بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن فضل الله تعالى على عباده عظيم وجزيل في الدنيا والآخرة، ولهذا طلب منا أن نسأله عز وجل فقال: (واسألوا الله من فضله) فمن فضل الله تبارك وتعالى ما يكون لأهل الجنة بعد دخولهم إياها، حيث إنهم يتفاضلون هناك، فبعضهم أفضل من بعض، فتظهر منة الله تعالى على الأولاد عندما يدخلون الجنة مع والديهم ويكونون أقل منهم منزلة، فإنه يرفع هؤلاء الأولاد إلى والديهم في المنزلة، ذلك أن فضل الله تعالى عظيم ولا يبخس أحداً شيئاً أعطاه إياه، ولعلنا نلاحظ الشرط المذكورة في الآية وهو الإيمان، وسنقف مع هذه الآية الكريمة وقفات عدة تصل إلى خمس عشرة وقفة، أسأل الله تعالى أن ينفع بها.
الوقفة الأولى: الفضل من الله تعالى على عباده عظيم ومتعدد وكثير وكبير، ولا يحده حد، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت) صححه الألباني، فأكثروا رحمكم الله من هذه الدعوة تحوزوا الفضل العظيم والجزيل الكبير، وعلموها أولادكم فهي من جوامع الأدعية، فما أسهل الخير على مريديه، فإذا سألت الله تعالى من فضله وشكرته على ما أعطاك توالت عليك الخيرات، ولا يلقاها إلا الصابرون.
الوقفة الثانية: لنعلم جميعاً هذا الشرط المذكورة في الآية وهو الإيمان، فلنحرص على تأسيسه ومدارسته مع أولادنا في شتى المجالات، وفي عدد من الأساليب، وفي كثير من المناسبات حتى يستقر الإيمان في قلوبهم قولاً وعملاً وتصديقا، فإن الذي يملكه المخلوق في الهداية هو هداية الدلالة والإرشاد، أما هداية التوفيق فهي بيد رب العالمين، فاعمل ما بيدك وسأل الله تعالى ما بيده فهو قريب مجيب.
الوقفة الثالثة: من مجالات إرشادهم وتقوية إيمانهم، تلكم الجلسة التي يجلسها الوالدان أو أحدهما مع الأولاد، وفيها ذكر الله تعالى وتعليم دينه، فهي جلسة خير تحفها الملائكة، وتنزل عليها السكينة، وتغشاها الرحمة، ويذكر الله أصحابها في من عنده، فهي غاية في الأهمية في الدلالة على الخير والإرشاد والتعليم، يقول أحدهم: كنت أجلس تلك الجلسة مع أولادي منذ أربعين سنة ومازلت فيها ولله الحمد والمنة.
الوقفة الرابعة: ومن مجالات تقوية إيمانهم الحوار معهم عما ينفعهم في دينهم ودنياهم، كسباً لصلاحهم وتصحيحاً لمفاهيمهم وصقلاً لمواهبهم، فبالحوار تظهر المخرجات الطيبة، فهم محتاجون للحوار معهم وبالأسلوب الذي يناسبهم، والصبر على تعديل مفاهيمهم، فإن تعديل المعوج لا يأتي جملة واحدة، فإذا فعلنا ذلك معهم صار سبباً بإذن الله تعالى لصلاحهم وإيمانهم، فرجونا وإياهم دخول الجنان.
الوقفة الخامسة: ومن المجالات أيضاً في تربيتهم على الإيمان دلالتهم على فعل الخير من الأقوال والأفعال، فما دللتموهم على شيء إلا وكان لكم مثل أجورهم، فمن المقترح أن يقوم الوالدان حفظهم الله بإعداد ورقة عمل تحتوي على أعمال وأقوال فاضلة ثابتة يعلمونها لأولادهم لينشؤوا عليها، وذلك مثل قوله عليه الصلاة والسلام: (من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) رواه البخاري.
وأيضاً مثل حديث جويرية رضي الله عنها وفيه: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداده كلماته) رواه مسلم، وأيضا كصلاة الوتر وصلاة الضحى والصدقة ولو بالقليل، ونحو ذلك من الأعمال الصالحة اليسيرة مما هو منثور في كتب السنة في فضائل الأعمال، فبذلك يصلح سلوكهم ويستقر الإيمان في قلوبهم بإذن الله تبارك وتعالى.
الوقفة السادسة: من المجالات على تربيتهم على الإيمان الاهتمام بجلسائهم وجلساتهم فالصاحب ساحب، فانظر في جلساء أولادك نظرة فاحصة واستضفهم ليكون الحديث معهم عن قرب، ويتم التعرف عليهم نسبياً، وأرشد أولادك إلى مواصفات الجليس الصالح ليكون ذلك قاعدة لهم في حياتهم.
الوقفة السابعة: من مجالات تربيتهم على الصلاح الإكثار من الدعاء لهم، فلربما فشلت الأسباب ونجح الدعاء، فهو التجاء إلى الله تعالى وسؤال من بيده صلاح القلوب، فسجداتك وآخر ليلك وسفرك وصيامك وفي صلاتك كلها وأمثالها مواضع للدعاء فاستثمرها، فقد صلح الكثير من الأولاد، وعند البحث والتحري عن سبب ذلك اتضح أن والديهم لا يفترون عن الدعاء لهم فهي لفظات وكلمات ترفعها إلى رب العالمين، وبعدها أبشر بالخير فلا تيأس.
الوقفة الثامنة: ومن مجالات صلاحهم تشجيعهم على الخير الذي يفعلوه وتحفيزهم عليه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل) قال ذلك مشجعاً له ومحفزاً له، فكان ابن عمر رضي الله عنهما بعدها لا ينام من الليل إلا قليلا، فانظر في الأفعال الإيجابية لأولادك وشجعهم عليها، فسترى أنهم ينتقلون من حسن إلى أحسن.
الوقفة التاسعة: يقول ابن كثير رحمه الله على هذه الآية (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم). يقول رحمه الله: يخبر تعالى عن فضله وكرمه أن المؤمنين الذين اتبعتهم ذريتهم في الإيمان يلحقهم بآبائهم في المنزلة، وإن لم يبلغوا عملهم لتقر أعين الآباء بالأبناء وعندهم في منازلهم بأن يرفع الناقص العمل إلى من هو أكمل منه ليجمع بينهما في المنزلة. انتهى كلامه رحمه الله.
الوقفة العاشرة: على الوالدين الكريمين أن يكون عندهما تفكير في أمور الآخرة تجاه أولادهم، ولا يكتفون بالاجتهاد لأنفسهم فقط، فحدثوا أولادكم عن تفاسير هذه الآية في سورة الطور وتناقشوا فيها، وأشعروهم بفضل الله تعالى عليهم، وأشعروهم بهذا الشرط المذكور في الآية وهو الإيمان، فسيكون هذا جذوة تُشعل عندهم الخير والعمل الصالح.
الوقفة الحادية عشرة: علموهم القدوة وبمن يقتدون وما أوصافها وكيف يقتدون، فإنهم بحاجة ماسة وإن لم يقولوا لكم شيئا عن ذلك، فمبادرة الوالدين إلى أسباب الصلاح غاية في الأهمية.
الوقفة الثانية عشرة: مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر ليعتادوا الخير ويحذروا من الشر، وحتى تبرأ ذممكم لأنهم رعيتكم وأنتم مسؤلون عنهم، وقد استئمنتم عليهم وحملتم الأمانة، فحملتموها، فأدوها حيث تحملتموها، ولكن برفق وحكمة وصبر وحوار.
الوقفة الثالثة عشرة: يقول الإمام الشوكاني رحمه الله في كتابه فتح القدير على هذه الآية (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان). يقول رحمه الله: ومعنى الآية أن الله تعالى يرفع ذرية المؤمن إليه وإن كانوا دونه في العمل لتقر عينه وتطيب نفسه بشرط الإيمان المذكور. انتهى كلامه رحمه الله. ففضل الله تعالى عظيم وإحسانه كبير، فتعرضوا رحمكم الله لنفحاته يصبكم بها.
الوقفة الرابعة عشرة: في تربية الذرية على الإيمان والصلاح استعن بالله دائما ولا تركن إلى قدراتك، فإنك إذا بذلت جهدك مستعيناً بالله تعالى، أعانك الله وأعطاك ما تريد وترجو، فأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، وأكثر من قول "إياك نعبد وإياك نستعين"، والدعاء والتيسير ونحو ذلك، فلهذه الأشياء آثارها الحميدة على أول أمرك وآخره.
الوقفة الخامسة عشرة: لنعلم جميعاً أن الجزاء من جنس العمل، فتعبك على تربية نفسك ومن تحت يدك ستجد جزاءه في الدنيا والآخرة إن شاء الله، وأما من ترك الحبل على الغارب ولم يأمر ولم ينهى فلا يلومن إلا نفسه إذا لم يوفق بصلاح في نفسه أو ذريته.
هذه خمس عشرة وقفة عن الاهتمام بصلاح الأبناء واستشعار رفعهم إلى والديهم في الجنة، إذا كان الوالدان أعلى منزلة منهم، وذلك فضل الله تعالى، ولنعلم جميعاً معاشر الآباء والأمهات أن من تعب اليوم ارتاح غداً، وصلاح الأولاد ربح كبير في الدنيا قبل الآخرة، فهم زينة الحياة الدنيا إذا صلحوا فاجتهدوا في ذلك ولا تقيموا لأنفسكم الأعذار تكاسلاً وتسويفاً بل استشعروا التقصير لتقوى عزائمكم على بذل الخير لكم ولهم.
أسأل الله تعالى التوفيق والسداد والصلاح والإصلاح لنا ولذرياتنا ولجميع المسلمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد