الأسرة وموقفها من فيروس كورونا


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذلك إلا للمؤمن) رواه مسلم.

إنما يتحدث به الناس اليوم في عالمهم كله هو ذلكم الوباء المسمى بكورونا؛ فقد اجتاح حيزاً كثيراً من هذا العالم، فسبحان من قدره وخلقه وجعله ابتلاء للعباد.

ولنا مع هذا الحدث خمس عشرة وقفة لعلها أن توضح موقف المسلم منه وكيف يستثمره وآلية التعامل معه وهل هو خير أو شر ونحو ذلك، فإلى تلك الوقفات لعلها أن تكون رادفاً تربوياً ومعينا للأسرة في تحديد موقفها واستثمارها لهذا الحدث.

 

الوقفة الأولى: هذا الفيروس هو مخلوق ضئيل وصغير من مخلوقات الله تعالى وهو جند من جند الله جل جلاله قدره ابتلاء للعباد وهو آية من آيات الله التي تدل على عظمته سبحانه، فمع صغره وضآلته عجز كثير من الناس عن التحرز منه، فكيف بالجنود الأُخر لله عز وجل فسبحانك ما أعظمك من إله.

 

الوقفة الثانية: خاف العباد وهلعوا وهرعوا إلى الأسباب متوكلين على الله تعالى معتمدين عليه، ولكن يكون هذا الخوف إيجابياً إذا نتج عنه رجوع إلى الله واستغفار ومحاولة للبعد عن المعصية والتراجع عنها، ومحاسبة النفس، لا أن يكون هذا الخوف مؤقتاً بوقت ذلك الوباء ثم يغادر مع مغادرته، فهذه نتائج مؤقتة لا يحسن أن تكون منهجاً للمسلم.

 

الوقفة الثالثة: موقف المسلم من هذا الوباء هو ليس موقف المتفرج اللاهي الغافل، فإن الله تعالى يقول: (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا) فالموقف الصحيح هو التضرع إلى الله تعالى واللياذ بجنابه ودعاؤه والإخلاص له والتوكل عليه، مع الأخذ بالأسباب المنجية بإذن الله تبارك وتعالى.

 

الوقفة الرابعة: التوكل على الله تعالى هو الاعتماد عليه بقلبه، ويباشر الأسباب بجوارحه، ولكن يقطعها من قلبه، وليعلم أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه، فالتوكل هو صدق اعتماد القلب على الله، وهو يقوم على ثلاثة أركان وهي الاعتماد على الله تعالى مع فعل الأسباب بجوارحه ويقطعها عن قلبه، فهو يعتقد أن كل ما يحصل من تلك الأسباب فهو بإذن الله تبارك وتعالى، ولا يكون التوكل بترك الأسباب، فهما جميعاً لازمان للعبد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إعقلها وتوكل) رواه الترمذي، فهو أشار إلى قضيتين مهمتين وهما التوكل وفعل السبب.

 

الوقفة الخامسة: حاول تعليم أسرتك الكريمة إحسان الظن بالله تعالى فهذا الحدث وإن كان محنة ففي طياته منحة، وذلك ما يورثه عند المسلم من التوبة والرجوع إلى الله تعالى وتعظيمه ودعائه والتضرع إليه فهو ابتلاء، فلعله أن يكون من المكفرات، فطبيعة المسلم إذا نزلت به نازلة اقترب إلى ربه أكثر من ذي قبل.

 

الوقفة السادسة: من الجميل جدا أن تأخذ الأسرة بنصائح الناصحين من الأطباء فهم من أهل الاختصاص من الناحية الطبية فالأخذ بنصائحهم من الأخذ بالأسباب التي هي قسيم في التوكل، فقد أوصى جملة من الأطباء حفظهم الله بالمحافظة على الأسباب الوقائية الطبيعية ،وذلك مثل التعقيمات الطبية وعدم الاختلاط بالناس خشية أن يكون فيهم مصاب، والمحافظة على المبالغة في الاستنشاق والاستنثار والغرغرة بالماء المالح والليمون ولبس القفاز ونحو ذلك، مما تُشكر عليه وزارة الصحة في نشرها المتواصل للمجتمع عبر وسائل التواصل والإعلام.

 

الوقفة السابعة: حيث التزم الناس بيوتهم فجميل أن توصى الأسر بمقترحات تربوية وإيمانية تقوي إيمانهم وتزيدهم اطمئناناً وسكينة، وذلك مثل استحداث جلسة إيمانية في قراءة كتاب أو مناقشة شفهية ونحو ذلك مع الأسرة، وأيضاً حيث تقام الصلاة هذه الأيام في البيوت، فلعله أن يكون مشروع لتعليم الأسرة الصلاة والطهارة نظرياً وعملياً، وكذلك يُشرع للمصلي في بيته أن يمكث في مصلاه ليحظى بدعوة الملائكة الكرام له، وكذلك المحافظة على السنن الرواتب القبلية والبعدية، وكذلك لا تؤخر الصلاة عن وقتها وأول الوقت أفضل، إلا العشاء فتأخيرها أفضل، وأيضا الاهتمام بالأذكار بعد الصلاة وتعليمها لكافة الأسرة، كما يقترح في ذلك المجال أن يكون ختمة أسبوعية للقرآن لمن يمكنه ذلك من أفراد الأسرة، فلغة الأرقام حين تتحدث فهي تقول:

 عدد صفحات القرآن ستمائة صفحة فيقسم هذا العدد على أيام الأسبوع فينتج خمس وثمانون صفحة لكل يوم، وعند تقسيم تلك الصفحات اليومية خمس وثمانين على أوقات الصلاة الخمسة، ينتج سبع عشرة صفحة لكل وقت، فالمحصلة من ذلك أنك إذا قرأت سبع عشرة صفحة كل وقت من الأوقات الخمسة، ختمت في كل أسبوع ختمة، ولعل هذا المنهج يستمر ويقوى وينشط بإذن الله تبارك وتعالى، والله عز وجل إذا علم صدق النية أعان.

 

الوقفة الثامنة: أمران لا داعي لهما في الحدث وهما:

 أولا: الاستخفاف وعدم الاكتراث بالحدث.

الثاني: الهلع والخوف الزائد وربما الوسوسة المتراكمة

 فالمسلم وسطا بين هذا وذاك، يأخذ الأمر بجد ويتوكل على الله تبارك وتعالى.

 

الوقفة التاسعة: حيث مُنع التجول في ساعات من الليل فجميل أن تقترح لأسرتك برامج تربوية يُشغلون بها أوقاتهم فاستشر من تراه مناسباً وعارفاً لطبيعتك فاستفد منه في هذا المجال.

 

الوقفة العاشرة: أكثر وأسرتك الكريمة من الدعاء والتضرع، فالدعاء يرفع البلاء ويدفعه بإذن الله تبارك وتعالى، فلو كل منا رفع دعوة في يومه لكنا رفعنا في مملكتنا الحبيبة ثلاثين مليون دعوة، فكيف إذا ألححنا بالدعاء على الله تعالى فالله تعالى قريب ممن دعاه.

 

الوقفة الحادية عشرة: هذا الحدث هو ابتلاء وفتنة وهي أيام هرج، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العبادة في أيام الهرج كهجرة إلي) رواه مسلم، فأكثر أنت وأسرتك من العبادة لله رب العالمين.

 

الوقفة الثانية عشرة: كن وأسرتك إيجابيين في الاحترازات الوقائية التي تُعلن عنها الجهات الرسمية، فهي وُضعت للجميع وعلى الجميع.

 

الوقفة الثالثة عشرة: استثمر جلساتك مع جلسائك بالحديث عن استثمار الحدث وكيف ننجح في هذا الابتلاء ولا نُخفق مُوضحاً لهم معالم تربوية وإيمانية حيال ذلك، فالدال على الخير كفاعله.

 

الوقفة الرابعة عشر: سيرحل كورونا وتنفرج الأزمة بإذن الله تعالى، لكن هل مع انفراجها سنحظى بالتوبة والرجوع والشكر لله تعالى على نعمته وسلامته لنا، إن الخطر العظيم هو الإصرار على الذنوب التي توجب غضب الله تعالى ومقته، والخوف من أن يتحقق فينا قول الله تعالى: (وَلَو رُدّوا لَعادوا لِما نُهوا عَنهُ) فانتبه لذلك.

 

الوقفة الخامسة عشرة: نحمد الله تبارك وتعالى أن كانت الوسيلة الاحترازية لهذا الوباء هي الزم بيتك، ولم تكن اخرج من بيتك، فلطف الله بعباده كبير ورحمته بهم واسعة فله الحمد والشكر والثناء الحسن.

 

هذه خمس عشرة وقفة لعلها أن تسهم في توعية الأسرة عن هذا الحدث مع الاستثمار الأمثل له وعلى الجميع أن يُكثر من قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله) فهي وإن كانت كنزاً من كنوز الجنة ولها الأثر الكبير في جميع الأوقات فهي في الأزمات أكثر فاعلية، فما أعظم أثرها إذا ضاقت الحيل وادلهمت الأمور، فحاول ألا تغادر لسانك في تلك الأزمات، ولنا أن نعلم أن بقاءنا في بيوتنا مدة حظر التجول المعلن هو ما يعادل قرابة مائتين وثلاثين ساعة، فبماذا ستُقضى تلك الساعات؟ فكم هو جميل أن تتذاكر الأسرة ذلك وتضع النقاط على الحروف استثماراً وترويحًا وتعبدًا لله تبارك وتعالى، وأختم الحلقة بقول الشاعر:

وندعو الله أن يحمي بلادي *** من الأمراض من شر الأعادي

ونحيا دونما بأس وفقد *** ونرفل في سلام في رشادي

تعود حياتنا بشرى وُنعما *** وننشد للأجيال في سعادي

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply