
الوقفة الخامسة عشرة: أعجبني رجل قارب السبعين سنة من عمره ومضى على زواجه خمسة وأربعون عاما، وقد قابلته في إحدى سفراته بعائلته وجاذبته أطراف الحديث فقال: رحلتي هذه هي امتداد لرحلتي الأولى في شهر العسل ومازلت كل سنة أتذوق هذا الشهر وكل تلك السنين ونحن في شهرنا لم ينتهي بعد، أحوالنا رائعة ومتميزة، فنظرت إليه فإذا هو يتصف بالحكمة والعقل والرزانة وبعد النظر وعدم الاستعجال باتخاذ القرار، وهذه صفات إيجابية نحتاجها جميعاً لاسيما المتزوجون حديثا.
الوقفة السادسة عشرة: حاولا بوركتما ووفقتما تنمية كل ايجابية يراها أحدكم عند الآخر وشكره عليها، وإشعاره بها وبهذا تتقارب القلوب والأنفس وتتصافى فكل منكما طبيب للآخر.
الوقفة السابعة عشرة: على الزوجين أن يرفعا نفسيهما عن سفاسف الأمور سواء كان ذلك في الأثاث أو المأكول أو المسكون أو غيرها، فلا تكن هذه السفاسف سبب لاختلافكما، فهي لا تستحق الكلام فكيف بالاختلاف، حيث وجد حالات طلاق كان سببها أشياء حقيرة يستحي العاقل عن ذكرها، فليرفع الزوجان الكريمان نفسيهما عن هذه المحقرات.
الوقفة الثامنة عشرة: ليعلم كل من الزوجين أنه خرج من جو معين إلى جو آخر قد يتأقلم معه مباشرة، وقد يحتاج شيئاً من الوقت، فلا يستعجل في الأحكام فإن العلم بالتعلم والحلم بالتحلم وكذلك التأقلم يكون بالتدرج، فأحد الأزواج بعد زواجه لم يتأقلم معه إلا بعد سنتين ثم عاش بعد ذلك عيشة هنيئة ورُزق بأولاد صالحين مصلحين، فالاستعجال في الأحكام خطأ كبير.
الوقفة التاسعة عشرة: لابد من التماس الأعذار من كل طرف للآخر حتى تسير الحياة، ولو أن كل أحد حاسب الآخر بدقة في تصرفاته وألفاظه ولم يعذره لما صلحت أحوال الناس ومعاشهم، فالتماس العذر مطلب، والاعتذار عند الخطأ مطلب آخر، فليعتد الزوجان ذلك عند حصول الخطأ.
الوقفة العشرون: قوة الشخصية عند الزوج أو الزوجة هي القوة المعنوية من الحكمة والعقل وبعد النظر، لأن القوة الجسدية والكلامية وإن كانت في ظاهرها انتصار، لكن حقيقتها هزيمة إذا أعقبها طلاق أو اختلاف.
فيا أيها الزوجان الكريمان استفتحا حياتكما بالتفاؤل، واستمطراها بالدعاء وأحيطوها بالتفاهم، وتحررا من كل ما من شأنه الخلاف، فهو شر لا خير فيه، وكلاكما يأباه، ففرا منه ولينقذ كل منكما صاحبه إذا اقترب منه.
أسأل الله تبارك وتعالى لكما الوئام وحسن المعشر والذرية الصالحة المصلحة إنه ولي ذلك والقادر عليه
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد