العفة الأسرية


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

إن مطلب العفة بمعناه العام هو مطلب كبير وجليل، والكل يسعى إليه لأنه يتناول الذكر والأنثى والصغير والكبير، إن العفة بمعناها العام هو عمل يسعى إليه أصحاب الهمم ويتطلعون إليه، إن لفظة العفة عندما تطلق ويراد بها ضد الأفعال الأخلاقية الجنسية المشينة، وإن كان هذا مرادا، ولكن المعنى أعم من ذلك، فيشمل عفة السمع والبصر واللسان وبقية الجوارح كذلك، فمتى توصف الأسرة بأنها عفيفة؟ إذا سلمت من هذه الآفات والفلتات السيئة، ويدخل دخولا أوليا ما يتعلق بالجنس ومشاكله وعلله، وسيكون الحديث في هذا الموضوع ضمن اثنتي عشرة وقفة أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع بها الجميع.

 

الوقفة الأولى: تعريف العفة: هي خلق إيماني يحمل على حفظ الجوارح عما يغضب الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام.

إن هذا التعريف للعفة بمعناه المجمل هو ضرورة من الضروريات الأسرية لتدارسه في الجلسات الدورية لها ومناقشاته لتضع الأسرة النقاط على الحروف حيال تلك العفة وقاية ومعالجة، وعندما تفعل الأسرة ذلك إنما هو أداء للرعاية التي سيسأل عنها الرعاة يوم القيامة، وهي بهذا التعريف تشمل الجوارح والوسائل التقنية ونحوها.

 

الوقفة الثانية: إن لهذه العفة خوارم تصغر وتكبر وتعرض لنا في كل حين وآن، لأنها من وسائل الشيطان، فمن خوارمها الدخول على النساء، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء، قالوا يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال الحمو الموت). فكل دخول على نساء ليست من ذوات المحارم فهو يخرب تلك العفة ويسهل دخول الشيطان على تصرفات الإنسان.

ومن الخوارم أيضا التساهل بالحجاب، قال الله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)، وقال تعالى: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب) فتساهل المرأة في حجابها أو تساهل الرجل في حجاب محارمه، فإن هذا مما يخرم العفة والمروءة، وبالمناسبة فإن النقاب الواسع لدى بعض النساء ليس هو النقاب الشرعي المرخص فيه، ومن خوارم العفة أيضا الدخول على الرجال أو محادثتهم بزينة وتصنع، فكل هذا ونحوه إنما هو من خوارم العفة.

فاربأ بنفسك عن تلك الخوارم كلها وأمثالها، لتبقى العفة كما أراد الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، إن الشاب والشابة عندما يخرجان تكسعا وتعرضا للشر إنما هما يفتحان على أنفسهما باب الشيطان، ويكسبان السيئات، ويفتنان الغير، وهما في غنى عن هذا كله، لأنهما في تلك الحال الملكان يكتبان كل ما يحدث، ثم يقال يوم القيامة: اقرأ كتابك.

 

الوقفة الثالثة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع). إن كلمة وفرقوا بينهم في المضاجع هي من أجل تحصيل العفة، فلا ينامان سويا في منام واحد وهما في تلك السن، فلنحرص على تنشئة أولادنا على العفة من صغرهم، ومما ينبه عليه اللباس القصير الفاتن لبعض الصغيرات في الأعياد والمناسبات، فإن هذا الصغير يعيش وينشأ على عدم العفة والستر.

 

الوقفة الرابعة: من العفة المهمة عفة السمع والبصر واللسان لدى الرجال والنساء والأولاد جميعا، فعفة هذه الجوارح هي بصيانتها عن المحرم، وكلها سيسأل عنها الإنسان يوم القيامة، وهي ستنطق في ذلك اليوم بما فعلت من خير أو شر، وحينها يندم صاحب الإثم والعدوان أن ألا يكون تاب في الدنيا وعف جوارحه وألزامها لجام التقوى فهو أيسر لحسابه في الآخرة.

 

الوقفة الخامسة: إن الإنسان عندما يسعى إلى العفة فإنما هو في عبادة عظيمة لأنه يسعى في مرضاة الله عز وجل، وعندما رأت معلمة إحدى الطالبات وقد خرجت من المدرسة ويدها اليمنى تمسك عباءتها حتى لا يحركها الهواء الشديد، فقالت تلك المعلمة تلك الكلمة العظيمة قالت: هذه اليد في عبادة عظيمة، وقد صدقت في مقولاتها لأن هذه الطالبة تريد إعفاف نفسها.

 

الوقفة السادسة: من دواعي العفة تطبيق قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) ومن عمل المرأة الحقيقي هو خدمة زوجها وبيتها، وهذا يستوجب القرار في البيت كما جاء في القرآن الكريم، ولكن إن خرجت المرأة، فليكن خروجها عفيفا محتشما لأنه ورد في الأثر (المرأة عورة) فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها، لأنها لو خرجت متبرجة فهي تكسب إثمها وإثم من يراها بأنها هي سبب لهذا الإثم، فليتق الله تعالى نساؤنا في بقائهم وخروجهم.

 

الوقفة السابعة: إن المرأة العفيفة والرجل العفيف هما ممن إذا رآهم الناس رفعوا أكف الضراعة إلى الله تعالى أن يحفظهم ويكلأهم برعايته بخلاف أصحاب التبرج، فالدعاء عليهم من الصالحين وغيرهم قد تتتابع، ففرق شاسع بين الفريقين في الحال والمآل، فلربما دعوة رفعت صاحبها في الدنيا والآخرة، وربما دعوة جعلته في الحضيض، فاتقوا الله تعالى جميعا رجالا ونساء وقوموا بما أوجب الله عليكم من العفة في جميع أحوالكم.

 

الوقفة الثامنة: إن العفة عند الرجل والمرأة تدفع شرور كثيرة قد لا تخطر على بالهما، وذلك مثل الغرور والإعجاب وكثرة السيئات، وشهود البقاع عليهم، ودعوات الآخرين عليهم واستدراجهم، وعدم شكر نعمة الله تعالى عليهم، والتنازلات عن بعض صفات المروءة والسفه، ونحو ذلك مما يسببه زوال العفة.

 

الوقفة التاسعة: من ثمرات العفة الطمأنينة والسكينة، ووصف صاحبها بالعقل والثقل وزوال السفه، واحترام الآخرين، وتقديرهم وإغاثة الشيطان، ودعوات المسلمين لصاحب العفة، وتنشئة الأسرة على تلك العفة، وعدم الاغترار بالمظاهر، ونحو ذلك مما يطول ذكره من المصالح لصاحب العفة من الرجال والنساء.

 

الوقفة العاشرة: أيتها المرأة الكريمة، إنك بعفافك وسترك وحجابك تكونين سببا في إعفاف الرجال وعدم تسلط الآخرين عليك، فالمرأة العفيفة المتسترة الكل يراها أما محترمة استجابت لأمر ربها ورسوله عليه الصلاة والسلام، ففازت بالأجر عند الله تبارك وتعالى، والاحترام والإكبار عند الناس فكوني كذلك حفظك الله ورعاك.

 

الوقفة الحادية عشرة: هل النقاب المعهود المعروف لدينا هو النقاب الشرعي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب لا، بل النقاب الشرعي هو ما يظهر العينين فقط دون ما يحيط بهما من البشرة، وعندما سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن النقاب المعهود المتوسع فيه قال ما نصه (ولكن في وقتنا هذا لا نفتي بجوازه، بل نرى منعه، وذلك لأنه ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز، ولهذا لم نفتي امرأة من النساء لا قريبة ولا بعيدة بجواز هذا النقاب في أوقاتنا هذه). انتهى كلامه رحمه الله.

 

الوقفة الثانية عشرة: إن اللباس الشرعي الساتر والذي لا يصف مفاتن المرأة هو من العفة التي أمر الله تعالى بها ورسوله عليه الصلاة والسلام، وهو الخير الذي أرشد إليه النساء في لباسهن شراء واقتناء.

 

 معاشر الآباء والأمهات، اعلموا أنكم مسؤولون عن أولادكم ذكورا وإناثا فاحكموا التربية، وقد تنزلق بعض الفتيات في مزلق يندم الجميع عليها، فالوقاية خير من العلاج، لا تجعلوا خروجهن من البيت كما شئن، بل كونوا على وعي كبير من هذا، فالأمر خطير، واعلموا أن العفة مطلب للجميع، ولا أحد يرضى أن يوصف بأنه غير عفيف، لذلك يلزم أن تصدق أفعالنا أقوالنا، فما دام أن العفة مطلبنا جميعا، فليكن واقعا لنا ولأولادنا ونسائنا فانظروا في أحوالكم الآن قبل أن ترحلوا وتودوا لو رجعتوا لتصحيح المسار فالفرصة موجودة والتغيير ممكن وسيأتي وقت تزول الفرصة ولا يمكن التغيير.

وفقنا الله لكل خير ورزقنا العفاف والتقى والهدى في أقوالنا وأفعالنا وأصلح قلوبنا وأعمالنا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply