بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد جاء اسم الله العظيم مقروناً ومفرداً في القرآن تسع مرات، كقوله تعالى: (وهو العلي العظيم). ومن معاني العظمة الجبروت والكبرياء، فعظمته عز وجل لا يحدها حد محدود، والإيمان بهذه العظمة له مخرجات طيبة في أفعال العبد وأقواله وسكناته، وكم هو جميل أن تغرس قيمة العظمة لله تعالى في نفوس أفراد الأسرة لكي تتضح المفاهيم وتحسن التصرفات، وتمتثل الجوارح أمر ربها وتقف عند حدوده، وسنقف جميعاً مع تلك العظمة لله تبارك وتعالى وغرسها في نفوس الناشئة، وقفات تصل إلى خمس عشرة وقفة، أسأل الله تعالى أن ينفع بها قائلها ومستمعها وجميع المسلمين.
الوقفة الأولى: إن إحياء قيمة التعظيم لله تعالى هي من أسس التربية الناجحة لأننا نطمح في صلاحهم وإصلاحها، وإذا كان الأمر كذلك فإن تعظيمهم لله تعالى وأمره ونهيه هو القاعدة لذلك الهدف، فلنجتهد على غرس ذلك في نفوسنا ونفوسهم.
الوقفة الثانية: إن لهذا التعظيم مخرجات وإيجابيات كثيرة إذا كان متأسساً في النفوس مستقراً في القلوب، فتشمل تلك المخرجات السلوك الحسن، والأفكار الإيجابية، والانقياد والامتثال لأوامر رب العالمين، لأن من عظم الله تعالى خاف منه وهرب إليه، وامتثل أمره واجتنب نهيه، والتعظيم هو أكبر الدوافع لسوْق النفس إلى الخير والفلاح.
الوقفة الثالثة: من تعظيم الله تعالى تعظيم أسمائه وصفاته، فهو تعالى المهيمن والجبار والقهار والعظيم وذو الجبروت والملكوت والعظمة والكبرياء، فلابد أن يكون لهذه أثر كبير على النفس في إقبالها على الطاعة وإدبارها عن المعصية، إذا تذكرت هذا العظيم وعظمته وهذا الجبار وجبروته تأسس ذلك داخل النفس، فإنه يظهر أثره على الجوارح.
الوقفة الرابعة: إن من الجميل تعويد الأسرة على محاولة استحضار تلك العظمة حال العبادات كلها أقوالها وأفعالها، وهم بذلك يرتفعون في إيمانهم إلى درجة المحسنين، فهنيئاً لأسرة كان ذلك سلوكهم، وقد يكون ذلك من طبيعتهم بالتدرج، فإذا كان يطرق مسامعهم بين الفينة والأخرى استلهموه وتذكروه حال الفعل والترك، فأصبح من سلوكهم الدائم.
الوقفة الخامسة: إن أركان العبادة وهي الخوف والرجاء والمحبة تزيد بالتعظيم لله تعالى، وحيث إن الله تعالى هو المنعم المتفضل على عباده فهي تحبه، وحيث إنه هو الرحيم الرحمن والغفور والغفار والعفو فهي ترجوه، وحيث إنه هو العظيم والمهيمن والجبار فهي تخافه، وجميع هذه الأسماء الحسنى مدارها على التعظيم لله تعالى.
الوقفة السادسة: إذا أردنا أن هذه الأسرة تثبت على دين الله تعالى، فإن تعظيمهم لله تعالى من أوسع الطرق لهذا الثبات، فإنهم بهذا التعظيم يحرصون على فعل الطاعات ويحذرون فعل المنهيات، وهذا هو بإذن الله تعالى أساس الثبات على الدين.
الوقفة السابعة: إن من الوسائل الهامة في تقوية تعظيم الله تعالى في نفوس الناشئة الجلسات الأسرية، فيُذكر فيها جوانب من التعظيم كخلق السماوات والأرض وسمكها، وما بين كل سماء وسماء ونحو ذلك، كما يذكر ما تكتشفه الدراسات الحديثة الطبية في مكنون المخلوقات، ففي هذا عجائب عظيمة لمن استثمرها، وفي هذا دروس عظيمة في تطبيع النفس على التعظيم.
الوقفة الثامنة: من الوسائل في تربية الأسرة على التعظيم تقديم كتيب صغير المحمل خفيف عن تعظيم الله تعالى لقراءته وإجراء المسابقة عليه، فبهذا يتأسس التعظيم لديهم ويؤمرون بالاحتفاظ بهذه المسابقة لمناسبات أخرى تمر بهم.
الوقفة التاسعة: ومن الوسائل في تربية الأسرة على التعظيم، استثمار وسائل التواصل لديهم في إرسال وسائل ومقاطع في تعظيم الله تعالى كي يتداولونها بينهم ومع الآخرين، ويمكن أن يكون شيء منها موضوعاً لبعض الجلسات العائلية أو مع أصحابهم وأقاربهم.
الوقفة العاشرة: إجراء مسابقة بينهم في استخراج مظاهر العظمة الربانية من القرآن والسنة، وبيانها والمناقشة حولها، فهي تثري أفكارهم إيجابيا.
الوقفة الحادية عشرة: إن من تعظيم الله تعالى تعظيم ما يحبه الله تعالى، كالمسجد والقرآن والسنة ومجالس العلم والخير، وكتب العلماء والصالحين والدعاة ونحوهم، فإذا قدروا هؤلاء واحترموهم اقتربوا منهم، فصلحت أحوالهم، وزكت نفوسهم بإذن الله تعالى لأن الصاحب ساحب.
الوقفة الثانية عشرة: من تعظيم الله تعالى الدعوة إلى دينه والدلالة على الخير، فحث الأولاد على المشاركة والمساهمة في ذلك هو خير عظيم لهم، وفتح للآفاق لديهم، فهذا المجال ينمي مواهبهم الدعوية، ومن الممكن أن يكون لهم في هذا الميدان جدولاً يختطونه لهم بإشراف الوالدين الكريمين بين أصحابهم وأقاربهم وجيرانهم ومن يناسبهم، وإن هذا العمل كما أن فيه تعظيمًا لله تعالى بالدعوة إلى دينه فهو من أعظم الأسباب للثبات على دين الله تعالى.
الوقفة الثالثة عشرة: القلب هو مصدر الأقوال والأفعال، فلا بد أن يكون التعظيم ينبع منه فالجوارح تبع للقلب، فاغرسوا يا معاشر الآباء والأمهات في قلوب أولادكم ذلك، واعلموا أنكم مجزيون على ذلك، ومن جهز غازياً فقد غزى.
الوقفة الرابعة عشرة: علموهم كيف يخضعون لله تعالى ولأمره ولقدره، وعندما يحصل لهم ما يكرهونه فعلموهم أن هذا بقضاء الله وقدره، وأنه هو القادر على كل شيء، علموهم الرضا والتسليم لأمر الله تعالى، بل علموهم الحمد عند المصائب صغرت أو كبرت، واجعلوا ذلك لهم سلوكاً يتطبعونه.
الوقفة الخامسة عشرة: علموهم هذا الحديث العظيم في التسبيح كما في حديث جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة بعد صلاة الصبح، ومر من عندها، وهي تذكر الله تعالى فمضى، فلما تعالى الضحى رجع من عندها عليه الصلاة والسلام، فقال ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت نعم أذكر الله تعالى، فقال عليه الصلاة والسلام: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن وهي: "سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداده كلماته" رواه مسلم. حفظوهم هذا الحديث، وتابعوهم بالعمل به، فهو حديث له فضله الكبير والعظيم، والدال على الخير كفاعله، حدثوهم عن الخلق وعددهم من الجن والإنس والملائكة والمخلوقات الأخرى، حدثوهم عن زنة العرش والكرسي، فقد ورد أن السموات السبع بالنسبة للكرسي كسبع حلقات صغار ألقيت في فلاة من الأرض، وأن الكرسي بالنسبة للعرش كحلقة ألقيت في فلاة، حدثوهم عن هذه العظمة وكيف يكون التعظيم، وأن الله تعالى مع هذه العظمة فهو قريب رؤوف رحيم غفور غفار جل جلاله وتقدست أسمائه.
هذه خمس عشرة وقفة لغرس قيمة التعظيم في نفوس الأولاد، لعلها أن تكون مفتاحاً لعمل يقوم به الوالدان كريمان في تربية هذا النشء على ذلك، وإن عيونهم في كثير من الأحايين هي معلقة بتصرفات الوالدين، بل قد يعتبرون تصرفات الوالدين أدلة وبراهين، فعظموا أنتم ربكم بنفوسكم ليأخذوه منكم عملاً وسلوكاً مع أخذهم له مشافهة وكلاما، فما أجمل الأسرة إذا كانت تعيش ذلك التعظيم فإنك لا ترى فيها إلا الصلاح والفلاح، وعندما يخطئ الأولاد فذكروهم بهذا البرنامج حتى يتم تصحيح المفهوم ويحسن العمل.
أسأل الله تعالى أن يصلح نياتنا وذرياتنا وقلوبنا وأعمالنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد