الأسرة بعد رمضان


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

من فضل الله تبارك وتعالى على عباده أن أعانهم ومكنهم من صيام هذا الشهر وقيامه ونسأل الله تعالى القبول والمضاعفة، ولقد أمضى الناس هذا الشهر بأنواع من العبادات القولية والفعلية مما كانت زيادة في رصيدهم الأخروي وفي موازينهم، وإن هذا الخير الذي أمضاه الناس في شهر الخير لابد أن يكون له بصمات تربوية وإيمانية عليهم بعد رمضان، وحول واقع الأسرة بعد رمضان سنقف خمس عشرة وقفة نتدارسها فيما بيننا لعلها أن تكون دافعة لنا في الاستمرار على الخير ونقله للغير والثبات عليه.

 

الوقفة الأولى: يقول أهل التربية بأن الإنسان إذا دام العمل مدة لا تقل عن خمسة وعشرين يوما كان هذا العمل سجية له، مع حرصه على تطبيقه وتزول الكلفة التي يشعر بها أول الأمر، وقد أمضينا على هذا الخير العظيم شهرا كاملا، فما أجمل أن يكون الخير الذي عملناه في شهر رمضان سجية لنا بعد رمضان.

 

الوقفة الثانية: حيث إن الناس قد صلوا التراويح طوال شهرهم فرادى أو جماعات، فإن رمضان أثبت لنا أننا نستطيع أن نستديم صلاة الوتر بإحدى عشرة ركعة، ولو عملت عملية حسابية سريعة عن عدد ركعاتك من خلال الوتر بإحدى عشرة ركعة لمدة سنة كاملة لرأيت ما يسر الخاطر ويبهج النفس ويقر العين، فحاول جاهدا المحافظة على هذا وعلى هذا المكسب العظيم.

 

الوقفة الثالثة: أثبت لنا رمضان أننا نستطيع وبيسر وسهولة ولله الحمد صيام شيء من التطوع كالاثنين أو الخميس أو كلاهما أو غيرهما من المتطوعات، فقد اجتزت بحمد الله شهرا كاملا متتابعا ولن تعجز عن بضعة أيام متفرقة، ولكن اعقد العزم وفكر في المكاسب قبل أن تفكر في المتاعب.

 

الوقفة الرابعة: أثبت لنا رمضان أننا نستطيع الاستيقاظ قبيل الفجر لندرك الساعة العظيمة التي ينزل فيها ربنا إلى السماء الدنيا نزولا يليق بجلاله وعظمته وينادينا (هل من سائل فأعطيه سؤله هل من مستغفر فأغفر له هل من تائب فأتوب عليه) فقد أثبت لنا الشهر أننا نستطيع استثمار تلك الساعة ولو من خلال ربع ساعة قبل أذان الفجر، فيا سعادة هؤلاء القائمين ويا بشراهم بخلوتهم بربهم ومناجاته، وهي لا تأخذ من نصيب نومهم شيئا إلا نزرا يسيرا.

 

الوقفة الخامسة: أثبت لنا رمضان أننا نستطيع أن نجعل لنا منهجية مع قراءة القرآن حيث تمت قراءته مرات ولله الحمد في شهر رمضان، فلنستمر بعده بنفس المنهجية أو منهجية أخرى مناسبة فإن هذا من أعظم المكاسب من رمضان، فاجعل لك ختمة أسبوعية وذلك بأنك إذا قرأت سبع عشرة صفحة مع كل وقت صلاة ختمت في كل أسبوع ختمة، أو قرأت ثمان صفحات مع كل وقت صلاة تختم في كل نصف شهر مرة وهكذا، والختمة الواحدة فيها ما يزيد على ثلاثة ملايين حسنة، فاجعل لك أخي الكريم منهجية تناسبك وخذ لنفسك من نفسك.

 

الوقفة السادسة: كنا من خلال هذا الشهر المبارك في خلق حسن وتعامل أمثل ولله الحمد فليستمر هذا التعامل الأمثل بعد رمضان في حسن المنطق وفعل الخير والتعاطف والتراحم وبذل الصدقة وصنائع المعروف.

 

الوقفة السابعة: نرجو من الله تعالى أنه كُفِّر عنا سيئاتنا وخطيئاتنا فلنعقد العزم على عدم الرجوع إليها وما يحسن بالفرد أن يعفو عنه ثم يعود يخطئ مرة ثانية ولكن إذا عدنا إلى الخطأ فلنتبع ذلك بالاستغفار والعمل الصالح لعله أن يكون مكفرا له وناهيا عن المنكر.

 

الوقفة الثامنة: الاجتماع بالأسرة ومناقشة الاستمرار على العمل الإيجابي بعد رمضان غاية في الأهمية فإذا اجتمع أفراد هذه الأسرة ليعلم الوالدان الكريمان المباركان أن مناقشة ذلك مع أولادهم سيكون صدقة جارية لهم، فتدارسوا معهم رحمكم الله ماذا ستكونون بعد رمضان وخططوا لهم الخطط للمحافظة على الأعمال الصالحة فإن صلاحهم هو السعادة لكم ولهم في الدنيا والآخرة.

 

الوقفة التاسعة: اجلسوا مع أنفسكم أيها المباركون وانظروا في مكاسبكم من شهركم المبارك واختطوا البرامج والخطط الذاتية لكم ولأولادكم ليكون الخير في عامكم كله لا في شهركم فقط فإن النفس تحتاج إلى توجيه وإرشاد، أما إذا تركت بلا ذلك التوجيه فقد تنزل إلى مستويات متدنية يشفق الإنسان على نفسه منها.

 

الوقفة العاشرة: النفس لها إقبال وإدبار ولها شرة وفترة ولها نشاط وخمول فإذا كانت نشيطة فخذوها بالواجبات والنوافل وزيدوا منها وإذا فترت وخملت فخذوها بالواجبات وما يتيسر من النوافل والنفس تحتاج دائما إلى الحث والرعاية والعناية لأنها ضعيفة وقد يسوقها الشيطان إلى مراتع سلبية فاحذروا ذلك وفقتم وبوركتم.

 

الوقفة الحادية عشرة: من المواسم التي يتناصح أفراد الأسرة عليها بعد رمضان صيام الست من شوال فقد ورد في الحديث الذي رواه مسلم قال عليه الصلاة والسلام: (من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر) رواه مسلم.

فصيام رمضان عن عشرة أشهر وصيام الست عن شهرين فذلك صيام السنة كلها فاحرصوا يرحمكم الله على ذلك وأرشدوا أولادكم إليه فهو خير عظيم وسويعات محدودة وبعدها يبشر صاحبها بفرحة في الدنيا عند فطره وفرحة في الآخرة عند لقاء ربه.

 

الوقفة الثانية عشرة: من المهم جدا أن تتواصى الأسر جميعا على صيانة الجوارح عن الآثام فإن هذه الجوارح هي مداخل الشيطان للإنسان فإذا حفظت فالمسلم محفوظ بإذن الله تعالى وكما تحرس المنافذ للبلد فلتحرس المنافذ على النفس وهي الجوارح.

 

الوقفة الثالثة عشرة: العبادات الجماعية للأسرة هي من صميم التربية وذلك كعقد حلقة ذكر لأهل البيت أسبوعية أو يومية أو برنامج قرآني لهم جميعا أو يتفقون على صيام أحد الأيام ونحو ذلك مما تكون الجماعية فيه مشجعة ومحفزة.

 

الرابعة عشرة: زرع قيمة المسابقة إلى الخيرات بين أفراد الأسرة وتشجيعهم وتحفيزهم فيناقش داخل الأسرة برنامج تحت عنوان المسابقة إلى الخيرات فأحدهم يذكر تحفيزا على الخير من الكتاب والسنة والآخر يذكر طرقا للمسابقة على الخير وثالث يذكر إحصائيات سريعة في هذا المجال وهكذا، ثم يتفقون على أعمال يحرصون عليها علما وعملا لتكون مكملة لما حصلوا عليه من الخير في رمضان.

 

الوقفة الخامسة عشرة: من الجميل جدا أن يذكر الأولاد بعدة خيارات من الخير، فمثلا في قراءة القرآن يوضح لهم متى يختمون في شهر ومتى يختمون في نصف شهر ومتى يختمون في أسبوع وهكذا، إذا وضعت هذه الخيارات بين أيديهم فإن الله تعالى يهديهم إليها وذلك بعد توفيق الله تعالى ثم جهد هذين الوالدين الكريمين فإن التربية والصلاح والإصلاح لابد له من جهود يبذلها الوالدان ويعملها الأولاد.

 أسأل الله تبارك وتعالى أن يصلح لنا نياتنا وذكرياتنا وأن يتقبل منا أعمالنا في شهرنا وفي غيره.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply